-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المدرسة الوطنية العليا “فـي” الرياضيات!

المدرسة الوطنية العليا “فـي” الرياضيات!

تحتفل الجزائر مثل عديد الدول يوم الثلاثاء 14 مارس باليوم الدولي للرياضيات. لماذا تم اختيار هذا اليوم بالذات يوما دوليا للرياضيات؟ كان هناك جدل كبير عام 2019 قبل البتّ في الأمر. فقد اتفقت الجماعة على ربط اليوم بالعدد الذي يُرمز إليه بالحرف اليوناني π. والقيمة التقريبية لهذا العدد هي 3.14، وهو يظهر كلما حسبنا محيطا أو مساحة لأي دائرة، كما يظهر في عدد غير منته من المسائل الرياضياتية. قيل حينئذ: لِمَ لا نقرأ 3.14 وكأننا نعلن عن تاريخ؟ وأي تاريخ؟ تاريخ 14 مارس (الشهر 3 من السنة الميلادية). بينما مال آخرون إلى قيمة تقريبية أخرى معروفة منذ القدم لهذا العدد، وهي حاصل قسمة 22 على 7.. واقترحوا أن يكون اليوم الدولي للرياضيات يوم 22/7 (أي 22 جويلية). وفي الأخير، تم اختيار تاريخ 14 مارس!

أهمية الرياضيات
وفي هذا السياق، نقرأ في موقع منظمة اليونسكو: “تُعدُّ زيادة الوعي العالمي بعلوم الرياضيات حيوية في التصدي للتحديات التي تبرز في مجالات الذكاء الاصطناعي وتغير المناخ والطاقة والتنمية المستدامة، ولتحسين جودة الحياة في البلدان المتقدمة والنامية على حدٍّ سواء. ولذلك اعتمد المؤتمر العام لليونسكو في دورته الأربعين التي عُقدت في نوفمبر 2019، يوم 14 مارس من كل عام يوماً دولياً للرياضيات”. ويضيف الموقع: “وتحتفل العديد من البلدان أصلاً في 14 مارس (14/3) بيوم الرمز “باي” (π)، لأنه أكثر الثوابت الرياضية شهرة على مستوى العالم، ويمكن تقريبه إلى العدد 3.14″.
أما في بلادنا فكان الفضل يعود إلى الوزير السابق محمد واجعوط حين قرر الاحتفال بهذا اليوم عام 2021 بالإعلان عن إنشاء “لجنة وطنية للأولمبياد” في جميع التخصصات، وعلى رأسها الرياضيات، ورعاها بقدر المستطاع. لكن ما كادت تنطلق هذه اللجنة في أعمالها حتى تغيّر الطاقم الحكومي. لقد كان في إنشاء هذه اللجنة دفع قوي للتحفيز على الاهتمام بالرياضيات في كل مراحل التعليم، غير أن هذا الدفع لم يتواصل. ولازالت الرياضيات تعاني في تحصيلها على جميع المستويات التعليمية، ونتائج الامتحانات التي يجتازها تلاميذنا وطلبتنا أكبر دليل على ذلك.
ومن المعلوم أن أقل ما يقال في الرياضيات أنها تتطلب نصيبا قويا من الذاكرة لدى المتعلم، غير أن ما تتطلّبه أكثر هو التفكير السليم من الناحية المنطقية في معالجة مسائلها بوجه خاص. والمؤسف أن نلاحظ في جيل التلاميذ والطلبة أن هذا النوع من التفكير نادر لدى التلاميذ لأنه أهمل إهمالا شبه كلي في مؤسساتنا التعليمية، وفي مناهجنا، وفي دروسنا. وقد تغلّب تقديم الحلول الجاهزة في المسائل والاعتماد على الذاكرة للإجابة عن الأسئلة التي تقتضي في الواقع التأمل والمعالجة المنطقية.
ولعل مناسبة 14 مارس مناسبة سانحة ليتأمل المحتفلون من ذوي الاختصاص وأصحاب القرار – وكذا المنتسبون لسلك التعليم- في إمكانيات تصويب المسار في تدريس هذه المادة وفي إعادة النظر في مناهجها. وإلا فبماذا نحتفل؟ هل نحتفل بتدهور مستوى المعلم والمتعلم؟ وبعدم قدرة هذا الأخير على الاستيعاب؟ وبعدم قدر المدرّس على تبليغ المعلومة؟ وبعجز واضع المناهج على ترقيتها؟

اهتمام السلطات بالرياضيات
واللافت هذه السنة أن السلطات لن تكتفي بالاحتفال خلال يوم واحد بالرياضيات، بل طالبت بأن تمتد التظاهرات طيلة الأسبوع (من 12 مارس إلى 16 مارس). ودعت جميع المؤسسات التعليمية في كل مراحل التعليم بأن تقيم احتفالات بهذه المناسبة. ومن ثمّ سيتناول الكثير من المتدخلين التاريخ الطويل للعدد 3.14، وستجرى مباريات في الحساب الذهني، وستقدم جوائز للمهرة من التلاميذ، وستنظم نشاطات مختلفة تبيّن عبقرية الرياضياتيين في التاريخ القديم والحديث، مرورا بعلماء الحضارة العربية الإسلامية. غير أن كل ذلك يعدّ –كما يقول أهل هذا الاختصاص- شرطا لازمًا وغير كاف! بمعنى أنه يساعد على الوصول إلى النتيجة المرجوّة، لكنه لا يؤدي إليها. وكفاية الشرط، أي النتيجة المرجوة، هي الرفع التدريجي من المستوى العام للتلاميذ والطلبة في هذه المادة التعليمية وغيرها.
ويستدعي ذلك العديد من المراجعات العميقة: 1) مراجعة طريقة تكوين المكوّن، 2) مراجعة المناهج التعليمية، 3) مراجعة طريقة تقييم التلميذ والطالب في المادة في مختلف المستويات، 4) مراجعة طريقة تدريس المادة في كل مراحل الدراسة، 5) العودة إلى تثمين مفهوم البرهان في الرياضيات، 6) السهر على تدريب التلميذ والطالب على تقديمه، 7) حثّ التلميذ وولي الأمر على التخلّي عن الحلول الجاهزة التي تُقدَّم في بعض الدروس والتدريبات ودروس الدعم، 8) العمل على توظيف تاريخ الرياضيات ومختلف الأدوات العصرية لتحفيز التلميذ والطالب على المزيد من التأمل والتحصيل السليم في المادة…
علينا أن ندرك بأن تدريس مادة الرياضيات يمرّ في العالم كله بأزمة عويصة منذ 3 عقود أو يزيد. ولم نسمع ببلد تجاوز هذه الأزمة بصفة جذرية حتى الآن، لكن غيرنا في الغرب والشرق يبذلون الجهود العلمية والمادية من أجل التقدم في هذا الاتجاه. ولذا نغتنم هذه الفرصة لنقول بأن سبيل الوصول إلى الغاية المنشودة طويل ومتعرّج، ومن واجبنا أن نسعى بثبات -مستفيدين من التجارب المتقدمة في هذا الميدان- مراعين خصوصيات تلاميذنا ومجتمعنا وإمكانياتنا البشرية.
بهذه المناسبة، كنا نبحث عن معلومة في الموقع الرسمي للمدرسة العليا للرياضيات (بسيدي عبد الله) فلفتت انتباهنا في نسخته العربية تسمية المدرسة في كل مكان من الموقع، وقد كتبت هكذا: “المدرسة الوطنية العليا في الرياضيات” (نؤكد على عبارة ‘في الرياضيات’ بدل ‘للرياضيات’). وفي موقع آخر تابع أيضا لوزارة التعليم العالي، وجدنا أن تسمية المدرسة هي “المدرسة الوطنية العليا للرياضيات”، وهو الأصح ! والمشكل أن هذا الخطأ لم يرد في جملة عابرة، بل هو مكرر بدءًا من شعار المدرسة في أعلى الصفحة الرئيسية للموقع الإلكتروني. نتمنى أن يلتفت القائمون على المدرسة، بمناسبة احتفالات يوم 14 مارس، إلى تصويب هذا الخطأ الذي ما كان ينبغي أن يكون في تسمية مؤسسة تعليمية رسمية من الطراز الأول.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!