-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

انتفاضة طهران وثورة “تويتر”

محمد قيراط
  • 3068
  • 0
انتفاضة طهران وثورة “تويتر”

لم يتوقع المحافظون أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة ستؤدي إلى انقسام إيران إلى قسمين، وإلى إفراز مظاهرات واستياء كبير عند أنصار مير حسين موسوي من النظام والمحافظين في البلاد.

  • لكن ما لم يتوقعه رجال الدين وأنصار أحمدي نجاد ومرشد الجمهورية والمحافظون، بدرجة أكثر، وبتداعيات جسيمة وضخمة، هو دخول ثورة تكنولوجية المعلومات والانترنيت على الخط حيث أصبحت من وسائل الأزمة التي شهدنها إيران مؤخرا وفشلت السلطة في التصدى لكشف المستور ولما يجري في الشارع الإيراني من استياء ومن حراك سياسي ومن مظاهرات زعزعت مصداقية إيران في العواصم الغربية وتداولتها مواقع الانترنيت في مختلف أنحاء العالم. تكنولوجيا الاتصال فتحت الباب على مصراعيه للإيرانيين داخل إيران وفي الخارج لتبادل الصور والرسائل والمعلومات والتقارير والتحليلات والدراسات التي تناولت الرئاسيات وكل ما حاول النظام في إيران التستر عليه وإخفائه من خلال عمليات التضليل والتعتيم والتزييف… الخ.
  • نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية هي القطرة التي أفاضت الكأس، والتي كشفت عورة النظام الإيراني منذ وفاة آية الله الخميني الأب الروحي للثورة الإسلامية الإيرانية. من خلال مظاهرات طهران وعدة عواصم عالمية، عبّر الإيرانيون عن رفضهم للوضع الاقتصادي الصعب والطريقة التي تُدار بها بلدهم. استعملت السلطات الإيرانية في طهران كل الوسائل والطرق التقليدية والحديثة لمنع الصحافيين ورجال الإعلام المتواجدين في إيران من تغطية مسيرات ومظاهرات الاستياء وتداعياتها على الساحة السياسية الإيرانية ونقل أحداث الاستياء والرفض لنتائج الانتخابات، التي كانت تجري في شوارع طهران إلى العالم. لكن ما غاب عن المحافظين والسلطة السياسية الحاكمة في إيران هو أن عالم الإعلام والاتصال قد تطور كثيرا وتغيرت آليات الاتصال والتواصل بين الأفراد والجماعات وما تنبأ به “مارشال ماكلوهان” ومن بعده “إتيال دو صولا بول” في الستينات من القرن الماضي قد أصبح حقيقة وواقعا مع نهاية القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة. الانترنت دخلت على الخط ومن خلال “تويتر” و”الفايس بوك” و”ماي سبايس” و”فليكر” و”يوتوب”وغيرها أصبح الناس في جميع أنحاء المعمورة يتبادلون الأخبار والمعلومات والصور من دون حواجز ولا رقابة ولا حارس بوابة.
  • وهكذا ورغم منع الصحافيين الأجانب من نقل ما كان يحدث في إيران بعد الانتخابات الرئاسية تبادل الإيرانيون في إيران وفي دول العالم المختلفة رسائل وصور وأخبار ومعلومات كان نظام مرشد الثورة وأحمدي نجاد يفعلون المستحيل للتستر عنها وإخفائها ومنعها عن الظهور للرأي العام المحلي والدولي. مؤسسات إعلامية كبرى تداولت الصور والأخبار من خلال “اليوتوب” و”الفايس بوك” و”تويتر” و”فليكر” وأبصرت وأبلغت وأخبرت العالم بما كان يجري في شوارع طهران.
  • ففي جو تضييق السلطات الإيرانية على المعارضيين في الشوارع وكذلك الصحافيين فرضت الأنترنيت نفسها وكسرت الحواجز وحطمت الأقنعة حيث لعب موقع “تويتر” دورا محوريا واستراتيجيا في إيصال الحقائق إلى العالم. فالكثير من المعلومات التي لم يستطع المراسلون الأجانب نقلها من إيران إلى العالم الخارجي بسبب رقابة النظام الإيراني والآليات الصعبة التي وضعها من أجل التحكم في كل ما يُبث عن إيران إلى الخارج، نقلها إيرانيون عاديون إلى العالم بالصوت والصورة والنص عن طريق “تويتر”، الأمر الذي جعل إيران موضوع النقاشات والحوارات على موقع “تويتر”.
  • ما كشفه الإعلام الجديد والمتمثل في “تويتر” و”فايس بوك” و”فليكر”… الخ هو أن النظام في إيران يجب أن يتعلم الدرس ويقر أن إخفاء الحقيقة في عصر المجتمع الرقمي وعصر الانترنيت أصبح أمرا صعب المنال. ثورة “تويتر” كشفت أن الانتخابات في إيران في ظل نظام ولاية الفقيه لا معنى لها حيث أنها عادة ما تُحسم قبل أن تُجرى. حيث أن في إيران لا فصل بين السلطات وأن السلطات الثلاث تعمل تحت قيادة وإمرة ولاية الفقيه. الرئاسة في إيران محل صراع قطبين رئيسين هما فريق مرشد الجمهورية من جهة أو ما يسمى بالمحافظين بقيادة الولي الفقيه وأتباعه والأوفياء له من أمثال محمود أحمدي نجاد وعلي لاريجاني وعلي أكبر ولايتي…الخ، وفريق الاصلاحيين بزعامة هاشمي رفسانجاني ومحمد خاتمي ومير حسين موسوي…الخ.
  • كما كشفت أزمة الانتخابات الرئاسية الأخيرة في إيران أن النظام يعاني من أزمة ثقة ومصداقية في الداخل وفي الخارج وأن الشعب الإيراني سئم من الانتخابات ومن نفس الآليات التي تفرز نفس الوجوه التي تُستخدم للحفاظ على الوضع الراهن والابقاء على النظام على ما هو عليه. فالتزوير الذي حدث في الانتخابات كان فاضحا وواضحا للعيان حيث أن تضخيم نسبة المشاركة وجعلها تصل إلى 85 % أمر مستحيل في جو أصبح فيه الاقبال على الانتخابات في إيران ضعيف جدا نظرا لعدم ثقة الشعب في النظام ونظرا لغياب التغيير والتجديد.
  •  فنسبة كبيرة من الإيرانيين ترفض النظام الذي أفرز الفشل وأفرز البطالة وأفرز الصراع في المنطقة ومع القوى العظمى في العالم. الأزمة ومن خلال الإعلام الجديد كشفت أن غالبية الشعب الإيراني وخاصة الشباب تريد التغيير وتريد نظام براغماتي فعال يضع ثروات البلاد في خدمة الشعب وفي خدمة التنمية المستدامة. الشعب الإيراني عبّر عن استيائه من خلال الانترنيت والإمكانيات التي وفرها له الإعلام الجديد للكشف عن تناقضات النظام وعن طرق التخويف والترهيب والمضايقات المختلفة على كل من يتظاهر ويعارض ويعبر عن عدم رضاه عما يجري في البلاد.
  • كما كشفت الأزمة الأخيرة في طهران أن النظام تآكل ونالت منه الشيخوخة وأصبح يعيد نفسه ويجتر مناهج وأساليب وطرق تجاوزها الزمان والأحداث. فالشعب الإيراني سئم من قمع الحريات ومن سياسة تصدير الثورة ومن الإدارة السيئة لثروات البلاد مما انعكس سلبا على مستوى المعيشة في البلاد وعلى القدرة الشرائية للمواطن الإيراني. البطالة انتشرت في أوساط الشعب وخاصة الشباب منه، كما زادت المشاكل الاجتماعية، أما على الصعيد الدولي فإن إيران تعاني من توتر علاقاتها مع دول المنطقة ومع أمريكا والاتحاد الأوروبي. ما يحدث في إيران اليوم هو أن التاريخ يعيد نفسه حيث أن في سنة 1979 خرج الإيرانيون للإطاحة بحكم الشاه نظرا لفشله في إدارة أمور البلاد والعباد ونلاحظ أن الشعب في إيران خرج في الأيام الأخيرة لرفض نتائج الانتخابات للتعبير عن رفضه للنظام الذي كرر نفسه منذ الإطاحة بالشاه لكن لم يأتي بالتغيير الذي وعد به. فالذين خرجوا في المظاهرات للتنديد بدكتاتورية الشاه، خرج أبناؤهم في 2009 للتنديد بدكتاتورية الملالي، وما أشبه البارحة باليوم.
  • ما يصبو إليه الشعب الإيراني هو استقرار البلاد وازدهارها ورفاهيتها وتطورها والتخلي عن السياسات البالية، التي لا جدوى من ورائها، كالتدخل في شؤون الآخرين وتصدير الثورة الإسلامية. والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل يستطيع شباب إيران اليوم الإطاحة بالملالي مثل ما فعله شباب الأمس قبل ثلاثين سنة عندما أطاحوا بالشاه؟ آية الله الخميني جند الشباب أنذاك بالشريط (حرب الكاسيت). هل يستطيع الشباب الإيراني اليوم وعن طريق وسيلة اتصال أخرى كالانترنيت وبالأخص “تويتر” تغيير النظام وإرغامه على الاستجابة لمطالب الشارع؟      
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!