-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

في أزمة أخلاقيات الصحافة (2/2)

محمد قيراط
  • 5779
  • 2
في أزمة أخلاقيات الصحافة (2/2)

قبل شهر كتبنا في هذه الصفحة مقالا موسوما “عندما ينحرف الإعلام عن مساره” شرحنا فيه خروج المؤسسات الإعلامية عن رسالتها النبيلة والدخول في معادلة “فبركة” الواقع والخوض في الفتن والتحريض على القتل ونشر الكراهية والحقد وثقافة إقصاء الآخر. كتبنا في المقال أن هناك صحافيون يلبسون عباءة الصحافة ويتباهون بلقب صحفي، لكن مع الأسف الشديد المهنة بريئة منهم ولا علاقة لهم بها.

  •  
  • فالمهنة تهدف إلى الكشف عن الحقيقة وتقديمها للرأي العام، المهنة تهدف إلى بناء الإنسان الراشد والعاقل والإيجابي والمنطقي والمفيد لنفسه ومجتمعه وليس العكس. فالصحافة ليست وسيلة لنشر الحقد والكراهية والضغينة وغيرها من الصفات السلبية التي تهدم ولا تبني، التي تحطم ولا تؤسس. في نهاية المطاف يجب على الصحفي أن يسأل نفسه ماذا قدم للمجتمع من وراء رسالته الإعلامية؟ هل قدم شيئا يعود بالفائدة على المجتمع أم أنه زرع الحقد والكراهية من خلال الأكاذيب والتلاسن والتطاول على الآخرين، هل قام بالتجريح والقذف والنيل من الآخرين من دون حق؟ أم أنه قدم رسالة نبيلة شريفة هادفة تقوم على الأخلاق والقيم النبيلة والخصال الحميدة وتدعو للمحبة والتآلف والتآخي.
  • والكلام عن ميثاق شرف إعلامي عربي يعني أنه يجب أن ينبع وينطلق من التراث العربي الإسلامي بما تحمله الكلمة من معنى، و الدين الإسلامي الحنيف أكد وأوصى في العديد من الآيات والأحاديث النبوية الشريفة بالممارسة الإعلامية الأخلاقية الشريفة. إذا انعدمت الأخلاق وسيطرت النزوات الشخصية أو الحزبية أو المالية التجارية ابتعدت المؤسسة الإعلامية عن خدمة المصلحة العامة، وهذا يعني أنها بدلا من أن تكون المراقب العام في المجتمع والمدافع على الطبقات المحرومة تصبح في يد فئة معينة تستعملها وتسخرها لخدمة مصالحها وحتى لو كانت على حساب المصلحة العامة. هذا بطبيعة الحال يؤدي إلى انعدام المصداقية وتدهور العلاقة بين الشرائح الاجتماعية العريضة في المجتمع والمؤسسة الإعلامية. بعبارة أخرى أن المؤسسة الإعلامية تعمل في فراغ تام وعملية التأثير والتأثر تنعدم من أساسها و في غالب الأحيان يتوجه المستقبل نحو وسائل ورسائل إعلامية أخرى يجد ما لم يجده في الرسالة المحلية. وفقدان المصداقية في العملية الإعلامية يعتبر من الأعداء اللدودين للعملية الإعلامية الناجحة.  
  • وتنعدم المصداقية في العملية الإعلامية عندما تكثر الضغوط بمختلف أنواعها وأشكالها على القائم بالاتصال، وعندما تكثر التدخلات في عمل المؤسسة الإعلامية من قبل جهات وأطراف ليس لديها أي حق و أي صلاحية في التدخل في العمل الإعلامي. وفي عالمنا العربي مع الأسف الشديد تعاني المؤسسة الإعلامية من ضغوط ومن تدخلات ومن تحكم وتوجيه تجعلها مؤسسة تبتعد كل البعد عن جمهورها وعن خدمة المصلحة العامة لصالح هؤلاء المتطفلين -نظرا لنفوذهم السياسي أو المالي… الخ- الذين ينظرون إلى المجتمع بكامله من خلال أعينهم هم فقط. ويصعب هنا الكلام عن الأخلاق أو ميثاق الشرف أو المصلحة العامة إذا كانت المؤسسة الإعلامية تحت رحمة حفنة من أصحاب الجاه والمال والنفوذ.
  • إن تحديد مهام ومسؤولية المؤسسة الإعلامية وتحديد مهام ومسؤولية القائم بالاتصال في ضوء ميثاق شرف شامل وواضح المعالم يعني أننا قضينا على الكثير من الملابسات ومن المناطق الغامضة التي قد تؤدي إلى سوء التفسير والاستخدام. والمؤسسة الإعلامية في المجتمع مثلها مثل القائم بالاتصال الذي يصنع الرسالة التي ترسل يجب أن تكون لديها رسالة نبيلة تعمل من أجلها ليل نهار للدفاع عنها وتحقيقها. المؤسسة الإعلامية يجب أن تبذل قصارى جهودها لإبراز الحق وتبيان الباطل، المؤسسة الإعلامية يجب أن تفكر في ذلك المظلوم، المهمش، المسكين، الفقير الذي لا حول له ولا قوة. فإذا كان الهدف النبيل موجود والنية موجودة والمستلزمات متوفرة (قوانين، تشريعات، نقابات مهنية، مواثيق أخلاقية)وكذلك المناخ الديمقراطي وحرية التفكير والرأي والتعبير في هذه الحالة نستطيع أن نتكلم عن مؤسسات إعلامية فاعلة في وطننا العربي.
  • المؤسسة الإعلامية في المجتمع هي مؤسسة اجتماعية قبل أن تكون أي شيء آخر، ومن هنا يجب أن تعي مؤسساتنا الإعلامية في الوطن العربي أنها ليست مجرد وسائل لبيع مساحات للإعلانات وتحقيق الربح السريع وأنها ليست وسائل لبث رسائل وبرامج هابطة لضمان أكبر عدد ممكن من إقبال جمهور المراهقين والشباب عليها. وإنما وأهم من كل هذه الاعتبارات هنالك مجتمع بكامله بمختلف شرائحه وفئاته ينتظر رسالة  إعلامية هادفة ومسؤولة من أجل نشر الثقافة والعلم والأصالة والفكر السليم والتحليل السليم ورأي عام مستنير كل هذا في إطار قيمنا وأخلاقنا ومبادئنا الإسلامية العربية الأصيلة. 
  • الممارسة الإعلامية مهنة نبيلة يجب أن تُمارس في إطار كل الأبعاد الأخلاقية والقانونية والتشريعية والمهنية. فالمؤسسة الإعلامية مسئولة أمام المجتمع وأمام الرأي العام، ومسؤولة مسؤولية أخلاقية كبيرة جدا عندما تضخم أشياء وتحجب أشياء أخرى، وعندما تركز على عناصر معينة في الخبر دون غيرها. وجريمة التضليل والتزييف والمغالطة والكذب أخطر بكثير من أي جريمة أخرى لأن المؤسسة الإعلامية عندما تكذب أو تغالط فإنها كذبت على ملايين البشر وليس على شخصا واحدا، وهنا تكمن أهمية الأخلاق و الالتزام والنزاهة التامة في العمل الإعلامي.
  • ما نلاحظه في الممارسة مع الأسف الشديد هو طغيان أحد الأمرين إما الجانب التجاري وفي هذه الحالة نلاحظ طغيان البعد المالي وبعد الربح والفائدة على الصالح العام، أو طغيان الجانب السياسي وفي هذه الحالة تصبح المؤسسة الإعلامية الناطق الرسمي الوفي الملتزم لصاحب السلطة والقرار. وفي كلتا الحالتين تضرب مواثيق الشرف وأخلاقيات المهنة عرض الحائط. لقد راج مفهوم المؤسسة الإعلامية التجارية وأصبح هو المفهوم السائد في معظم المجتمعات خاصة بعد انهيار الأنظمة الاشتراكية في معظم دول العالم -والكلام هذا يخص المجتمعات العربية ودول العالم الثالث- لكن للمؤسسة الإعلامية شروط ومستلزمات ومقاييس محددة. المؤسسة الإعلامية في المجتمع تكوّن الفكر والرأي والمعرفة، تشكل الرأي العام، فهي إذا مؤسسة تجارية لكن ذات خصوصيات عامة تأخذ بعين الاعتبار عدة أهداف ومهام. الظاهرة التي انتشرت مؤخرا في الفضاء العربي في بعض القنوات العربية الفضائية وكذلك بعض المطبوعات خاصة الصادرة في بعض العواصم الغربية هي التجاهل التام لعدة اعتبارات مهنية وأخلاقية. وأصبح الشغل الشاغل لهذه المؤسسات الإعلامية هو الربح بغض النظر عن الوسيلة أو الثمن الأخلاقي والقيمي المدفوع. هل سألت هذه المؤسسات نفسها عن الأهداف التي حققتها وما هي الإضافات التي جاءت بها للمجتمع، وما هي مساهماتها في الرصيد المعرفي والقيمي والفكري لأفراد المجتمع؟ تجدر الإشارة هنا أنه ليس هنالك تناقض صارخ بين التجارة والأعلام، فإذا وجدت قوانين وتشريعات وأهم من ذلك مبادئ وأخلاق فإن المؤسسة الإعلامية تستطيع أن تكون تجارية وتخدم الصالح العام و المجتمع وهذا عندما لا يطغى الجشع وحب الربح السريع على الأهداف النبيلة والمهنة الشريفة.
  • إن التاريخ لا يرحم وسيكشف يوما ما عن الذين اغتصبوا مهنة الصحافة من دون حق، وعن الذين كذبوا على الشعوب والقراء والمشاهدين، وعن الذين خانوا الأمانة؛ الذين بدلا من الانحياز للحقيقة انحازوا للشعوذة والدجل والتخريف والكذب والتشجيع على الحقد والكراهية وقتل الآخر. الحقيقة ستظهر يوما ما وستكشف مغتصبيها والذين عملوا على إخفائها وإظهار بدلا منها الأكاذيب والأساطير والخرافات. لقد صدق من قال، إن الطبيب إذا أخطأ فإنه يضر بشخص واحد وهو المريض، أما الصحافي إذا أخطأ (شوه الحقيقة) فإنه يضر أمة بكاملها وبعض الأحيان البشرية جمعاء.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • حسين

    أشكرك صديقي على هذة المقالة القيمة و أقترح أن يشمل ميثاق الشرف الصحفي كذلك الفضائيات العربية.

  • khaled tahraoui

    rabi yahafdhek