-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

سنة أولى إخفاقات

محمد قيراط
  • 3478
  • 0
سنة أولى إخفاقات

“هناك أوقات أجد فيها التقدم بطيئا جدا، كما أن هناك أوقاتا يبدو لي فيها أن كل هذه الجهود لا طائل منها”، هذا ما صرح به الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد مرور سنة على توليه الحكم في أكبر وأقوى دولة في العالم.

  • فبعد مضي سنة على تدبير شؤون البيت الأبيض، وبعد المحاولة الفاشلة للشاب النيجيري في تفجير طائرة  “نورث وست إيرلاينز” المتجهة من أمستردام إلى مطار ديترويت في الخامس والعشرين من ديسمبر المنصرم تهاطلت العديد من الانتقادات في الأوساط السياسية والإعلامية والدبلوماسية على أداء الرئيس الأمريكي، خاصة ما يتعلق بأسلوب تعامل أمريكا مع الإرهاب وملفات أخرى ذات أهمية كبيرة وكذلك فشل الرئيس الجديد في تجسيد وعوده الانتخابية على أرض الواقع.
  •  اعترف أوباما عندما أستلم مقاليد الرئاسة أن هناك أخطاء أُرتكبت في حق المسلمين وأن الحرب على الإرهاب يجب إيقافها كما يجب غلق غوانتنامو وإعادة النظر في محاربة الإرهاب والتعامل مع الإرهابيين. كما اعترف أوباما بأن أمريكا ارتكبت أخطاء في الماضي وهذا لا يعني الإستمرار في هذه الأخطاء وإنما فتح أبواب الحوار والنقاش لإيجاد سبل مشتركة للتعاون والتفاهم. كما أعلن الرئيس الأمريكي الجديد أن ملاحقة المنظمات الإرهابية يجب أن تكون وفق القانون وأن تلتزم بالإجراءات المعمول بها دوليا. أما بالنسبة لقضية السلام في الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، فأقترح أوباما ضرورة النظر إلى المشكلة في إطار كلي وشامل وضرورة تطبيق حل الدولتين. كما أكد الرئيس الأمريكي قبل سنة على ضرورة الوفاء بالوعود التي قدمها في حملته الانتخابية بتعيينه السناتور الأميريكي السابق جورج ميتشل مبعوثا للسلام في الشرق الأوسط. أما بالنسبة لإيران، فنلاحظ أن أوباما قد قدم تنازلات كثيرة جدا وهو يستعمل حاليا كل الوسائل والطرق الدبلوماسية للاستماع إلى المسؤولين الإيرانيين واقتراحاتهم لفتح قنوات جديدة للحوار والتفاهم. كما أبدت الإدارة الأمريكية الجديدة اهتماما بالغا بقضايا الشرق الأوسط والعلاقة مع العالم الإسلامي وهذا ما نجم عن مقاربة جديدة للتعامل مع مشاكل العرب والمسلمين. كما يؤمن الرئيس أوباما أن المشاكل والنزاعات والأزمات وعدم الاستقرار تعود  بالدرجة الأولى إلى الأخطاء التي ارتكبتها أمريكا في المنطقة والفشل الكبير في القرارات وطرق التعامل ومعالجة المشاكل العديدة وعلى رأسها الإرهاب.
  •  في العديد من المناسبات فند أوباما  أطروحات الصراع والصدام مع العرب والمسلمين مؤكدا على أن العالم اليوم بحاجة إلى الحوار والتفاهم بين الحضارات والديانات من أجل الوئام والتكامل والتعاون والتحالف لمصلحة البشرية جمعاء.   
  • أوباما أكد مرارا على المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل بين أمريكا والعالم الإسلامي، وهذا يعني أن الطرف الإسلامي يجب أن يحدد مصلحته المشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية ويحدد أولوياته وكيف يتعامل ضمن الآليات والميكانيزمات التي تحكم صناعة القرار في الولايات المتحدة حتى يحقق ما يريد. وهنا نؤكد على مختلف المنظمات والمؤسسات الإسلامية كمنظمة المؤتمر الإسلامي والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة وغيرهما من المنظمات والجمعيات التعامل بمنهجية واستراتيجية ورؤية واضحة مع الإدارة الأمريكية لتحقيق المصلحة المشتركة التي تكلم عنها أوباما. كما يصر أوباما على الاحترام المتبادل بين دول وشعوب العالم، في استراتيجيته الجديدة لتحسين صورة أمريكا في العالم واسترجاع مصداقيتها.
  • فالمصلحة المشتركة بين أمريكا والعالم الإسلامي تتمثل بالدرجة الأولى في استتباب الأمن والأمان والسلام والاستقرار والرفاهية، وهذا من خلال تسوية القضية الفلسطينية ومحاربة ظاهرة الإرهاب والقضاء عليها. وهذا يعني عملا كبيرا وجادا في تحديد المفاهيم والمصطلحات والرؤى والاستراتيجيات. والبداية هنا تتمثل في تحديد مفهوم الإرهاب وتنقيته من كل الالتباسات والصور النمطية والمفاهيم الخاطئة التي تربط الإرهاب بالإسلام وتجعل من الدين الإسلامي والمسلم على علاقة مباشرة مع الإرهاب. من جهة أخرى يجب الاتفاق على استراتيجيات وطرق وسبل معالجة الإرهاب الدولي الذي تعود بعض أسبابه إلى النظام الدولي غير العادل والمجحف في حقوق الدول النامية التي عانت في الماضي من ويلات الاستعمار والتي تعاني اليوم من سلطة الآليات السياسية والاقتصادية الدولية الجائرة، وخير دليل على ذلك، الأزمة الإقتصادية العالمية التي تعيشها البشرية جمعاء هذه الأيام. الاحترام المتبادل يجب أن يبنى كذلك على تحديد مفاهيم عديدة كالديمقراطية وحقوق الانسان وحرية التعبير وحرية الصحافة…إلخ. فالديمقراطية التي تُفرض من الخارج وعلى ظهر الدبابات كما هو الحال في العراق وأفغانستان وباكستان ودول عديدة أخرى لا يُكتب لها النجاح وتخرج عن أبجديات احترام الآخر. والكيل بمكيالين في موضوع حقوق الإنسان والحريات الفردية لا يخدم احترام الآخر ولا المصلحة المشتركة. دخل أوباما التاريخ بتوليه رئاسة أعظم دولة في العالم، وهو أول رئيس من أصل إفريقي يصل إلى البيت الأبيض وبإمكانه إن أراد أن يسجل اسمه في كتب التاريخ من خلال تجاوز مرحلة التربع على كرسي الرئاسة إلى مرحلة تغيير التاريخ بإعادة النظر في العلاقات السياسية والاقتصادية الدولية وفي نصرة القضايا العادلة في العالم وعلى رأسها القضية الفلسطينية. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو هل الرئيس الأمريكي حر في قراراته أم هناك إعتبارات أخرى تحول دون ذلك؟ فاقتراح أوباما بخصوص المشكلة الفلسطينية، بحل الدولتين، إسرائيلية وفلسطينية، على سبيل المثال، رد عليه جيلاد إيردان بأن “إسرائيل لا تأخذ أوامر من الرئيس أوباما” فهل يستطيع أوباما تحويل أقواله إلى أفعال في أرض الواقع؟ الأمر ليس بالبساطة التي يتصورها البعض. تصريحات الرئيس أوباما الأخيرة تشير إلى أن واقع العلاقات العامة السياسية والتسويق السياسي في الحملات الانتخابية شيء وكواليس السياسة وصناعة القرارات شيء آخر. أمور كثيرة جدا وعد أوباما بتحقيقها، لكنها بقيت حبيسة أدراج مكاتب البيت الأبيض. فحرب العراق ما زالت مشتعلة، والأمور زادت سوءا في أفغنستان وباكستان، وكذلك الوضع في فلسطين والعلاقات مع إيران. أما بالنسبة للإرهاب فحدث ولاحرج، فالأمر لم يختلف عما كان عليه في عهدة بوش.           
  • محاولة الشاب النيجيري عمر فاروق عبد المطلب تركت تأثيرا واضحا على السلوك الأمريكي وارتباكا كبيرا لم يكن له مثيل منذ الحادي عشر من سبتمبر ، حيث أنها  أدت إلى حالة استنفار واسعة وأجبرت الرئيس أوباما على قطع إجازته في هاواي لطمأنة الرأي العام الأمريكي. رد فعل أوباما تمثل في انتهاج سياسة جديدة أكثر صرامة وشدة فيما يتعلق بالمسافرين إلى أمريكا والتركيز على محاربة الإرهاب والاهتمام أكثر باليمن إلى جانب أفغانستان وباكستان. ففي الفترة الأخيرة أصبحت اليمن مرشحة، حسب الخبراء والأخاصائيين، لتصبح قاعدة  الانطلاق الجديدة لتنظيم القاعدة. فالحكومة اليمنية أصبحت تعاني من نوع من الإرهاق في التعامل مع الإرهاب نظرا للمعارك الأهلية في الشمال والجنوب ونظرا للظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها. من جهة أخرى تعاني اليمن من صعوبة التحكم والسيطرة على المساحات الشاسعة داخل البلد وكذلك وعلى حدودها الطويلة التي يسهل التسلل عبرها وهو ما يسهل مهمة تنظيم القاعدة في الانتشار. من جهة أخرى نلاحظ أن انتشار الفقر والفساد والبطالة وتجارة السلاح كلها عوامل تشجع على إيواء تنظيم القاعدة وانتشاره في اليمن والتعامل معه كحليف يساعد في تغيير أوضاع اليمنيين. وعلى قول أوباما نفسه، فإن هناك جهود كثيرة لا طائل منها.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!