-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“الفئة الناجية” زمن سقوط أسطورة “نهاية التاريخ”

حبيب راشدين
  • 2191
  • 13
“الفئة الناجية” زمن سقوط أسطورة “نهاية التاريخ”
ح.م

لم نكن بحاجة لأكثر من شهر من تفشي وباء كورونا في الدول الغربية الغنية، حتى تظهر أولى المؤشرات التي لا ترد عن مستوى تراجع وانكماش الاقتصاديات الغربية، ومعها الاقتصاد العالمي، يقدره الخبراء ما بين عشرة إلى ثلاثين في المائة من الدخل العالمي الخام، ودخول عشرات الملايين  في بطالة غير قابلة للعلاج حتى بعد انحسار وباء كورونا، حالة مخيفة قادت المعمر هنري كيسنجر إلى تحذير قادة العالم الغربي من مغبة التفريط في العولمة وفي النظام الليبرالي تحت وطأة فاجعة الانهيار القادم.

منذ بضعة أسابيع نبهت إلى أن ” أم المعارك” حول طريقة ووتيرة الإجهاز على النظام الاقتصادي القائم، تحت طاقية الإخفاء لجائحة كورونا، كراية كاذبة تحمل وزر الانهيار، إنما تجري الآن في قلب القارة العجوز وفي الولايات المتحدة على وجه التحديد، بعد أن فشلت النخبة الغربية في تحميل الصين مسؤولية انتشار وباء كورونا، ومعها ضمنيا مسؤولية انهيار الاقتصاد العالمي، الذي لم يعد محض سيناريو يستشرف، بل حقيقة قائمة، ساعد الوباء على تسريعها بتداعيات حالة الإغلاق العالمي، وتعطل أدوات العولمة، وهرولة الدول إلى بناء جدر العزل والحماية، بل وحتى إلى القرصنة الموصوفة للأجهزة الطبية.

وكما عرت كورونا ضعف وترهل المؤسسات الطبية الغربية عند أول اختبار حقيقي، فإن المنظومات الاقتصادية الغربية تبدوا لنا اليوم أكثر هشاشة في مواجهة الانهيار الاقتصادي، والسقوط المبرمج لمنظومة العولمة، بما في ذلك أداتها الأولى ” الدولار الأمريكي” الذي لم تعد الولايات المتحدة تمتلك فرصة إنقاذه، حتى بعد ضخ أكثر من عشرة تريليون دولار لإنقاذ البنوك والأسواق المالية، ولن يكون بوسع الغرب النافق إملاء شروطه عند بداية حت صيغ بناء النظام الاقتصادي العالمي البديل.

فالاقتصاديات الغربية كان قد نقلها جشع أرباب الأسواق المالية للربح، في بحر أربعة عقود من العولمة المنفلتة العقال، إلى صحاري صناعية، وإلى اقتصاديات تعتمد على عوائد اقتصاد الخدمات بأكثر من سبعين في المائة، هي التي نراها اليوم تتوقف وتتعطل مرافقها مع إغلاق عالمي مفتوح مرشح  لكي يتواصل حتى نهاية السنة، وسوف تلحق به كثير من قطاعات الصناعات العالية التقنية في الطيران، وقطاع السيارات، والاتصالات، وما سيترتب من تبعات عن انهيار سوق “الانتقال الطاقوي” الواعد بعد انهيار أسعار النفط.

ولسنا بحاجة إلى كثير من الفقه الاقتصادي، لنستشرف بكل ثقة، انشغال أغلب الدول الآن بتوجيه طاقاتها ومواردها لضمان الخدمات القاعدية لشعوبها، يأتي على رأسها الغذاء، والطاقة، والحماية الطبية، واستعدادها لفرض ” حمائية” مشددة لاقتصادها القومي ولأسواقها الوطنية، سوف تقود سريعا إلى تفكك منظومة التبادل الحر، وسقوط جميع الترتيبات المعتمدة تحت إشراف المنظمة العالمية للتجارة، وانهيار أغلب المنظمات التابعة للأمم المتحدة بدءا بـ “الآفمي” والبنك العالمي، وبنك المقاصة، وحصول سلسلة من الانهيارات المدوية في النظام المصرفي العالمي وفي أسواقه المالية، التي لن تصمد طويلا أمام انهيار اقتصاد الخدمات، المتضرر الأول من كورونا ومن عودة الدول لفرض نظم الحماية الجمركية.

يقينا سوف تنال دولنا النامية نصيبها من هذا الانهيار المبرمج، لكن مقومات الصمود هي اليوم متوفرة لدى الدول الفقيرة في جنوب المعمورة ،المطالبة اليوم بتوجيه مواردها مع قلتها لضمان الحد الأدنى من القوت اليومي لشعوبها، والاستفادة من تجارب الدول التي واجهت منذ ستة عقود حالة من العزلة والحصار مثل كوبا، وكوريا الشمالية، وإيران ، وقد تنجوا معها الدول التي ماطلت لأكثر من سبب في الانخراط المفرط في العولمة، مثل الجزائر، المهياة اليوم في تقديري المتواضع للصمود أفضل من كثير من الدول العربية، بفضل قطاعها العام الخدمي والصناعي الطي نجا من الافتراس والخصخصة، وأيضا بفضل تنامي قوة مؤسستها العسكرية والأمنية، القادرة اليوم على حماية حدود وأجواء البلد بكفاءة من التناحر القادم المفتوح على الموارد والأسواق بلا ضوابط، تابعنا مقدمات له مفجعة في أعمال القرصنة الموصوفة بين الدول سوف تطال في وقت قريب مصادر ومسارات تجارة المواد الغذائية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
13
  • منبه

    مقال غريب جدا
    الحديث عن العولمة وأزمة الغرب الاقتصادية هو مجرد كلام للاستهلاك وتضييع للجهد والوقت
    والحقيقة التي يثبتها التاريخ هي ان الدول تنقسم الى مجموعتين ، الأولى : هي مجموعة الدول المهيمنة و التي تفرض نفسها ومصالحها سواء في الحرب او السلم ووقت الازمات ولقد لجأت تلك الدول الى تجاوز مشاكلها ولو بطرق غير انسانية والاستعمار يشهد على ذلك ، أما المجموعة الثانية فلا حول ولا قوة لها .

  • لزهر

    شكرا استاذ تدخل الدولة لا بد أن يكون في الحال لتقريب كل من المواطن القطاع الخاص ومؤسسات الدولة من بعضها البعض ليضع كل واحد من هذه الشرائح في المجتمع الثقة في الآخر.
    كيف
    تشجيع القطاع الخاص (امتياز لكل مؤسسة توضف عمال جدد)
    ان تلعب مؤسسات الدولة دورها في احترام المواطن و مساعدته على الخروج من قوقعته
    بصب علاوات لتحفيزه على استرجاع معنوياته وخلق فيه روح الصمود.
    توفير الأمن
    و الله المستعان

  • SoloDZ

    العولمة اجهزت عليها امريكا لانها ناسبت الصين والنظام العالمي الجديد عنوانه "طاق على من طاق" وشخصيا لا يهمني العالم تماما مثل ترامب الجزائر اولا وعلى خبراءنا ان يحضروا بلدنا لهذا النظام العالمي الجديد المتسم بالانانية المفرطة اي ان العالم سيرجع لنظام ما قبل العولمة وكما انه يحمل بعض سلبيات لكنه لا يخلو من الايجابيات واهمها فرص البناء لان الخطوة العالمية التالية لما بعد الجائحة منطقيا ستكون اعادة بناء الدول اقتصاداتها وعلينا انتهاز هذه الفرصة بأن نكون في الركب المهم هو التحضير الامثل لاي اقتصاد نريد وعندما تبدأ العملية عالميا نكون جاهزين ليس القطار ينطلق ونحن لازلنا نفكر ماذا علينا ان نفعل

  • mahi

    الحل الوحيد بعد انجلاء غبار هذه الجائحة .هو تصريف الجهد كله الي هذه الاراضي المتروكة بورا .والحمد لله ان حبانا الله بنعمة الارض الشاسعه التي فقط تنتظر ارادة سياسية.واضنها موجوده .مع خطة لدفع عجلة الفلاحه بوتيره اسرع .وذلك بتوفير الالات المتعلقة بهذا الجانب امام كل ايد ي تريد العمل والجد والاتجاه نحو الاستثمار الزراعي الحقيقي بعيدا عن اي بيروقراطية او بروباغاندا .فلا الوقت يسمح .ولا الانتضار يجدي امام جائحة اخري لاقتصاد عالمي اكيد سينهار حتما بعيدا عن اي تهويل فالمؤشرات كل المؤشرات توحي بذلك. ولا يمكن الحديث عن بطاله في وطن كل شي فيه يحتاج الي انجاز.

  • بن مداني عبد الحكيم

    العالم الأسلامي مستوى 39% تحت مستوى خط الفقر أي 33 دولة عن العالم الأسلامي فأذا حدث الأنهيار الأقتصادي المتوقع حتما سيرتفع النسبة سيقع الضرر علينا باعتبارنا أكثر استهلاكا ثم لماذا لا تكون قاطرة النمو الأقتصادي الصين بعد الأنهيار منا حدث في 2008 ثم لماذا لا يكون تباطؤ اقتصادي بدل انهيار فالأنهيار مخاوف وتوقعات ام فكرة الديمقراطية فلن تسقط انا متأكد حتما لانها اعلى انتاج فكري بشري "مجرد رأي"

  • فداء الجزائر

    الى الاخ المعلقALMANZOR لست ادري ما سبب طمانينتك على اقتصاد عالمي يقول عنه اكبر الخبراء انه سار في الاتجاه الخاطيء و باتت ايامه معدودة,انت امام اقتصاد بلغت ديونه ثلاث اضعاف ناتجه المحلي بسسب الامبريالية الامريكية التغطرسة ان دفاعك عن العولمة والديمقراطية باعتبارها اهدت للشعوب حقوقها من المستعمر غير صحيح بل الصحيح تضحيات الشعوب بالغالي والنفيس لدحر المستدمر ونيل الاستقلال ان العولمة و الديمقراطية بالمفهوم الغربي هي التي عطلت التنمية في الدول النامية و جعلت منها مكب نفايات لسعلها فهذه المصطلحات ظاهرها شيء وباطنها شيء اخر فالديمقراطية الغربية ليست هي نفسها الديمقراطية في التي عندنا لاختلاف القيم

  • مواطن

    هناك أمر آخر مهم يجب الانتباه إليه. الغرب يتعلم الدروس بسرعة و يقوم بالتغييرات اللازمة لتصحيح سقطاته.هذه من صفات الروم كما وصفهم عمرو بن العاص (ض) و هو من يُعْرف بداهية العرب قال (إنهم لأحلم الناس عند فتنة وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة و أوشكهم كرة بعد فرة و أرحمهم لمسكين ويتيم وضعيف و خامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك). الغرب سيعيد بناء منظوماته الصحية و التعليمية و الاقتصادية و هذا لن يتأتى له إلا بجلب ما بقي لنا من عقول و خبرات و أيدي عاملة مؤهلة و لهذا يجب وضع استراتيجية استباقية بل و العمل على استرجاع عقولنا التي لديه عبر بناء وطن مفعم بالحيوية و الحرية و العدالة و الأصالة و الجمال.

  • مواطن

    أشاطر الاستاذ راشدين في توصيفه لحالة الاقتصاد العالمي حاليا و إن كنت لا أعتقد أن الجائحة ستار بل هي نازلة لتعيد البشر الى رشدهم. و لا أرى من الحكمة المسارعة في استقراء المستقبل و استخلاص العبر بل يجب المراقبة و الدراسة لبعض الوقت. بالنسبة للاقتصادنا كلامك ينطبق عليه قبل أن يفترسه بارونات الحاويات و رجال أعمال ملء العبوات و نفخ العجلات. اقتصادنا معولم من جهة استيراد-استيراد. و الحل بأن نبدأ ببعث الصناعات الحقيقية و تطوير قطاع الحبوب و اللحوم. و الاهم العمل على اعادة توزيع السكان من الساحل نحو الداخل و الجنوب و وقف السياسة المدمرة لنقل العشوائيات الى الباطيمات بدل نقل الخدمات الى الأرياف.

  • ALMANZOR

    ... ثالثا، يقول المثل العامّي عندنا "اللي ما لحقش للعنقود يقول حامض" فنحن عندما عجزنا أن نلحق بركب التكنولوجيا و العلم و التسيير الجيد لمؤسساتنا مثلما فعلت الدول الغربية التي ازدهرت بعد الحربين، اضحينا نتمنى انهيار الاقتصاد العالمي بالجملة، و ما هذا إلا لخلل في عقولنا المريضة التي عوض أن تقترح حلا، فهي تتمنى الخراب.

  • ALMANZOR

    يا سيدي أراك تستعجل انهيار النظام الاقتصادي الحالي و نهاية العولمة، و تتحمس لها و كأنك ترى فيها خلاص العالم و أنا أخالفك الرأي : أولا لأن العولمة و الديمقراطية هي من وهبت للشعوب حقها في تقرير مصائرها و لولا ذاك لكانت الدول العربية المنهارة و المتخلفة الآن لا زالت تحت وطئة الاستعمار. ثانيا، لولا العولمة و التنافس الحر لما تمكنت الآن من نشر مقالاتك على الانترنت و لما تمكنت أنا من التعليق بكل حرية و ديمقراطية فالتقدم التكنولوجي هو نتيجة الليبراية "المتوحشة" كما سمَّيتها...

  • ابو نوفل

    السلام عليكم الأخ حبيب، للعلم كل دول العالم في حالة رد الفعل الناتجة عن غريزة حب البقاء، والدورة المالية العالمية اوكلها الله تعالى إلى فيروس غير مرئي ليزلزلها، لعل الفاهم يفهم، والنائم يستيقظ، والعاصي يتوب ويرجع أما حال العالم بعد كورنا فهو لقوله تعالى لله الأمر من قبل ومن بعد، وعلى كل فردأن يغير ما بنفسه حتى يغير ماحوله، هذا هو التحدي الذي يجب أن يشغلنا ونسير على نهجه. وشكرا

  • Omar alkiyam

    الجزائر ستصمد إذا كان لها حكم مدني منتخب من طرف الشعب
    يعرف كيف يتصرف بحكمة

  • فداء الجزاءىر

    شكرا حبيب راشدين على التحليل القيم ، من المنظور القريب كان الاقتصاد العالمي يتداعى و يتجه الى حافة الانهيار بسبب الراسمالية والامبريالية و شركات العولمة التي تاخذ كل شيء غصبا من ايدي الفقراء و تضعه في ايدي الاغنياء ، ان الفجوة الاقتصادية التي صنعها المرابون في الاقتصاد العالمي يصعب اصلاحها ، وجاءت الجاءىحة لتقسم ظهر هذا الاقتصاد المتداعي و تغلق فيه المصانع و يلتزم فيه كل واحد ببيته ، ان الضرر البالغ تتحمله الدول المتقدمة باعتبارها بلدانا تكاد تحتكر مؤسسات الانتاج المتوقفة الى اشعار اخر ، ان شعوب العالم النامي ستكون اقل ضررا وربما يبعث فيها الوباء طاقة ايجابية و يشجعها على الاعتمادعلى النفس .