-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تحولات الجرائم المتحولة

عمار يزلي
  • 614
  • 0
تحولات الجرائم المتحولة

التحولات الاقتصادية والسياسية الكبيرة والسريعة التي تعرفها الجزائر في خضم التحولات العالمية الكبرى السريعة والعنيفة أحيانا، ينبغي أن لا ننظر إليها ونتعامل معها، وطنيا وداخليا، كمتغيرات بعيدة عن التأثير المباشر عن الفرد والجماعية، ونتهرب من نتائجها السلبية الحالية والمتوقعة والمتمادية في الحدة، تماما كما نتعامل دوليا في كثير من الأحيان مع متغير المناخ الذي تزداد حدّته مع حبس احتباسه الحراري الذي ينذر بتحول مريع قبل نهاية القرن.. وقد بدأ العد التنازلي.

التحولات الاقتصادية والسياسية، تواكبها وجوبا تحولات اجتماعية ونفسية لدى الأفراد والجماعات: تحولات كبيرة وسريعة هي الأخرى بحجم التحولات الشاملة، كون الإنسان هو الفاعل فيها ومفعّلها ولكنه أيضا متفاعل معها، بمعنى أن الإنسان بقدر ما يساهم في التحولات، عن قصد أو عن غير قصد، فإنه سيكون حتما في قلب هذه التحولات، وقد يكون في عين الإعصار إن ساء توجه هذه التحولات ولم يتم التحكم فيها بعقلانية.

الجريمة، كجزء بسيط من نتائج هذه التحولات في كل المجتمعات، يجب أن لا ننظر إليها على أساس أنها وفقط ظاهرة فردية، تتمثل في الخروج عن القانون وجب ردعها والتعامل معها بقوة إنفاذ القانون وفقط، بل هي ظاهرة اجتماعية نفسية يجب التكفل بها ومراعاة أسبابها ودوافعها، تماما كما يجب محاربة الحرائق مثلا، ونحن في خضم الظاهرة التي ترتبط بالمناخ وترتبط أيضا بالجريمة المنظمة، وكلاهما أمران أحلاهما مرّ.

علم اجتماع الجريمة والانحراف، وإن كان قد خصّص لها تخصصا في علم الاجتماع منذ أزيد من 7 سنوات، إلا أننا لم نتمكن بعد من محاصرة الظاهرة لمعالجتها في المهد، وهذا بسبب عدم استثمار الدراسات والمتخرجين من الجامعات الحاملين للاختصاص في مجال دراسة الظاهرة ومتابعتها ومرافقتها لدى الشباب والكهول والأسر. لا يزال الآلاف من المتخرجين الحاملين للماستر والدكتوراه عاطلين عن العمل، لم يُوفَّر لهم مجال عمل واضح يمكن أن يقوم به هؤلاء لمساعدة السلطات في كبح جماح هذه الآفة المتمادية في الانتشار والتغول. لم نقم بدمج الباحثين والمتخرجين في مجال الجريمة والانحراف، ولم نفعِّل حتى الرسائل التي بحثت في المجال، وتركنا الأمر للمؤسسات العقابية والأمنية وحدها، وكأن المسألة هي فقط تسربات يجب التعامل معها أمنيا، في حين أنها أكثر من ذلك؛ ظاهرة مرتبطة بالتنشئة الاجتماعية للأطفال والتلاميذ ومرافقتهم ومراقبتهم منذ النشأة الأولى. لهذا، ضروري أن يكون هناك مختصون في علم الاجتماع وعلم النفس لمواكبة الأطفال ومرافقتهم في كل مراحل التعليم والتكوين وضمن المؤسسات الجوارية والجمعيات، هذا إضافة إلى مختصين في الجريمة والانحراف لدى المؤسسات الأمنية والعقابية والقضائية وغيرها من المؤسسات التي ينبغي لها أن تنخرط في دراسة الآفات الاجتماعية ومحاربتها ومرافقة العائلات، ودعمها ورعايتها واستشارتها وتوجيهها لمرافقة الأبناء خاصة المدمنين والعاطلين عن العمل واقتراح طرق لمساعدة الشباب على تخطي مرحلة المراهقة وبناء الثقة في النفس عبر ترشيد العمل، والمهم توفير فرص ربط الباحث عن العمل بمجال اهتمامه وتخصصه بعيدا عن الاعتباطية في التوظيف، إن كان هناك تشغيلٌ وتوظيف.

الجريمة هي نتيجة لتراكمات الماضي ولكنها قد تكون أيضا تراكمات للمستقبل، لهذا، لا يجوز تأخير العمل على تحجيمها بكل الوسائل والطرق، لاسيما الطرق التكوينية والمرافقة والمراقبة والتنشئة والتشغيل وربط الشباب بالعمل ووسط العمل وإبعاده عن كل ما يبعده عن القيم التي توارثها أبا عن جد قبل أن تحل عليه “لعنة” التغييرات العالمية الكبرى التي قلّبت مواجع الماضي فيه وحوّلته إلى الاتجاه غير السوي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!