-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
يفطرون دون أنيس.. و"الشروق" تقف على حالات تدمي القلوب

.. مُسنّون يصارعون العزلة في شهر الرحمة!

وهيبة. س
  • 4421
  • 0
.. مُسنّون يصارعون العزلة في شهر الرحمة!
أرشيف

لمة مائدة الإفطار.. المتعة التي تعيشها الكثير من العائلات خلال شهر رمضان الكريم، فعلى قدر الاهتمام بلحظة آذان المغرب، والالتفاف حول مائدة مزينة بمختلف أنواع المأكولات والمشروبات، والفرحة بصوم يرضي الله ويزرع في النفس الاطمئنان، فإن دفء العائلة وحنان الوالدين يزيد في الإفطار لذة ما بعدها لذة.
هناك فئات تعيش بعيدا عن هذه الأجواء، وتجلس إلى مائدة الإفطار وعيونها مليئة بالدموع، وغصة في الحلق وضيق في الصدر تختلط مع ذكريات جميلة، وحاضر اليوم شعاره “الوحدة”، ولكبار السن واقع أكثر مرارة، حيث تتحول موائدهم في شهر الرحمة، إلى استرجاع تلك الرحمة التي كانوا قد أنفقوها على أولادهم وتلك الرعاية التي لطالما أفنوا فيها أعمارهم من أجل أن يكبروا ويقروا بهم، لكنهم اليوم غائبون!
وفي الوقت الذي تعيش عائلات وسط أجواء التلاحم والتعاون بين أفرادها، هناك جزائريين يعيشون بمفردهم، وهناك من تقدم بهم السن، لكنهم لم يجدوا فردا من عائلاتهم يقف جنبهم، أو يشاركهم موائد الإفطار في رمضان، الذي هو شهر للرحمة والتكافل، والمساعدة.
وقفت “الشروق”، على عينات من رجال ونساء تقدم بهم العمر، وتغيرت حياتهم رأسا على عقب، ولم يعد هناك فرد من عائلاتهم يمد إليهم يد العون، ولا يواسيهم في لحظات حزنهم، ولا يشاركهم لحظات فرحهم، واستقبالهم لمناسبات عزيزة على القلوب مثل شهر رمضان الكريم، ولولا بعض المحسنين والجمعيات لضاعوا في الشوارع وقتلهم البرد والجوع!

خالتي “الطاوس”.. من فيلا و3 أبناء وزوج إلى متشردة
وتتذكر خالتي “الطاوس”البالغة من العمر 83 سنة، في شهر رمضان، كيف كانت تعيش في فيلا بتليملي بالعاصمة، رفقة أبنائها الثلاثة وزوجها، ودارت الأيام لتجد نفسها، متشردة في الشارع، ولولا جمعية مساعدة الأشخاص المسنين “وفاء”، لكانت ظروفها أسوأ مما هي عليه اليوم.
قصتها مع الوحدة بدأت سنة 2008، أين سافر زوجها رفقة ابنيه شابين في سن الزواج، إلا الابن الثالث الذي كان يؤدي الخدمة العسكرية في الصحراء، ليرجعوا معه إلى العاصمة، وفي طريق العودة، على مستوى طريق بولاية بسكرة، وقع لهم حادث مرور فتوفوا جميعا.
ولم تمض أيام على حزن خالتي “الطاوس” لفقدان زوجها وفلذات كبدها، حتى تصطدم بالورثة يطالبونها بالخروج من الفيلا، وبعدها وجدت نفسها في الشارع دون مأوى، ولا قريب يحن عليها ويستضيفها عنده.
وتعيش اليوم خالتي “الطاوس”، في بيت متواضع بالقصبة، تدفع أجرة كرائه، جمعية مساعدة المسنين “وفاء”، وهذا بفضل المحسنين وذوي القلوب الرحيمة الذين لا يرجون إلا رضا الله ومغفرته.

عمي بدوي.. عاش في فرنسا فوجد نفسه في شوارع الجزائر
وحكاية عمي بدوي لا تختلف كثيرا عن قصة “الطاوس”، فهو رجل مسن يعيش وحيدا اليوم بين أربعة جدران، ويقعد إلى مائدة الإفطار يحمل هموما إلى جانب داء السكري، ولا تفارقه آلام جراح الزوجة وأبنائه الثلاثة.
ويبلغ الآن عمي بدوي 63 سنة، استأجرت له جمعية “الوفاء”، مسكنا متواضعا في العاصمة، بعد أن تشرد في الشارع لمدة، وكان هذا المصير له، بعد أن تزوج بامرأة تملك سكنا في العاصمة، ليأتي إليها ويقضي عطلته، ولم يخبر زوجته الأولى التي تقطن في فرنسا وهي جزائرية، له منها 3 أبناء بينهم فتاة، بخبر زواجه في الجزائر، فلما علمت طردته، ووجد نفسه مضطرا للبقاء في الجزائر.
ولكن قررت الزوجة الثانية التخلص منه، وطرده إلى الشارع، فوجد وضعا مغايرا تماما لما كان يعيشه من قبل، وساء حاله بعد أن تخلى عنه الأبناء.

“زبيدة” أنجبت إطارا في الدولة وتجرعت مرارة “الوحدة”
وتركت المسنة “زبيدة” التي عاشت في دار العجزة بدالي إبراهيم، ذكرى أليمة لرئيس جمعية “الوفاء” وأعضائها، حيث أن قصتها محزنة إلى درجة لا تطيقها القلوب الرحيمة، فقد أنجبت ولدا وحيدا، وعاشت لأجله إلى أن كبر وأصبح إطارا في إحدى المؤسسات العمومية المعروفة.
وتنحدر من ولاية تيارت، ولما سكن ابنها في حي راق بالعاصمة، تخلى عنها لمدة 5 سنوات في دار الشيخوخة دون أن يزورها يوما، إلى غاية تدخل جمعية مساعدة الأشخاص المسنين “وفاء”، للتوسط عند ابنها وكان عمرها 88 سنة، وتوفيت أياما فقط بعد أن استقبلها الابن الوحيد في بيته.

مئات المسنين يعيشون بمفردهم في الجزائر
وكشف رئيس جمعية “وفاء” لمساعدة المسنين، سعيد حواس، حول موضوع كبار السن الذين يعيشون بمفردهم من دون إعانة من طرف أقاربهم، عن وجود 783 رجل وامرأة تتراوح أعمارهم بين 65 سنة و90 سنة في العاصمة، يتخبطون في الوحدة، ولا يوجد لديهم أقارب يزورونهم، وبين هؤلاء، 492 امرأة.
وتمثل الحالات الخاصة بالأشخاص المسنين الذين طردوا من طرف أولادهم، ووجدوا أنفسهم في دور العجزة، حسب حواس، 73 حالة بين نساء ورجال، تجاوزوا أحيانا الثمانين.
وقال حواس، إن اغلبهم يعانون أمراض الشيخوخة، وبعضهم لديه أبناء لا يسألون عنهم، لكن الجمعية خصصت لهم خلال رمضان، مطعما للرحمة، بينما تتولى إيصال وجبات إلى مكان إقامة بعضهم نظرا لتقدمهم في السن، وإصابتهم بأمراض تمنع عليهم الخروج من المنزل.
وتتكفل جمعية مساعدة الأشخاص المسنين “وفاء” وهي أقدم جمعية تتولى مشاكل واحتياجات هذه الفئة، تأسست سنة 1987، بكبار السن هؤلاء، من خلال علاجهم، ومساعدتهم في مقرات إقامتهم، بمساعدين اجتماعيين، ومرافقين في الحياة، ومنظفات بيوت.
ودعا محدثنا إلى تفعيل القانون الذي يمنع الأبناء عن طرد والديهم من المنزل والتخلي عنهم في دور العجزة، وفرض على الأبناء دفع أموال مقابل بقاء الوالدين أو أحدهما في هذه الدور.

مخاوف من زيادة شريحة كبار السن الذين يعيشون الوحدة
وفي السياق، قالت الباحثة في علم الاجتماع والشيخوخة، أستاذة بجامعة تيبازة، صليحة بوماجن لـ”الشروق”، أن هناك شريحة لا يستهان بها من مسنين يعيشون بمفردهم في الجزائر، وهو ما يذكرنا بالمجتمع الألماني الذي كان يعرف بالشيخوخة.
وأكدت أن هذه الزيادة التي يشهدها المجتمع المدني في شريحة المسنين، تزامنا مع المغريات المادية التي يعيشها الأبناء، واختلال الروابط الاجتماعية، يدعو حسبها، إلى التفكير في ميكانيزمات جديدة، للتكفل بهذه الفئة.
وترى بوماجن، أن الأسرة في الجزائر تبدلت معالمها، وخاصة في ظل تأخر سن الزواج، واهتمام المرأة بعملها، وحرمان بعض النساء من إنجاب الأطفال، وهذا بالنظر إلى تراجع التكافل بين أفراد العائلة والتقارب، وتخلي الأبناء عن الأعمام والأخوال، والاكتفاء بالوالدين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!