-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
إصلاحات ومبادرات وثورة تشريعية خلال 2022

سنة لم الشّمل وأخلقة السّياسة

أسماء بهلولي
  • 1348
  • 0
سنة لم الشّمل وأخلقة السّياسة
أرشيف

في وقت يشهد العالم اضطرابات سياسية وأزمات إقتصادية متتالية، وتفاقم حدّة الحرب الروسية ـ الأوكرانية التي أنهكت أكبر القوى العالمية، أعلنت الجزائر خلال سنة 2022 عن مشروع ضخم للم شمل أبناء البلد الواحد، وتكتّل جميع الوطنيين في مسار بناء “الدولة الجديدة”.
ووجّهت السلطات العليا في البلاد رسائل واضحة للشخصيات الوطنية والأحزاب السياسية والمنظمات المدنية ورموز المعارضة، تفتح من خلالها أبواب قصر المرادية لاستقبال هؤلاء من كافة الأطياف والاتجاهات.
وناقش الرئيس مع كل من استقبلهم، حيثيات الوضع السياسي للبلاد ورؤيتهم للمرحلة المقبلة، بل واستشارهم حتّى حول خطط الخروج من ضيق الممارسات السابقة، عبر توحيد الجبهة الداخلية، في ظل التحدّيات التي تشهدها المنطقة إقليميا.
وأصبح للجزائر على المستوى السياسي الإقليمي والدولي وزن لا يمكن تجاوزه في المعادلات السياسية الدولية، حيث نجحت مبادرة “لم الشمل” التي أعلن عنها قائد البلاد مطلع ماي 2022، في طي صفحة الخلافات، وباتت من أكثر المحطات المضيئة في إنجازات السنة، إذ أثبتت الجزائر أنها الدولة الأكثر قدرة على جمع أبنائها على قاعدة “قوتنا في وحدتنا”.

بداية لم الشمل
شهد شهر ماي المنصرم ميلاد مبادرة لم الشمل، أو ما أطلق عليها “اليد الممدودة”، أعلن من خلالها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون عن فتح صفحة جديدة مع من أسماهم بالجزائريون المتطلعون لبناء دولة جديدة باستثناء المكابرين ومن أداروا ظهورهم لوطنهم أو من تجاوزوا الخطوط الحمراء بحسب ما جاء في برقية صادرة عن وكالة الأنباء.
واستهدفت مبادرة الرئيس، الشخصيات الوطنية والأحزاب السياسية، وممثلين عن المنظمات الوطنية بمختلف مشاربهم وتواجهتهم السياسية، في رسالة مفادها أن الكل معني بمبادرة الرئيس الذي سبق له، وإن قال خلال حملته الانتخابية في سنة 2019، إنه ضد خطاب التفرقة ويده ممدودة للجميع بما فيهم أولئك الذين يشعرون بالتهميش.
ورغم عدم وضوح مضمون المبادرة السياسية أو تاريخ انتهاء صلاحيتها، إلا أن العارفين بالشأن السياسي يرون أنها ضرورة حتمية، وفرصة حقيقية أمام الراغبين في فتح صفحة جديدة سواء من السلطة أو من المعارضة، فهي كما قال الرئيس تبون مناسبة للاتحاد وليس لتفرقة.
ويرى في هذا السياق، المحلل السياسي والأكاديمي عبد الرحمن بن شريط، أن مبادرة لم الشمل التي أعلن عنها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون مطلع سنة 2022، فرصة لتوحيد شمل الجزائريين، ولقاء تبون مع ممثلي الأحزاب والشركاء السياسيين دليل على أن السلطة لا تريد أن تكون بمفردها خلال المرحلة المقبلة، قائلا: “المرحلة المقبلة ستكون حاسمة ومصيرية، وإطلاق مبادرة سياسية بهذا الحجم يجب أن تكون متبوعة بإصلاحات سياسية ومؤسساتية وهو الشأن حاليا”.

الجميع يلبّي دعوة الرئيس
وبمجرد إعلان الرئيس عن مبادرة لم الشمل، حتى توالت الردود المرحبة والمثمنة للخطوة السياسية من شخصيات وطنية وأحزاب سياسية استغلت فرصة نزولها على قصر المرادية لتعبر عن ارتياحها من سياسة مد اليد.
ورأت هذه الأخيرة، أن رئيس الجمهورية كانت لديه الشجاعة الكافية لفتح ورشات كبرى للإصلاح السياسي والتجديد المؤسساتي، معتبرة أن الوقت قد حان لتوحيد الجبهة الداخلية سياسيا واقتصاديا وحتى اجتماعيا، وذلك بمشاركة الجميع.
وتعكس برمجة الحوار المُوسع مع مختلف الأطياف السياسية بما فيها تلك التي تحمل شعار المعارضة، حرص رئيس الجمهورية على تكثيف وتعميق التشاور حول ما يخص القضايا الداخلية والخارجية للبلاد.
ويبدو أيضا، أن مبادرة لم الشمل لا تحمل في طياتها فقط الجانب المتعلق بالحياة السياسية بل امتدت لتمس الوضع الاقتصادي والاجتماعي، الذي يأتي على رأس أولويات الرئيس خلال سنة 2022، وهو ما سعى لتكريسه منذ اعتلائه سدة الحكم في 12 ديسمبر 2019.
وهي الملفات التي تناولها الرئيس تبون بوضوح مع الشخصيات والقيادات الحزبية التي استقبلها ولا يزال يصغي إليها إلى غاية اليوم، في خطوة تعكس إرادته الفعلية في المضي نحو إشراك كافة الفاعلين في الحياة السياسية، وعدم تغييب لا أحزاب ولا تنظيمات ولا شخصيات سياسية خلال المرحلة المقبلة التي تأتي في سياق رهانات خطيرة تحيط بالجزائر إقليميا ودوليّا.
والمُتتبع لمراحل إطلاق مبادرة لم الشّمل، يرى بوضوح انسياب الطبقة السياسية مع دعوة الرئيس من خلال خطابات قياداتها الحزبية وبياناتها الدورية التي لا تخلو من تثمين الفكرة والدعوة إلى تبنيها، باعتبار أن المرحلة المقبلة تتطلب توحيد الجهود وفتح حوار شامل مع الجميع.

ثورة في القوانين لأخلقة الحياة السياسية
المُتتبع لمسار الإصلاحات المعلنة خلال سنة 2022، يرى بوضوح حجم المشاريع والنصوص القانونية التي طرحت خلال السنة الجارية، واستطاعت افتكاك موافقة البرلمان، أو تلك التي تنتظر تأشيرة العبور بداية من العام المقبل.
وكانت البداية بإطلاق حزمة من المشاريع القانونية التي تندرج في إطار مسعى مكافحة الفساد التي ناد بها رئيس الجمهورية في كل مناسبة، حيث شدد على ضرورة تضافر الجهود وتسخير كل الوسائل القانونية والبشرية لمحاربة ظاهرة الفساد ومحو تراكمات الماضي.
وتُوجت هذه الإصلاحات التشريعية بالمصادقة على القانون المُحدد لتنظيم السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته وتشكيلتها وصلاحيتها، وذلك ضمن مساعي البلاد لتعزيز الشفافية ومحاربة الإثراء غير المشروع لدى موظفي الدولة.
وتتمتع هذه السلطة، استنادا للقانون الذي ينظمها ويضبطها، بجملة من الصلاحيات أهمها، جمع ونشر أي معلومات وتوصيات من شأنها مساعدة الإدارات العمومية، وأي شخص طبيعي، أو معنوي في الوقاية من أفعال الفساد وكشفها.
وتتلقى السلطة، التصريحات بالممتلكات، وضمان معالجتها ومراقبتها، وفقا للتشريع ساري المفعول، مع ضمان تعزيز قواعد الشفافية والنزاهة في تنظيم الأنشطة الخيرية والدينية والمؤسسات العمومية والخاصة، إضافة إلى التحريات الإدارية والمالية في مظاهر الثراء غير المشروع لدى الموظف العمومي الذي يعجز عن تبرير أمواله.
ولم تتوقف الثورة القانونية عند هذا الحد، فقد عرفت المنظومة التشريعية خلال سنة 2022 تعديلات مهمة مسّت أهم القوانين على غرار قانون العقوبات والنص المتعلق بالتنظيم القضائي في البلاد، فضلا عن جملة من النصوص القانونية التي ترمي بالأساس للنهوض بالاقتصاد الوطني وتعجيل بعث عجلة الاستثمار، إضافة إلى القانون المتعلق بالاحتياط العسكري الذي يهدف إلى إعادة تنظيم الطاقة الدفاعية للأمة ودعمها.
وينتظر أيضا أن تُكلل سنة 2022 بمشروع قانون جديد متعلق بمكافحة تبييض الأموال ومحاربة الإرهاب، هذا الأخير يأتي في إطار مواكبة التشريع الوطني للمستجدات الدولية، وتكييف المنظومة القانونية بما يتوافق مع المعاهدات والاتفاقيات التي انضمت إليها الجزائر مؤخرا، كما يشكل في نفس الوقت أداة لحماية الاقتصاد الوطني، والمنظومة المالية والبنكية، من الإجرام العابر للقارات.
ومن أبرز المشاريع التي طفت على السطح خلال سنة 2022، والتي لا تزال تنتظر الضوء الأخضر للعبور، نجد مشروع قانون الإعلام الجديد المتواجد على طاولة البرلمان، وكذا المشروع المتعلق بالبلدية والولاية الذي لا يزال في مخابر اللجنة الوطنية المشتركة المكلفة بصياغته.
وفي هذا الإطار، يرى البرلماني كمال بن خلوف في تصريح لـ”الشروق” أن حزمة القوانين الجديدة التي عرفتها البلاد خلال السنة الجارية ستكون بمثابة القاطرة التي تُسير المرحلة المقبلة سواء في الجانب المؤسساتي أو في الحياة السياسية، مشيرا أن البرلمان جاهز حسب تصريحات المسؤولين لاستقبال أزيد 42 نصا قانونيا، مؤكدا في ذات السياق أنهم كنواب برلمان يتمنون أن تشهد المرحلة المقبلة قفزة نوعية في مجال تكريس الحريات والحقوق.

الشباب يقتحم “معترك الساسة”
شكلت الإصلاحات السياسية والمؤسساتية التي عرفتها البلاد خلال سنة 2022 خطوة مهمة في مسار بناء مؤسسات الدولة التي تعهد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون باستكمالها تجسيدا لالتزاماته أمام الشعب.
وكانت أول محطة في هذا المسار، العمل على إيصال صوت الشباب الجزائري ومنحه مكانة هامة في الحياة السياسية، وهي الخطوة التي يراد منها طي صفحة الماضي.
وتجسيدا لهذه الأهداف، تم خلال شهر جوان المنصرم تنصيب المجلس الأعلى للشباب الذي ضم 348 عضوا من بينهم 232 عضوا منتخبا من كل ولايات الوطن، تمتد عهدتهم لمدة 4 سنوات غير قابلة للتجديد، كما يتميز المجلس أيضا بالمناصفة بين الجنسين.
ويعتبر المجلس بحسب ما نص عليه الدستور في مادته 214 هيئة استشارية تعمل تحت إشراف رئاسة الجمهورية، وتوكل لها مهام تقديم أراء وتوصيات واقتراحات حول المسائل المتعلقة بالشباب ودورهم في تفعيل الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية.
وتساهم هذه الهيئة في ترقية القيم الوطنية والحس المدني والتضامن الاجتماعي في أوساط الشباب، وهذه الصفة تمنحه حق المشاركة في تصميم المخطط الوطني للشباب، وكذا السياسات والاستراتيجيات والبرامج والأجهزة العمومية المتعلقة بهذه الفئة.
ويكلف المجلس أيضا، بتشجيع روح المواطنة والتطوع والتزام الشباب اتجاه المجتمع، فضلا على تشجيع مشاركتهم في الحياة العامة والسياسة بشتى أبعادها.
ويأتي إنشاء مجلس الشباب امتداد لحزمة الإصلاحات المؤسساتية السابقة على غرار إنشاء المرصد الوطني للمجتمع المدني، الذي يتولى تقييم أداء المجتمع وتطويره على ضوء الاحتياجات والإمكانيات المتاحة.
وتجسيدا لدور هذه الهيئة، تم خلال شهر نوفمبر المنصرم عقد جلسات وطنية حول المجتمع المدني، اعتبرها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بأنها تتويجا لمسار طويل في إطار تعزيز النسيج المؤسساتي وتجسيدا للتعهداته الـ54 المقدمة التي ترمي بالأساس لتمكين المجتمع المدني من ولوج الحياة السياسية في البلاد.
وقد عرفت تلك الجلسات التي حملت شعار “المجتمع المدني ركيزة لبناء الجزائر الجديدة”، مشاركة العديد من الجمعيات الوطنية والمحلية، إضافة إلى المنظمات والنقابات والجالية الوطنية بالخارج، حيث كانت فرصة للحوار والتشاور بين الناشطين والفاعلين في المجال حول سبل ترقية أداء المجتمع المدني وتفعيل دوره في بناء الجزائر الجديدة.
هذا سبق للجزائر في عهد الرئيس تبون، وأن أعطت أولوية كبيرة للشباب الجزائري لولوج الحياة السياسية والمشاركة في بناء المؤسسات، حيث كانت البداية سنة 2021 بإعطاء فرصة لهذه الفئة للمشاركة ودخول قبة البرلمان حاملين قبعة منتخبي الشعب.

طي ملف “العزوف السياسي”
في خطوة سياسية مهمة عرفتها البلاد سنة 2022، أنهى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، ما عُرف بحالة الانسداد السياسي الذي عاشته بعض بلديات منطقة القبائل نتيجة العزوف ومقاطعة الانتخابات، وذلك بإعلانه عن إجراء استحقاقات جزئية مست 6 بلديات في المنطقة، منها4 بولاية تيزي وزو و2 بولاية بجاية.
وهي الانتخابات التي كُللت بالنجاح بعد تسجيل مشاركة قياسية للأحزاب السياسية والقوائم الحرة، ففي الـ15 من أكتوبر المنصرم جرت الانتخابات الجزئية بمشاركة “محترمة” على حد تعبير رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي الذي كشف بالأرقام عن سيطرت القوائم المستقلة على مقاعد بلديات منطقة القبائل” المجمدة ” بنسبة فاقت 82 بالمائة.
وبناء على ذلك تخلصت السلطة في البلاد تحت قيادة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، نهائيا من صداع البلديات المسدودة حيث كانت طيلة الفترة السابقة ملزمة بتعيين مندوبين إداريين لتسيير تلك البلديات إلى حين إيجاد حل نهائي لسد الفراغ في المجالس المحلية، وفي نفس الوقت تمكنت من استكمال مسار البناء المؤسساتي للمجالس البلدية الذي توجته انتخابات الـ27 نوفمبر 2021.
وفي النهاية، تظلّ الخطوات المسجّلة سنة 2022، ـ أي بعد 60 سنة من الاستقلال ـ مرسومة في خانة الإنجازات التي من شأنها المرور بالجزائر إلى مرحلة ثانية، أكثر تكريسا للحريات وتصالحا بين أبناء الشعب الواحد، بعيدا عن الممارسات السابقة، وقريبة من صوت الشعب، الذي لطالما دعا إلى تأسيس جزائر جديدة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!