-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الصورة الأخيرة!

قادة بن عمار
  • 4143
  • 10
الصورة الأخيرة!

أحيانا لا يترك لك الموت متسّعا من الوقت لتلتقط أنفاسك، بل لا يترك لك وقتا من أجل توديع من تحبهم.. هؤلاء الذين قد تراهم قريبا، لأنك خلّفت وراءك آلة همجية تحصد المزيد من الشهداء،..

هناك في غزة.. يراقب الموت الناس ليلا ونهارا.. في الشوارع والأزقة والبيوت وتحت السلالم، كتلك الجثث المكدّسة التي شاهدناها في حيّ الشجاعية..

خالد حمد.. أول صحفي تسحقه آلة الصهيونية الهمجية في العدوان على غزة.. إنك الأول وبلا شك لن تكون الأخير.. تستحق لقب “الأول”.. ربما لا يستحقه أحد آخر غيرك، أنت الذي خلّفت وراءك مجدا يتفوق على كل ما يمكن للصحفيين أن يصنعوه في حياتهم مهما طالت..أن يحلموا به في مسيرتهم مهما علت..أن يبحثوا عنه في خبرتهم مهما تنوّعت..

من عاش تفاصيل المشهد الأخير لخالد، يروي أنه لم يترك عمله حتى اللحظة الأخيرة.. كان يركض بين دمار الشجاعية.. محاولا ضبط الموت متلبسا.. راودته تلك الفكرة المجنونة التي تغمرنا جميعا كصحفيين في كثير من الأحيان.. أن نقبض على الخبر قبل وقوعه..

ركض خالد حمد بين الدمار.. التقط صورة هنا وهناك..لكن ولأن اللحظة مشحونة بمزيد من الصمود، ولأن غزة لا تقبل المتخاذلين.. لا تحبّهم.. نزع خالد قبعته الصحفية مضيفا لنفسه لقبا آخر.. شرفا آخر.. قرّر أن يحمل الجرحى على كتفيه.. هاربا بهم من قصف جديد.. فارا بهم نحو حياة أخرى.. ركب سيارة الإسعاف التي كان صوتها “جافا”.. منهارا.. بلا أضواء وبلا رائحة.. عدا رائحة الموت طبعا.. نقل الجريح تلو الآخر.. وضعهم في سيارة، دون أن يعلم أنها ستكون رحلته الأخيرة.. بطولته الأخيرة.. قبل أن يرحل..

طال القصف سيارة الإسعاف.. مثلما طال كل شيء.. هنا لا يفرّق العدو الصهيوني بين صحفي أو طبيب، ولا بين شيخ أو امرأة، ولا بين طفل بريء.. أو رضيع.. هنا يحب العدو دوما أن يستكمل جميع أركان جريمته.. هنا يحبّ الموت أن يُتمم وظيفته !!

في المساء.. في نشرات الأخبار.. شاهدنا خالد حمد..لم يكن خلف الكاميرات هذه المرة، لكنه تصدر الشاشات.. هكذا هم الأبطال، يجتهدون طول حياتهم بحثا عن “السرية” لكنهم يقفزون للواجهة بغتة.. ودون ترتيب.. مثلما يأتي الموت مباغتا، دون مقدّمات..

في ساعات المساء.. شاهدنا خالد.. وشاهدنا وائل الدحدوح.. باكيا على شاشة الجزيرة.. كتب البعض معلقا: ما بال وائل يذرف دموعه؟ أين ذهبت مهنيته.. أين صموده؟ كيف يبكي ولم يفعلها خالد من قبله..!

كثيرا ما كنا نشاهد هؤلاء الذين يوثقون الموت في جميع حلقاته.. في كل مجازره.. فنسأل: أين اختفت إنسانيتهم؟ هل باتت المهنة قاسية إلى هذا الحد؟ هل بات القتل أمرا عاديا.. وأضحى رحيل من نحبهم وكأنه فراق إلى حين.. فلا نقاوم الفكرة.. ونستسلم للقدر..

وائل الدحدوح ذرف دموعه على المباشر لأنه رفض أن يتخطى إنسانيته باسم المهنية.. رفض اغتيال “مواطنته” نزولا عند طلب.. الاحترافية..

في قنوات عربية أخرى، يخشون كلمات “شهيد”.. عدوان.. إجرام.. ويستبدلونها بكلمات باردة: “قتلى.. حرب.. مواجهات”.. ربما لأن الكلمات الأولى تثير حساسية المهنيين.. أو ربما لأن الكلمات الثانية تحفظ كرامة “المُعلنين”!!

نعم للحروب “رُعاتها” مثل بقية البرامج على التلفزيون.. وعلى هذا المُعلن أن يحدد شروطه وطلباته.. وعلى الواقفين خلف الشاشات وفي قاعات التحرير تنفيذ تلك المطالب دون نقاش!!

فقط.. “خالد حمد” خرج عن القاعدة.. تحرّر من الخوف.. واجه الموت بصدر مفتوح.. ورحل عن دنيانا تاركا وراءه.. آلة مدمّرة.. مقاومة نظيفة.. مشاريع شهادة جديدة.. وصورة!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
10
  • karim

    depuis 1945 et l israel est la a faire ce quelle veut du palestine; et tous les autres ^pays arabes regarde sans rien faire, ne faut surtout pas s attendre a ce que un pays arabe fait quelque chose de positif

  • Tarek

    بارك الله فيك يا أستاذ ...واقع أمر من الحنظل هذا الذي نعيشه اليوم و هوان ما بعده هوان...وكما قال درويش ..عرب و باعوا روحهم ..عرب و ضاعوا...و الى الله المشتكى.

  • amor sebti

    بارك الله فيك يا سي عمار والله لقد ابكيتني كلامك فعلا يخرج من القلب

  • sami

    اخي قادة انني احترم فيك كل شيئ اتمنى لك الثبات على الحق

  • إيمان ( Imano Dz )

    مقال مؤثر ... بارك الله فيكم أستاذ قادة ... أصبحنا عاجزين عن التعبير و الله

  • khalifa

    السلام عليكم قرات هذا المقال فاعجبني بارك الله يك

  • khalifa

    بعدما قرأت هذا المقال أغجني بارك الله فيك

  • بدون اسم

    10 مثلك و تحررون كل فلسطين

  • مراد

    إن عمل الإعلامي المخلص هو هذا بعينه، فهو بمثابة حرب نفسية على العدو، و كيف لا و أنت تنشر الخبر على المباشر بكل مصداقية و هو يتكتم، و يُكذِب الصورة أحيانا كما هو حادث مع الجندي المختطف.
    الصحفي اليوم أصبح ضابطا سامي مع جيش المقاومة،بارك الله في كل عمل إعلامي مخلص.

  • الشهيد

    انني اتالم كل يوم وانا ارى ما يحدث في غزة من قتل ودمار اصبحت دماء المسلمين مستباحة رخيسة تصلح لان تكون مسلسل رمضاني بامتياز و يلاقي اقبال جماهيري كبير فدول العربية تتفرج و كذلك الاروبية والامريكية و المسلمين و غيرهم يتفرجون يوميا حلقة تتضمن اشلاء الضحايا من الاطفال و النساءو الشهداء ارجوك يا سيدي الرئيس ان تقيم لشباب الجزائر جسر جوي كما فعلت ذلك في السودان ولكن هذه المرة الى غزة الحبيبة نريد الشهادة و ليس العار هذا هو طلبي الوحيد لتبقى سيدي تتفرج انت وغيرك من الجبناء و نحن ندك حصون بني صهيون