تسليم المشعل
![تسليم المشعل](https://i.dzs.cloud/echoroukonline.com/placeholder.png?resize=790,444.375)
قبل أيام، لم ينتبه أحد ربما للنكتة المضحكة التي أطلقها الوزير الأول عبد المالك سلال، وهو شخص معروف للمقربين منه بمرحه، حين قال بأن الحكومة التي يتولاها تضم جزءا كبيرا من الجيل الجديد الذي سيتسلم المشعل ليضمن تدريجيا تسيير شؤون البلاد!
طبعا، قصّة تسليم المشعل معروفة للجميع، كبارا وصغارا منذ الاستقلال، وجيلا بعد جيل، حيث نسمع عن المشعل ولا نراه، يتحدثون عن تسليمه ولا يفعلون، يبشرون به الجميع ولا ينفذون.. حتى أن أحد المسؤولين الشباب في منظمة جماهيرية قال يوما لأحد رفاق دربه “النضالي” الطويل، بأنهم أطلقوا الكذبة وصدقوها وباتوا جميعا يتحدثون عن مشعل سيتم تسليمه قريبا للجيل الجديد، ثمّ لا يتم الأمر، بل يتحول مع مرور السنوات، إلى نكتة يتداولها البعض في الصالونات المكيفة للضحك على الذقون واستغفال الشباب، وممارسة الهفّ المنظم على بقية فئات الشعب!
أحد الوزراء المحسوبين على الشباب في الحكومة الجديدة، وهو بلقاسم ساحلي، صدّق الكذبة، وراح يخطب على الناس قائلا في أول تجمع لحزبه بعد توليته زمام الكرسي، أن جميع ما تم ممارسته من طرف مؤسس الحزب السابق، والوجه التاريخي رضا مالك لم يكن سوى تهريج يسمّى معارضة، ونفاقا مفضوحا ضد السلطة، ومراوغة خطيرة وغير حميدة للحقيقة، وأن المرحلة المقبلة هي “مرحلة الصح” والتي تبدأ منذ توليه جزءا من الحكم، في انتظار تسليم المشعل للشباب، والذي يعدّ وزير الجالية واحدا منهم… في نظر السلطة على الأقل!
طبعا الشباب الذين يتحدث عنهم عبد المالك سلال في سياق تهليله لوجود وزير أو وزيرين تحت سنّ الخمسين بقليل، ليسوا هم الشباب الذين يبلغ عددهم أزيد من 600 ألف مواطن يطالبون في الوقت الراهن ومنذ فترة ليست بالقصيرة، بتسوية حقوقهم ضمن ما يعرف بعقود ما قبل التشغيل.. أو الكذبة الكبرى الثانية التي روّجتها السلطة، ثم صدقتها بمناسبة الحديث عن تقلص نسبة البطالة في البلاد!
وليسوا هم الشباب الحراڤة الذين يمارسون الهجرة السرية على متن قوارب الموت منذ سنوات، وتزايدت أعدادهم بالمناسبة في هذا العام الذي تحتفل البلاد فيه بالذكرى الخمسين للاستقلال، والتي لن تجد لها معبّرا ولا مصدّقا سوى لدى أولئك المطبلين لها بين جدران المسارح والقاعات التابعة لوزارة الثقافة، أما في الشارع والمدن الداخلية والقرى المعزولة، فإنك لن تجد شيئا واحدا يدل على أن القاطنين في تلك الأماكن، يشعرون بنعمة الاستقلال ولا بسلطة البلاد أو حريتها!
الرئيس حين أطلق عبارته الشهيرة “طاب جنانّا”، كنا نعتقد فعلا بأن وقت التغيير قد حان، ودقّت ساعة التجديد، قبل أن نُصدم بفرض الوجوه التقليدية ذاتها، سواء في الحكومة أو حتى في الساحة السياسية والحزبية، حيث لا تغيير حقيقي قد حصل، بل مجرد فصل جديد من فصول مسرحية الهف التي لا تريد أن تسدل الستار بعد، وكأنها تحولت إلى قدر ثابت للجزائريين، هؤلاء الذين مازالوا ينتظرون تسليم المشعل حقا، على أمل وصوله في يوم ما إلى مكانه الطبيعي بعد عقود طويلة استمر خلالها في البقاء بين أيدي… “أمينة جدا“!