-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

انهيار أوروبا

صالح عوض
  • 3238
  • 0
انهيار أوروبا

لم تُجدِ استغاثات الأوروبيين ولم تنفع تدخُّلات الأمريكان وذهبت سدى كل تحذيرات رؤساء أوروبا وبرلمانها، فلقد حلت الكارثة حسب توصيف المستشار النمساوي بأن انحازت أغلبية البريطانيين إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي.. إنه حدثٌ كبير وخطير في تاريخ أوروبا رغم أنه يتم عن طريق الديمقراطية التي لم تُسعف الأوروبيين كثيرا وكانت خصمهم اللدود هذه المرة.

ليس فقط انهيار الجنيه الاسترليني انهيارا قياسيا أمام سلة العملات الدولية، إنما الأهم أنَّ تجربة بُذل من أجلها الوقت والمال وسُنَّت لها القوانين واتّخذت الإجراءات تنتهي بطريقةٍ اختيارية رغم أن وجود بريطانيا في الاتحاد كان متميزا وبشروط بريطانيا، إن ذلك يعني بوضوح أن المشكلة أعمق بكثير داخل الأمم الأوروبية مختلفة الديانات والقوميات والتاريخ.

انهار الاتحادُ الأوروبي، ولعل أزمة اللاجئين الفارِّين من بلاد الحروب والصراعات في المشرق العربي كانت سببا مباشرا في ذلك، حيث بدأ التفكير الجدِّي فيمن يتحمَّل أعباء تلك الهجرة، وأبدى كثيرٌ من أعضاء الاتحاد الأوروبي تهرّبا من ذلك.. فبرز هذا العامل كخطر حقيقي على استمرار وجود الاتحاد الأوروبي الذي كان من المحرَّمات الحديثُ عن انهياره.

لم تكن الفكرة لدى المخططين لمشروع الاتحاد الأوروبي منحصرة في مجموعة دول، إنما كانوا يريدون التوسع لاستيعاب القارة كلها بما فيها من مكوِّنات اقتصادية وثقافية ترتقي بها لتصبح قطبا دوليا رئيسا في صياغات السياسة الدولية وما يترتب عن ذلك من حصص في نهب ثروت البشر، لذا توجهوا إلى جذب دول أوروبا الشرقية محققين بذلك توفر الأيدي العاملة الرخيصة وفتح أسواق لمنتوجاتهم والاستعانة بالتمدد الجغرافي لإقامة درع صاروخي أمام روسيا ومحاصرتها.. وبهذا تصبح أوروبا شريكا رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية في الهيمنة على العالم.

انهار الاتحادُ الأوربي كما يقول وزير خارجية ألمانيا، وسقطت أوروبا كما يقول كثيرٌ من نواب البرلمان الأوروبي إنه: “بداية النهاية بالنسبة للاتحاد الأوروبي، لا يمكنه البقاء على قيد الحياة خاصة مع تجذر الفساد وعدم وجود الديمقراطية وطموح البيروقراطيين الجامح، الكثير من البلدان الأخرى ستتبع المملكة المتحدة. وأوروبا سوف تسقط، ويتوقع كثيرٌ من البرلمانيين الأوروبيين أن تواجه حكوماتُهم ضغوطا مكثفة لعقد استفتاءات خاصة بها على غرار بريطانيا، مع محاولة إعادة التفاوض مع الاتحاد على صفقات فردية خاصّة بهم، وذلك بفعل تنامي الحركات اليمينية المتطرِّفة والأحزاب المشكِّكة في جدوى الاتحاد الأوروبي داخل البلدان الأوروبية.

ما انعكاسات ذلك على المستوى الدولي ومصير تشكُّل التكتُّلات السياسية العالمية؟ وما مستقبل علاقات الاتحاد الأوروبي بمنطقتنا العربية بعد تفكك أوروبا الوشيك؟ ولكن السؤال المطروح الآن بسرعة: ما مصير الاستثمارات العربية في بريطانيا البالغة ما يقارب 150 مليار دولار؟ ما آثار انهيار الاتحاد الأوروبي على المنطقة لاسيما في أماكن الصراع الدامي في سورية والعراق؟ ما أثر الانهيار المباشر على تمدُّد الاقتصاد الآسيوي في أحشاء المنطقة العربية والإسلامية؟

إنَّ تغيُّراتٍ جوهرية ستحصل على الخريطة الدولية والإقليمية، وإن متابعة التطورات الحاصلة في أوروبا ووضع استشرافات لِما ستؤول إليه الأوضاع هناك يعني بوضوح ان نعرف نحن العرب والمسلمين أين نضع أدامنا وأن لا نكون مادة استهلاكية للمتنازعين الغربيين.. تولانا الله برحمته. 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!