-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حسم النزاع في الصحراء الغربية بين الحسن الثاني ومحمد السادس

بقلم: أمحمد البخاري
  • 1690
  • 0
حسم النزاع في الصحراء الغربية بين الحسن الثاني ومحمد السادس

يسعى ملك المغرب وفريقه، منذ 3 ثلاث سنوات، إلى حسم النزاع الذي فجره الحسن الثاني عندما حشر المملكة المغربية في حرب عدوانية وتوسعية ضد الشعب الصحراوي سنة 1975. وإذا كانت الحرب، هي استمرارٌ للسياسة، كما تشير إلى ذلك التجارب والدراسات في ميادين العلوم السياسية والعلاقات الدولية، فما هي دواعي الحرب في الصحراء الغربية حتى نفهم الأهداف المعلنة منها أو الخفية لنحدد مرحلة الحسم عند بلوغ تلك الأهداف؟

نريد هنا أن نستعرض الدواعي والأسباب فيما يتعلق بالبحث عن حسم النزاع الصحراوي– المغربي عند كل من نظامي الحسن الثاني ومحمد السادس والتشابه أو الاختلاف بين أجندة كل منهما حتى نقرِّب فهم الواقع الحالي ونسلّط الضوء على التطورات المستقبلية المحتملة.

خلال تلك الحقبة كرر أحد الصحفيين المغاربة تلك الشعارات أمام إدريس البصري حول ما يسمونه “مغربية الصحراء”، انتفض الرجل القوي في نظام الحسن الثاني في وجهه قائلا ”هذا ما نقوله نحن داخليا أما العالم فإنه لا يعترف لنا بذلك“. ولم يتم تسجيل أيِّ ردة فعل مناوئة بعد نشر الصحفي كلام إدريس البصري.

وإذا كان قرار الحسن الثاني قد تزامن مع ذروة الحرب الباردة والصراع بين الشرق والغرب وما تمثله الصحراء الغربية في مقاربة جيو- إستراتيجية تهم الموقع الجغرافي والبعد الاقتصادي والبشري بالنسبة للأحلاف، فإن ما يهمنا هنا هو العامل السياسي الداخلي من الحرب بالنسبة للمغرب الذي نريد بلورته.

أولا/ مفهوم الحسم عند الحسن الثاني وأهدافه

قرار الحسن الثاني بالحرب التوسعية يرجع إلى دواعي داخلية بالدرجة الأولى كان في مقدمتها ضرورة إبعاد الجيش عن دفة الحكم بعد محاولتي انقلاب متتاليتين، سنتي 1971 و1972، وصدّ أنظار الشعب المغربي في جو يطبعه تحول سياسي واسع يطالب بالديمقراطية وبالقضاء على حكم الفرد الواحد يشمل الأحزاب التقليدية والنقابات والنخبة السياسية والحركات الطلابية.

لقد حقق الحسن الثاني، بقراره المناوِر، خلق المناخ الضروري والملائم لإسكات جميع الأصوات المعارضة والزج بالعديد من زعمائها في غياهب السجون تحت شعارات مزيفة مثل: ”التواطؤ مع العدو” و“الخيانة” و“ضرورة الإجماع” حول “القضية الوطنية المقدسة“.

عندما قضي الحسن الثاني على معارضيه من عسكريين ومدنيين وحقق هدفه الإستراتيجي الرامي لإنقاذ عرشه وإبعاده عن الخطر وأصبحت مغامرته الصحراوية تهدد، في الوقت ذاته، استمرار نظامه نتيجة لاستفحال الأزمة الهيكلية وتدني الأوضاع الاقتصادية وانتشار الفقر المدقع بالإضافة إلى الهزائم العسكرية المتلاحقة والعزلة الدبلوماسية، قرر الانصياع للشرعية الدولية وقبِل باستفتاء تقرير المصير ووقَّع مع جبهة البوليساريو على مخطط التسوية لسنة 1991.

تجدر الإشارة إلى أن قرار الحسن الثاني بتغيير سياسته 180 درجة لم يحرك ساكنا في المغرب ولم يلق أيّ معارضة من أي نوع كان، إذ تحولت الشعارات الشوفينية المؤيدة للحرب العدوانية والمزايدات السياسوية إلى جزء من الماضي وانتهت بذلك الدعاية المخزنية، وماتت مقولة “الإجماع المقدس” ومن” طنجة إلى لكويرة” وصرح الحسن الثاني أكثر من مرة أنه قبل بالاستفتاء ومستعد للمصادقة على نتائجه مهما كانت حتى إذا ما اختار الصحراويون الاستقلال فإن المغرب سيفتح سفارة له في المدينة التي يختارونها عاصمة لهم.

وخلال تلك الحقبة كرَّر أحد الصحفيين المغاربة تلك الشعارات أمام إدريس البصري حول ما يسمونه “مغربية الصحراء”، انتفض الرجل القوي في نظام الحسن الثاني في وجهه قائلا ”هذا ما نقوله نحن داخليا أما العالم فإنه لا يعترف لنا بذلك“. ولم يتم تسجيل أيِّ ردة فعل مناوئة بعد نشر الصحفي كلام إدريس البصري وكان ذلك وقتها بمثابة مؤشر على طي صفحة هامة من السياسة الداخلية المغربية بعد تحقيق مبتغاها المتمثل في انتشال العرش العلوي من السقوط.

نهاية النزاع مع العدو الخارجي عند الحسن الثاني كانت مرتبطة بحسمه مع العدو الداخلي، لأن ذلك هو الهدف الأصلي.

إن حقيقة الحرب على الصحراء الغربية، إذن، لم تكن بالنسبة للحسن الثاني سوى ورقة رابحة لحسم الصراع الداخلي، لأنه هو الأصل.

ثانيا/ مفهوم الحسم عند محمد السادس وفريقه

يمكن أن نجزم بأن محمد السادس لم يكن له أي دور لا في الحرب ولا في التوصل إلى إتفاق السلام بين الجانبين الصحراوي والمغربي. كما أن الميول الشخصية لديه كوليٍّ للعهد لم تؤهله في نظر الحسن لإشراكه في القرارات المتعلقة بمصير العرش أو المساهمة في تسيير أمور كالحرب التي كانت بعيدة عن اهتمامه.

بعد وفاة الرُّبّان تربَّع محمد السادس على كرسي يوجد في مفترق الطرق:

1- إما إتمام مشاور والده بالذهاب إلى الاستفتاء وطيِّ صفحة الحرب ومواجهة تبعات ذلك، داخليا وخارجيا، ما دامت نتيجة الاستفتاء معروفة سلفا بعد رفض لجنة تحديد الهوية التابعة لبعثة المينورسو رفض تسجيل المستوطنين المغاربة في لوائح الناخبين.

2- التملص من اتفاقية السلام وتحمُّل مسؤولية النتائج والبحث عن الحسم هذه المرة، ليس لإبعاد الخطر عن العرش، كما كان ذلك هو الهدف الرئيس لـ”إستراتيجية” الحسن الثاني وإنما من أجل الاستحواذ على الدورادو (Eldorado) الصحراوي، لأن الثروة هي الهدف الإستراتيجي والمحرِّك الرئيس للنظام الجديد وحلفائه المحليين والأجانب، مما يدل على أن محمد السادس وفريقه يجهلون تمام الجهل خطورة الموقف ولهم نظرة مركّبة من الهواجس والميول الشخصية والتصوُّرات الغامضة المعالم.

تخلّص محمد السادس بسرعة من تأثير المسؤولين الذين رافقوا الحسن الثاني وواكبوا مراحل الحرب والمفاوضات واستبدلهم بمجموعة جديدة من أصحابه وبعض رفاقه من المدرسة السلطانية وراحوا يذهبون شرقا وغربا حسب طقوس وأهواء “ملك الفقراء” كما يفعل الهواة تماما.

استيقظ محمد السادس وفريقه مؤخرا ولكن بعد فوات الأوان على الخطأ الفادح الذي ارتكبوه عندما رموا في مياه المحيط الأطلسي باستنتاجات الحسن الثاني وفرَّطوا أيما تفريط في تركته الرامية إلى إنهاء مغامرة المغرب في الصحراء الغربية والإبحار بالعرش العلوي إلى شاطئ النجاة.

وعكس ما يمليه العقل والمنطق السليم في وقف زيادة الفاتورة والرجوع إلى طريق السلام والأمان لم يجدوا من سبيل سوى الهروب إلى الأمام والبحث عن ربح الحرب وحسم النزاع بوسيلتهم المفضلة، انطلاقا من العقلية المادية المسيطرة لديهم، المبنية على اعتقاد راسخ بأن كل شيء يباع ويشترى بلا هوادة.

دخل محمد السادس وفريقه هكذا في دوامة مستنقع الرشوة واللوبيات والمقايضات وتزوير الحقائق والكذب. وفى كل فترة يعلنون للمغاربة أنهم حسموا النزاع وأن مقترحهم لما يسمى “الحكم الذاتي” أصبح هو الحل الذي يتبناه المجتمع الدولي.

رؤية حكام المغرب للسراب ليلا ونهارا مرده هو أن لعبة المصالح لدى القوى الكبرى والمتوسطة تستعمل لغة دبلوماسية تسهِّل على فريق محمد السادس مواصلة السير في الطريق المغلوط. كما أن الاحتياج المالي لدى نوع من حكومات الجنوب يزيد الطين بلة نتيجة لقابلية بعضها العزف على الأوتار التي تطرب الرباط مقابل الحصول على رشاوى من عائدات المخدرات التي وصل حجمها إلى ربع الدخل القومي المغربي حسب كتابة الدولة الأمريكية وتقرير مكتب الأمم المتحدة الخاص بالمخدرات.

مغرب محمد السادس دخل مرحلة الاحتضار والسكتة القلبية سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا وأصبح يراوح مقايضات التسول بنداءات الإغاثة والابتزاز والتهديد.

أوهامُ تفوُّقٍ مستحيل في الحرب وضياع المال والجهد في محاولة تشريع الاحتلال يدلان على درجة التهور والتيه المسيطرة حاليا على القصر المغربي.

يظهر مما سبق أن الوضع الحالي، إذا ما استمرّ، سيعصف بالنظام القائم في المغرب وسيؤدي ذلك إلى حسم النزاع لصالح شعب الجمهورية الصحراوية كما وقع بالضبط في التجارب المماثلة المعاشة التي كانت نهايتها هي سقوط الأنظمة في العديد من الدول الاستعمارية كنتيجة مباشرة للحروب الاستعمارية.

إذا كان الحسن الثاني قد تفادى تلك النهاية الأكيدة بالأمس لأن هدفه كان هو حسم الأزمة الداخلية لصالح عرشه بافتعال النزاع في الصحراء الغربية، فإن مواصلة الحرب العدوانية اليوم ضد الشعب الصحراوي من طرف محمد السادس وفريقه ستفرض بالضرورة حسم النزاع الصحراوي المغربي على حساب العرش المغربي وفى اتجاه اندثاره.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!