-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"الشروق" تواصل سرد مذكرات بن طوبال:

لا أسرار في “إيفيّان” وفرحات عبّاس قبل بفصل الصحراء

زهية منصر
  • 11200
  • 3
لا أسرار في “إيفيّان” وفرحات عبّاس قبل بفصل الصحراء
أرشيف

يتحدث لخضر بن طوبال، في هذا الجزء، عن تولي بومدين مهمة قيادة الأركان، حيث يؤكد في شهادته أنه هو من اقترحه لهذا المنصب، رغم معارضة كريم. فقد قاد هو وبوصوف مهمة إقناعه. وقال بن طوبال إن اقتراح بومدين كان بهدف إعادة تنظيم وهيكلة قيادة الأركان واختبار مسؤولين جدد.

“كان يجب استخلاص الدروس من طريق تسيير “الكوم” وهيئة الأركان العامة، بومدين الذي كان على رأس هذه الهيئات اشتكى من قلة التنسيق وانضباط معاونيه. وهذه الاختيارات كانت من قبل تتم من قبلنا، وقد منحنا بومدين سلطة وحرية اختيار عناصره من هنا فصاعدا”.

قام بومدين، بعد توليه مهمة قيادة هيئة الأركان، بتعيين مجموعة من الأسماء، مثل عز الدين وعلي منجلي وقايد أحمد.. ويسجل بن طوبال جملة من الملاحظات على هذه الأسماء، مثل قايد أحمد، المعروف بالسي سليمان، الذي لعب دورا كبيرا في قضية زوبير، وكان من نفس منطقته، سليمان فقط عبر الداخل إلى الحدود، بينما كان زوبير محاربا صلبا، وكان يعتبر بطلا من طرف رجاله، فأراد سليمان تقزيمه وأقحم بومدين في لعبته، ومنجلي أيضا كانت له مشاكل تنظيمية في الشمال القسنطيني، وقد حول إلى الخارج من قبل مجلس الولاية الثانية.

يقول بن طوبال: “خيارات بومدين لم تكن ملائمة، لكنها اعتمدت في النهاية من طرف الحكومة المؤقتة، وصادقت عليها رسميا”.

وفي ذات الجزء، يعود بن طوبال لتقييم خيارات بومدين، وعمل هيئة الأركان، فيقول إنها لم تكن موفقة، وقد فشلت في مهمة تمرير السلاح للداخل، وقد تعمّدت ذلك، “أشك في أنها استغلت كل الوسائل المتاحة، فهيئة الأركان في النهاية فضلت تنظيم الجيش على الانشغال بتمرير السلاح للثورة في الداخل. وهذا ما أنتج- بحسب بن طوبال- عدة هزات، كانت متبوعة بأحكام الإعدام ونقل وحدات من الشمال إلى الجنوب والعكس، لكن تم فرض النظام، ولم تعد هناك تمردات ذات بُعد جهوي، فقد بدأت ملامح جيش حقيقي تظهر”.

بومدين ومنجلي شجعا جيش الحدود على عدم الدخول للجزائر

يكشف بن طوبال في مذكراته أن معلومات وصلت المجموعة، كون بومدين ورفيقيه منجلي وقايد أحمد، شجعوا جنود الحدود على الاستمرار معهم، وعدم عبور الحدود، “المستقبل هنا وليس في الداخل، ابقوا معنا وستربحون”. بحسب شهادة بن طوبال، فإن هذا حدث في 1960.. فقد كان بومدين وقيادته قد بدؤوا في تسجيل الشباب الجزائري من اللاجئين في البلدان الحدودية. في البداية، قدمت الخطوة على أساس أنها اقتراح من قيادة الأركان لفدراليتي تونس والمغرب، ولاحقا اتخذت العملية امتدادا كبيرا. ففي ظرف شهرين، صار على الحدود 30 ألف رجل، وبداية من 1961 بدأت الأمور تتغير، حيث يوضح بن طوبال أنه في عام 1959 كانت كل التنظيمات تطبق قرارات مجلس الثورة، لكن بعدها صارت هناك طريقة أخرى في التعامل.
“لقد تم بعث جيش نظامي لا علاقة له بالتوجهات المحددة سابقا، فلسفة هؤلاء القادة ذهبت حتى ضد روح وقرارات مجلس الثورة، فقد تم بعث جهاز عسكري لأغراض سياسية. وهذا مقابل فشل كلي لمهمته الأساسية.. وهذا الفشل الذي مع الوقت تأكدت أنه مقصود”.
“لاحقا، أرادت قيادة الأركان التنازل أو لنقل التخلص من مهمة تزويد الثورة بالسلاح”، حيث يشير صاحب المذكرات إلى أن قيادة الأركان طلبت لقاء عاجلا بالحكومة المؤقتة، من أجل مناقشة مشاكل ذات صبغة وطنية تتعلق بمستقبل الثورة نفسها.
استدعى فرحات عباس اجتماع الحكومة، للنظر في استدعاء قيادة الأركان التي كانت ممثلة بعلي منجلي وقايد أحمد، الذي رسم لوحة قاتمة للوضعية، استنادا إلى التقارير التي كانت تصل قيادة الأركان من الداخل، وقال: “إن على الحكومة المؤقتة أن تجد حلا للمشكلة الجزائرية، لأن قيادة الأركان لم يعد في إمكانها تحمّل المسؤولية ولعب دور المزوّد بالرجال والعتاد”.
وبحسب مذكرات بن طوبال، فإن الاجتماع دام ثلاث ساعات، رد فيها ممثلو قيادة الأركان على كل تساؤلات الحكومة، وقد وقف الاجتماع على حجم خطورة الوضعية.
وفي اليوم الموالي، جاءت رسالة ثانية من قيادة الأركان، تدعو إلى اجتماع خاص لاستكمال المعلومات، وكان هذه المرة علي منحلي هو الذي طرق الباب، وتحدث بغطرسة وتلفظ بتهديدات قائلا: “كان هناك سوء تفاهم.. إننا لا نريد للثورة أن تتغاضى عن احتمالات الخروج من المشاكل، ونخشى أن يستخدم ما قلناه كذريعة لقبول أي حلّ”. فرد كريم بلقاسم بعنف، وكان نفس رد فعل مهري وفرحات عباس وبوصوف وبن طوبال.
قال كريم مخاطبا علي منجلي: “أنت عضو في قيادة الأركان، لكن أمام الحكومة أنت معاون، ولن أسمح لك مطلقا بالحديث ضد الحكومة المؤقتة، أنت بلغتنا ويعود الأمر إلينا في استخلاص الحلول، وبإمكانك الانسحاب الآن”. وأضاف بن طوبال في شهادته أنه دعم رد كريم قائلا: “لن أقبل دروسا من أي كان، سواء كان من منجلي أم من قيادة الأركان أم من أي شخص، مهما كان، لدي من مسؤوليات عليا تجاه بلدي وأتحمّلها كما يجب والتاريخ وحده سيصدر حكمه علي”.
يضيف بن طوبال أن منجلي غادر الاجتماع عند هذا الحد، فقيادة الأركان كانت تريد تحميل الحكومة مسؤولية فشل تزويد الجيش بالسلاح وأنها سبب فشل مهمة قيادة الأركان.

اجتماع طرابلس وبداية الاتصال بالفرنسيين

عقد لاحقا اجتماع في طرابلس، في سنة 1961، لتقييم الوضع واستخلاص الدروس. يقول بن طوبال إن هذا الاجتماع كشف حجم الصعوبات في الداخل، خاصة عملية تزويد الولايات بالسلاح، التي لم تكن تتجاوز نسبة 10 أو 20 في المائة، وقد كانت الأوضاع تزداد سوءا وتعقيدا يوما بعد يوم.
وفي هذه الظروف، كانت الاتصالات الأولى قد بدأت بين الحكومة الفرنسة وممثلين عن الحكومة المؤقتة، وكانت أولى هذه الاتصالات تحت قيادة الطيب بولحروف ومحمد الصديق بن يحي. لكن الاتصالات الأولى تعثرت بسبب إصرار فرنسا على فصل ملف الصحراء عن باقي المفاوضات. وهنا يقول بن طوبال: “إن رئيس الحكومة المؤقتة فرحات عباس جاءه وقال له إن الانتصار العسكري صار غير ممكن، الأوضاع تزداد تعقيدا والشعب الجزائري تعب من الحرب واقترح عليه الذهاب ورؤية الجماعة، وكان يقصد كريم بلقاسم وبوصوف، وقال له حاول أن تقنعهم وأنت في العادة مسموع، بأن الشعب الجزائري لم يضح من أجل الرمال، وكان يقصد الصحراء”. يقول بن طوبال معلقا على هذه الحادثة: “هذه ليست نكتة، إنه رئيس الحكومة المؤقتة من قال هذا الكلام، لكن أخبرته بأن كلامه هذا في حال وصل إلى بوصوف وكريم سيعتبر خيانة. الصحراء ليست مجرد كومة رمال، وقد حاربنا من أجل الوحدة الترابية للجزائر وليس لجزء فقط”.
ولم يصر بعدها فرحات عباس على موقفه، ولم يغامر بطرحه، لا أمام مجلس الثورة، ولا أمام الحكومة المؤقتة.

لا توجد أسرار في إيفيان وهذا موقف قيادة الاركان من المفاوضات

ويؤكد صاحب المذكرات مفندا النظرية التي ترجح وجود أسرار في إيفيان، أنه لم تكن ثمة أسرار أبدا، “لم تكن هناك أسرار في إيفيان، لأننا أعطينا أوامر لرضا مالك الناطق الرسمي للوفد الجزائري في إيفيان بالتصريح العلني دُبر كل خروج من الجلسة ووضع مستجدات هذه المفاوضات أمام الرأي العام الوطني والدولي، لأننا علمنا أن فرنسا وبرغم المفاوضات الجارية في إيفيان لم يكن في نيتها حتى ذلك الحين إنهاء الحرب. فرنسا كانت في موقف حرج، فمعالم فشل الجمهورية الخامسة كانت واضحة، كما فشل أيضا خيار الاعتماد على العسكر، لهذا، فقد أرادت ربما ربح الوقت باللعب على الحبلين”.
عاد أيضا لخضر بن طوبال في هذا الجزء أيضا إلى نتائج مفاوضات إيفيان، ورفض قيادة الأركان لنتائجها.. يقول بن طوبال: “بعد عودة الوفد الجزائري من المفاوضات، استدعى مجلس الثورة اجتماعا أولا لتقديم حصيلة الوفد الجزائري في إيفيان، فقد كان بجب أن يعرف الجميع نقاط تعثر المفاوضات والنتائج المحققة ولتوضيح الرؤى في ذهن الأشخاص حتى لا يعتقدوا أن الحرب انتهت”.
“وقبلها، أي قبل مغادرة الوفد الجزائري إلى إيفيان، طرح أعضاء قيادة الأركان المسائل التي يمكن أن تخضع للمفاوضات، لم يتحدثوا بصفتهم خبراء عسكريين، ولكن كأعضاء كاملي العضوية للبعثة السياسية، وأصروا أثناء الاجتماع بين ممثليهم والحكومة المؤقتة على وحدة الشعب الجزائري والوحدة الترابية، كما أثاروا أيضا مسألة مزدوجي الجنسية، وكانوا أيضا يريدون مناقشة حضور القواعد العسكرية الفرنسية في الجزائر. عند مغادرة الوفد كانت الأمور واضحة والنقاط محددة”.
لكن اجتماع مجلس الثورة عرف جوا آخر، غير ذلك الذي ساد عند مغادرة الوفد. فكريم بلقاسم هو الذي قدم تقرير بعثة إيفيان بصفته رئيسا لها. مناخ الاجتماع كان مشحونا، في تونس كانت حملة ضد بن خدة قد بدأت ومسّت الحكومة المؤقتة والضغط عليها للتعبير علنا عن موقفها، اتهم بن خدة بنوع من البورجوازية لعدم تطبيق قرارات رئيس مجلس الثورة، كما اتهم بعدم الامتثال لقرار إدخال الإطارات إلى داخل البلاد.
وبحسب بن طوبال، فإن خلف هذه الحملة بدأت المجموعة تشعر “بأن ثمة قوى معينة تجمع في جميع الاتجاهات في تونس كانت هناك جميع الاتجاهات من الوطنيين وممثلي “أوديما”، كما وجدنا عددا كبيرا من المحكوم عليهم والمنتخبين في الإدارة الفرنسية الذين كانوا يمرحون حول الطبقة السياسية القديمة”.
يتوقف بن طوبال عند التغيرات التي مسّت قيادة الأركان، فيقول إن الكثير من الضباط الفارين من الجيش الفرنسي أعطت لهم مواقع في إطار إعادة هيكلة الجيش، وصارت لهم مسؤوليات عليا في جيش التحرير أو على الحدود، كل هذه العوامل كانت ضد الحكومة المؤقتة، وكانت الانتقادات والهجومات مركزة على فرحات عباس وكريم بلقاسم.
قيادة الأركان كانت تريد رأس كريم، فقد اتهم كريم بكونه السبب في الانسداد الذي كانت تعرفه الوضعية وفرحات عباس بالنسبة للبعض كان غير قادر على التسيير، لم يكن رجل الساعة، “كانوا ضدنا، كانوا يريدون السلطة المطلقة وتقرير كل شيء من دون العودة إلى الحكومة المؤقتة” يؤكد بن طوبال .
في هذه الظروف، انعقد مجلس الثورة وسط معركة مع الإجراءات على كل الأصعدة. في العادة، كان رئيس الحكومة هو الذي يقدم حصيلة وزرائه، لكن هذه المرة تم الإصرار على أن يقدم كل وزير حصيلته، بحجة أن يتحمّل كل شخص مسؤولياته عوض المسؤولية الجماعية للحكومة ككل .
خلال هذا الاجتماع، بحسب شهادة بن طوبال، فقد أجاب كريم عن 114 سؤال، بعضها كان تافها، لكن البعض الآخر كان جديا، فقد اتهم كريم بتأسيس منظمة مستقلة في فدرالية جبهة التحرير في فرنسا، واتهم أيضا بكونه ربط اتصالات مع الفرنسيين، عن طريق بعض الجزائريين، مثل عبد الرحمان فارس وجون عمروش.
وكانت فدرالية جبهة التجرير في فرنسا قد أشارت في تقرير مكتوب إلى أنه يوجد بشكل سري في صفوفها مجموعات منظمة، تطالب بسلطة كريم وحده.. وفي هذه النقطة، تعدى كريم صلاحياته، لأن الفدرالية لا تدخل ضمن مهامه، وكان قد فعل نفس الشيء مع خلايا الاستعلامات، منها شبكة تم إقرارها من طرف أتباعه، وضعت بين يدي الدكتور نقاش، ومن دون إعلام الحكومة المؤقتة. وقد بقي كريم يومين يرد على أسئلة قيادة الأركان.
فرحات عباس أيضا، نال خلال هذا الاجتماع نصيبه من الانتقادات والاتهامات، منها أنه لم يكن يسير حقيقة الحكومة المؤقتة واتهمته قيادة الأركان بأنه لم يتخذ القرارات عندما كان يجب أن يفعل، وكانت مقاربة أعضاء قيادة الأركان تجاه فرحات عباس صحيحة، لكن من جهة أخرى، كان الكل يعلم بأنه لم يعين من أجل التسيير، ولكن هدف قيادة الأركان بحسب بن طوبال لم يكن انتقاد عباس شخصيا، لكن إدانة الحكومة المؤقتة عبره .
من جهة أخرى، عاد بن طوبال إلى الخلفيات والأسباب التي عطلت الحكومة المؤقتة فيقول: “الشيء الذي عطل الحكومة أن الفوارق والاختلافات كانت عميقة بين بن طوبال وكريم وبوصوف، وإن كان كريم يعود له الحق قبلي وقبل بوصوف ليكون على رأس الحكومة المؤقتة، كان من مجموعة الستة وكان الأفضل بين الثلاثة”. هذه الخلافات الدائمة فتحت الباب لتدخل هيئة الأركان العامة في مسائل الحكومة، وكانت تقف تارة مع هذا وتارة مع هذا، بحثا عن الحلول. ويعترف بن طوبال قائلا: “ارتكبنا أخطاء وسوء تقدير، ولم نحسن استشعار الخطر القادم، وتفاقمت المشاكل إلى أن وصلنا حد غياب السلطة، وصار من المستحيل إيجاد الحلول”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • احم

    في المعارك وفي كل الحروب هناك سوء تفاهم في الؤى. الحكيم و العاقل عليه اجتناب التحاليل من بعيد . هنالك امور و مواقف لا يمكن ان نعرفوها. اتركوا ثورة الجزائر.....

  • الهادي

    حقيقة ما جرى في الثورة التحريرية لن نعرفه إلاّ يوم القيامة

  • adrari

    بومدين راجل بالتاريخ او بدون تاريخ