-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
بعد ما أصبح الخطاب الرسمي الفرنسي مشحونا بـ"الإسلاموفوبيا"

“مسجد باريس” يحذر من استهداف المسلمين بذريعة معاداة السامية

محمد مسلم
  • 591
  • 0
“مسجد باريس” يحذر من استهداف المسلمين بذريعة معاداة السامية
أرشيف

في الوقت الذي تمارس فيه السلطات الفرنسية الرسمية تمييزا مثيرا للاشمئزاز ضد الفرنسيين المسلمين، تقوم في الوقت ذاته بمحاباة حساسية صغيرة من الفرنسيين من غير المسلمين والمسيحيين، وهم اليهود الصهاينة، الذين باتوا اليوم يتقلدون مناصب سامية مكنتهم من اختطاف مصادر صناعة القرار في هذه الدولة.
وبمناسبة العشاء التقليدي لما يعرف “المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا” (كريف) الذي أقيم في العاصمة الفرنسية، باريس، بحر الأسبوع المنصرم، صدرت عن رئيس الوزراء الفرنسي، غابرييل أتال، تصريحات مثيرة للاستفزاز، تنم عن الكثير من العنصرية، عندما راح يندد بما وصفها الأفعال المعادية للسامية، التي ارتكبت في فرنسا بعد العدوان الصهيوني الهمجي والوحشي على قطاع غزة والضفة الغربية وعموم فلسطين المحتلة.
المثير في كلام المسؤول الفرنسي أنه هاجم من قال إنهم يقدمون “دروسا أخلاقية” للكيان الصهيوني، بسبب حرب الإبادة التي يرتكبها جيش الاحتلال يوميا وعلى مدار أزيد من سبعة أشهر في فلسطين المحتلة، ومما قاله بهذا الخصوص: “عندما نسمع الشهادات (حول هجمات حماس في 7 أكتوبر)، نجد صعوبة في الاستماع إلى الدروس الأخلاقية لبعض الأشخاص الأثرياء الذين يشرحون للمجتمع الإسرائيلي أنهم يبالغون في رد فعلهم”.
وفهم كل من سمع هذا الكلام أن رئيس الوزراء الفرنسي، موجه للجميع، ولكن بدرجة أولى للزعيم اليساري الفرنسي، جون لوك ميلونشون، رئيس حزب “فرنسا الأبية”، الذي بات يوصف وهو من يقاسمه أفكاره الرافضة والمنتقدة للعدوان الصهيوني على الفلسطينيين، بأنهم من “اليسار الإسلامي”، وهو تيار سياسي فرنسي برز خلال السنوات الأخيرة، معروف برفضه لأفكار اليمين واليمين المتطرف الفرنسي، الذي يتخذ من معاداة الجاليات المسلمة، برنامجا مسموما في حملاته الانتخابية.
وتزامن تصريح الوزير الأول الفرنسي المثير للاشمئزاز، وقرارا صادرا عن وزارة الداخلية الفرنسية، بإنشاء لجنة لمحاولة فهم الظاهرة الإسلامية في فرنسا، وهو القرار الذي يعتبر توجها لتجسيد قانون محاربة “الانفصالية” التي تم سنها في قانون بطلب من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون.
مثل هذا الخطاب كان يمكن أن يمر بدون أن يخلف جدلا حادا في المجتمع الفرنسي، لو صدر مثلا عن زعيمة اليمين المتطرف، مارين لوبان، أو اليمين المتصهين بزعامة “إيريك زمور”، رئيس حزب “الاسترداد”، أو حتى إيريك سيوتي، رئيس حزب “الجمهوريون”، الذي لم يعد يحمل من الأفكار الديغولية (نسبة إلى الجنرال دي غول) المعروف بمواقفه المتوازنة بين العرب والصهاينة، سوى الأدبيات الموروثة عن حزبه الذي تغيرت تسميته أكثر من مرة.
وحتى عميد مسجد باريس الكبير، شمس الدين حفيز، الذي كثيرا ما خلفت مواقفه الأسئلة بشأن العدوان الصهيوني الهمجي على الفلسطينيين، وكذا علاقاته مع بعض الصهاينة الفرنسيين، يبدو أنه اكتشف عدم جدية الطرف الفرنسي في إقامة علاقة ذات مصداقية بين مختلف الجاليات الموجودة على التراب الفرنسي، وهو ما كان وراء إصداره بيانا باسم عمادة المسجد، انتقد فيه خطاب رئيس الوزراء الفرنسي المتحيز.
وفي البيان الذي عممته عمادة مسجد باريس الكبير، دعا شمس الدين حفيز إلى معاملة مماثلة للمسلمين في فرنسا، وقال إنه “يود التأكيد” على أن دعوة غابريال أتال إلى اليقظة، وكذا إدانته لمعاداة السامية، يجب أن تطبق بطريقة عادلة على جميع الحساسيات المقيمة على التراب الفرنسي، وهي من الحالات النادرة التي يخرج فيها عميد مسجد باريس منتقدا الحكومة الفرنسية، ما يشير إلى أن حالة الغضب من سياسة الكيل بمكيالين التي باتت تعتمدها باريس في التعاطي مع الجالية المسلمة، قد وصلت مداها.
واللافت في الأمر، هو أن عميد مسجد باريس بات يتحدث بصراحة وطلاقة عن انتشار ما وصفه المفهوم “الزائف لمعاداة السامية”، وهو مصطلح انتقل تدريجيا وعلى مدار عقود من الزمن، من اتهام “النازية”، بهذا المفهوم، إلى الجالية المسلمة، التي يحاولون اليوم منعها من الحديث عن إدانة الجرائم الصهيونية التي فاقت حرب الإبادة، عبر الخلط المتعمد والمقصود بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية، التي هي في الواقع رأس الأفعى في المشهد العالمي اليوم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!