الشر يأكل بعضه
الضربات الأمريكية على مواقع ما يعرف بـ”ميليشيات حزب الله في العراق” الذراع الأقوى فيما يسمى بـ”الحشد الشعبي” الفصيل المنضوي تحت لواء “الحرس الثوري” الإيراني، لا تعفي إدارات البيت الأبيض المتعاقبة منذ رئاسة جورج بوش الابن، وصولا إلى الرئيس دونالد ترامب من مسؤولية منح تلك الفصائل المسلحة الدخيلة والخارجة عن القانون، بمستلزمات القوة وشرعية الوجود.
لا تبعد معسكرات الميليشيات الموالية إلى إيران سوى بضع كيلومترات عن القواعد الأمريكية المنتشرة في العراق، حتى تكاد تكون ملاصقة لها في مواقع عدة، وكانت أداة المواجهة لقوات الغزو الأمريكي، في عملياتها العسكرية، على الأرض.
ومازالت الاتفاقيات الأمريكية المبرمة مع السلطات الحاكمة في بغداد، تضمن “شرعية” وجود تلك الميليشيات المسلحة، وتمنحها حرية التحرك في حماية النفوذ الإيراني بالعراق.
ما شهدنا من قبل احتكاكا أمريكيا مع الميليشيات الطائفية، منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وتعاملت إدارة البيت الأبيض بتنسيق معلن مع ميليشيات “الحشد الشعبي” المشكلة بفتوى المرجع المذهبي على السيستاني المقرب إلى دائرة البنتاغون التي قادت تحالفا دوليا لمحاربة “داعش”.
تدرك الولايات المتحدة الأمريكية أن أعضاء المنظومة الحاكمة في بغداد التي تتعامل معها دبلوماسيا في إطار علاقات ثنائية “غير متكافئة” هم ممثلون للميليشيات المسلحة الموالية إلى إيران، ارتدوا لباسا مدنيا زائفا للظهور في شكل قوى سياسية ضمنت لنفسها التكتلات الأكبر في تشكيل برلماني كان نتيجة لانتخابات كشف الشعب العراقي زيفها.
قصور في العقل الأمريكي، أدى إلى التمرغ بوحل من الأخطاء التي يتحاشى ارتكابها جاهل في إدارة شأن سياسي أمني، تدفع ثمنه إدارة البيت الأبيض في العراق الآن، لا تقوى على الخروج منه بأقل الأضرار.
أمريكا فقدت هيبتها، وبدت قوة بلا محتوى، وهي تتلقى صاغرة ضربات من ميليشيات بعثت الروح فيها، وتغاضت عن جرائمها على امتداد ستة عشر عاما، بحق الشعب العراقي المنتفض ضد الوجود الأمريكي – الإيراني المزدوج.
لا شيء أمام الإدارة الأمريكية الآن سوى العودة لمراجعة قدراتها العقلية في إدارة الملف العراقي، فيبدو مشهدها مضحكا وهي تلوم حكومة عادل عبد المهدي الذي عجز عن حماية مصالحها في العراق “على حد قول وزارة خارجيتها” أمام هجمات استفزازية، وهو العاجز أصلا عن حماية نفسه من تغول ميليشيات منحرفة تحكم العراق الآن بسلاح ومعدات أمريكية متطورة.
مواجهة أمريكية – إيرانية، قلبت تحالفهما الذي أرسى دعائمه جورج بوش، إلى صراع أذلهما معا، قوة عظمى تشاغلها ميليشيات متضائلة، تدفعها “ولاية الفقيه” الخائفة من مواجهة مباشرة لا تقوى على خوضها وجها لوجه.
إيران تخلت علنا عن فعل وكلائها في استهداف الوجود الأمريكي، خشية أن تمتد إليها الضربات الني تلقتها ميليشياتها في العراق، وتبرأت منهم، معتبرة الأمر يعني السلطات الحاكمة في بغداد.
لعنة العراق تبقى تلاحق أمريكا وإيران معا، فهمجيتهما التي لا تعرف مبادئ الحضارة الإنسانية، مكنت الشعب العراقي المنتفض، من استدراجهما إلى حلبة الموت الأكيد، يقتل أحدهما الآخر، وكأنهما نسيا تحالفهما غير المتجانس، في عراق يستعيد وجوده الحضاري، وهو يرى قوى الشر تأكل بعضها.