الهاتف المحمول غير حياتي..
التقيت فتاة ساخطة على نفسها وعلى “الهاتف المحمول”الذي أصبح متهما رئيسيا في بعض القضايا المتعلقة بالشرف، وأخبرتني بقصتها الأليمة معه، أي مع الهاتف، وأرادتني أن أصوغها بأسلوبي لتأخذ الفتيات الغافلات العبرة منها.
قالت بألم وحسرة: ” كنت أشعر بالفراغ وبالوحدة، وبحزن دفين لا أعرف مصدره غير أنه كان يحطم دواخلي ويجعلني أبني جدارا من الصمت والعزلة بيني وبين الكون المحيط بي.. كنت ومن مدة قصيرة قد تحررت من اليأس والإحباط لعدم وجود عمل أشغل به نفسي وأتيت لأفعل شيئا، لأكتب، لأخرج، لأكسر كل الأغلال الوهمية التي أسرت حريتي من يوم تخرجت وكان ذلك قبل عام ونصف، حيث ركنت إلى المنزل ونسيت بأني أكملت مشواري الدراسي وتعبت في نيل شهادة الليسانس التي كانت حلمي الأكبر وحلم أهلي من بعدي.. لقد تجاهلت كل شيء في حياتي وهمشت مشاعري وعواطفي وكنت أقطع كل يد تحاول نسج علاقة حب معي لأني لا أعرف التوفيق بين أمرين، فإما الحب أو الدراسة، وأنا اخترت الدراسة وكنت جادة فيها ومجتهدة والدليل أني كنت دوما من الأوائل ولم أرسب ولا مرة ولما نلت مرادي اصطدمت مع واقع أنه لا يوجد عمل وبعد محاولات يائسة بقيت بين جدران المنزل أستمع إلى تعليقات تافهة كانت تجرح إحساسي وتقطع أنفاسي فهذا يقول: “علقي الشهادة على الحائط وتفرجي فيها” وذاك يقول: “أتعبت نفسك دون فائدة” وتلك تقول: “ماذا جنيتي من الجدية غير تضييع سنوات من عمرك” وغيرها من العبارات المحبطة التي كانت تتسلل إلى مسامعي فتزيدني حسرة على حسرتي على الرغم من أني لم أفكر يوما في العمل وكل الذي كنت أطمح إليه هو تغذية فكري والوصول إلى مرتبة مرموقة تعزز ثقتي بنفسي وتجعلني فردا مهما في المجتمع.. كان عمري 22 سنة حين تخرجت وطوال هذه المدة كنت عذراء العواطف، طاهرة الماضي والحاضر، ولم أسمح لأحد بالدخول إلى عالمي رغم محاولات الكثيرين التقرب مني، ولم أشعر بشيء أيضا طوال هذه السنوات لأني كنت منشغلة عن نفسي بالدروس والمحاضرات والبحوث والامتحانات لكن لما تخرجت وبقيت بلا شغل ولا مشغلة أخذ الفراغ اللعين يتمكن مني وبدأت بجدية أفكر في الارتباط لأن ذلك قد يساعدني على طرد الروتين وعلى تغيير نمط حياتي التي أصبحت مملة وبلا طعم لكن لسوء الحظ لم أكن اعرف رجلا صالحا بإمكانه أن يكون زوجا مسؤولا يحبني ويحترمني ويقدر مشاعري التي احتفظت بها مدة 22 سنة.. أجل لقد عشت 22 سنة من البراءة لم أكن أفكر في شيء عدا الدراسة، وكنت مؤمنة بفكرة واحدة وهي أنه علي الاحتفاظ بمشاعري الطاهرة والنقية لرجل واحد وهو الذي سأكون زوجة له.. وبما أني لم أجد ذلك الرجل في جيراني وأقاربي ومعارفي، وبما ان كل المتقدمين لي قد تم رفضهم لعدة اعتبارات، فقد استجبت لإلحاح شاب شكلت رقمه بطريقة عشوائية واتصلت به فكلمني وكان يبدو صالحا ومؤدبا وفي نفس الوقت كنت ألوم نفسي وأعتبر هذا انحرافا عن سلوكي المستقيم وأخلاقي العالية التي ما كانت لتنزل إلى مستوى ذاك الرجل المراوغ لولا ولوجي في دائرة الوحدة خاصة بعد انتهاء الرابطة التي كانت تجمعني بزميلاتي اللواتي عشت معهن أروع اللحظات في الجامعة.. المهم تعرفت عليه وتمنيت ان يكون صادق النية ولكنه كان في منتهى الأنانية وتحول فجأة من رجل هادئ، محترم إلى رجل آخر أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه ذئب يريدني أن أرافقه إلى أماكن التنزه المشبوهة، ولأني رفضت عرضه ابتعد عني حتى يضغط علي وأستجيب لمطالبه، لكني لم أتذلل له وآخر شيء كنت أفكر فيه هو أن أخسر كرامتي على يدي رجل تافه يريدني لعبة للتسلية، فعاد بعد غياب طويل يطلب الصفح الجميل ويقول بأنه لا يستطيع العيش بدوني وبأني امرأة صلبة لا أشبه كل النساء اللواتي عرفهن قبلي وبأنه فعلا يريدني وكان يفعل ذلك فقط كي يجعلني أتعلق به ومن بعدها يفرض شروطه ولكنه كان مخطئا في حساباته لأني لم أكن مستعدة إطلاقا لمطاوعته فيما يريد ولا أريد.. وعملت على صده بمختلف الطرق ولكن كلما رفضته زاد إصراره على ملاحقتي وتعلق بي وأحبني ولم يكن يستطيع التقدم لأهلي لأنه كان متزوجا وكان يخاف من رد فعلي إذا علمت بهذه الحقيقة التي كان يخفيها عني، وتعلقت أنا أيضا به بمرور الوقت وأحببته وسمحت له بأن يحدثني عن مشاعره وأن يتغزل بي وهكذا طارت الحشمة من روحي وتغيرت جذريا إلى درجة أني رافقته على متن سيارته إلى شاطئ البحر وأنا التي كنت أرفض الركوب مع أبناء أعمامي وأخوالي لأن ذلك “حرام” ولكن كما يقال: “في شريعة المحبين كل شيء حلال محلل”.. وذات يوم علمت بطريقتي أنه متزوج وتأكدت بأن شعوري الأول ما كان ليخيب مطلقا فمن يوم رأيته أول مرة انتابني نفور شديد منه على الرغم من أنه جميل جدا وأنيق…واقتنعت بأنه ليس الرجل المناسب لي لأني أفضل الملكية الخاصة وأحب رجلا لي وحدي لا تشاركني فيه أية امرأة ولكنه نفى أن يكون متزوجا وأبدى استعداده الكامل للارتباط بي وتحقيق جميع رغباتي ولكني كنت متأكدة من أنه ملك لامرأة أخرى وله منها أولاد ومن المستحيل أن أكون أنا السبب في تشتيت شمل هذه العائلة.. فابتعدت عنه للأبد بعدما خسرت كرامتي ولوثت طهارتي ومن يومها حرمت على نفسي التحدث مع أي رجل لأني عرفت بأن رجل هذا العصر يريد المرأة المتحررة التي تمنحه نفسها بسخاء كبير دون التفكير في عواقب الأمور والتي تخرج معه وتمتعه في حين لا أستطيع أنا تقديم شيء له لأني ومهما حاولت التحليق بعيدا عن سجن العادات والتقاليد أجد نفسي محاصرة بعذاب الضمير.. وعليه فأنا أقول وعن تجربة لكل فتاة تملك هاتفا محمولا، إياك والابتذال والاغترار بكلمات الغزل التي يتفنن في إسماعك إياها بعض الرجال المخادعين الذين قد يضعفون أي أنثى بكلامهم المعسول ويجعلونها طوع أمرهم ورهن إشارتهم فاحذري.