-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المهنة.. راقي

المهنة.. راقي

عادت مرة أخرى، ممارسة الرقية – غير الشرعية طبعا – لتصنع الحدث الاجتماعي والديني في الجزائر، ومرة أخرى من دون أن يبلغ هذا الحدث نهايته، سواء عبر سنّ قانون صارم، أو اتحاد علماء الدين على رأي واحد، يُنهي ما يمكن وصفه بالمآسي التي صارت تقع بين الحين والآخر، حتى بلغنا درجة وفاة طالبي رقية بين أيدي من يسمّون أنفسهم “رقاة”، والاحتيال على مدينة بأكملها بزعم بأن سحرا قد مسّ أهلها، ولن تقوم لهم قائمة إلا برُقية جماعية لنساء المدينة، وهو ما أساء إلى الدين الحنيف.

ومرة أخرى نجد أنفسنا مجبرين على العودة إلى السيرة الذاتية لشيوخ جمعية العلماء المسلمين، وكلهم بدرجة إمام وعلّامة، في زمن القهر الاستعماري والتخلّف العلمي، ومع ذلك لم يحدث وأن رقى الشيخ عبد الحميد بن باديس مصابا بالمسّ، وكان محاطا بشعب يتوجّع من كل آلام الحياة، أو طلب الرقية لنفسه، وقد رقد على فراش الموت ثلاثة أيام، بعد إصابته بمرض مازال مجهولا إلى حدِّ الآن، ولا حتى تلاميذ الشيخ ابن باديس مارسوا الرقية، ومنهم الشيخ أحمد حماني وعبد الرحمان شيبان، ومع ذلك وجد بعض زاعمي العلم والتديّن سانحة من الوقت والمكان، ليتحوّلوا إلى رقاة مهنة واسترزاقا، من جرّة “جرأة”.

الذين امتهنوا الرقية وفرضوا على طالبيها أموالا، واستقروا في مقرات لممارستها، وأشهروا أنفسهم عبر بطاقات زيارة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، واحتالوا على الناس وغالطوهم، عندما زعموا قدرات فيها بعض الشرك والكثير من الكذب، ومزجوا بين الكهانة والشعوذة والرقية، ضمن خلطة نفسية، هم في الحقيقة لا يختلفون عن بائعي الوهم من طرقيي الزمن الغابر، الذين حاربهم الشيخ ابن باديس ورجالات جمعية العلماء المسلمين، فتشابه هدف الأولين مع هدف الحاليين في محاولة لجرّ الناس إلى نار الجهل وكسب المال من جيوب المعتوهين، الذين يعلّقون خيباتهم على نظرة حسد من “عيون” جيرانهم، وفشل أبنائهم على “مسّ من الجن”، وعنوسة بناتهم في “سحر” يتبعهن أينما حللن.

لا يمكن أن يبقى ملف “الرقية” مفتوحا إلى ما لا نهاية، ولكل من هبّ وتجرّأ، لأن ما صار يحدث بين الحين والآخر، يسيء إلى الدين وإلى العلوم الطبية، ويمنح بعض الفاشلين في حياتهم فرصة لامتهان “الرقية”، كما امتهن فاشلو زمان “الكهانة”، مستغلّين سذاجة بعض المواطنين الذين يشخِّصون أي حالة مرضية أو نفسية أو مهنية بمسٍّ أصابهم، فيطلبون خدمة الرقاة الذين صاروا يمارسون “مهنتهم” في المنازل وصناديق المصوغات والسيارات والمحلات التجارية، في فوضى عارمة باسم الرقية التي اختلطت ما بين الشرعية والانتهازية.

يقدّم الشيخ أحمد حماني في كتابه الراقي “صراع بين السنة والبدعة” عصارة الفكر الباديسي النيّر، الذي نحن في حاجة إليه الآن، ويروي جهاد العلّامة ابن باديس الذي يطلق عليه لقب “الإمام الرئيس عبد الحميد بن باديس”، في محاربة من يحاولون استعمال الدين لتجهيل الناس والاستهزاء بالأمة، وكيف تعرّض الإمام الرئيس لمحاولة اغتيال بسبب أفكاره، وكيف اتحدّ رجالات جمعية العلماء المسلمين على رأي واحد، قدّم لنا الدين من دون هؤلاء الذين امتطوه ولعبوا بالعقول وانتصروا للجاهلية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!