الدّولة سحبت ملف الأمازيغية من المتاجرين به

يتوقف الأمين العام للمحافظة السامية للأمازيغية في هذا الحوار عند تحضيرات إطلاق الطبعة الثالثة من جائزة رئيس الجمهورية للغة والآداب الأمازيغية وكذا اختيار غرداية للاحتفالات الرسمية بعيد يناير، إضافة إلى آخر تطوّرات ملف تدريس الأمازيغية وما رافقه من نقاشات حيث يؤكد الهاشمي عصاد إن ثمة ما لا يقل عن 33 ألف تلميذ اجتاز امتحان اللغة الأمازيغية في شهادة البكالوريا لهده السنة.

بمناسبة ستينية الاستقلال طبعت وزارة المجاهدين الكثير من الكتب حول الذاكرة الوطنية بمختلف اللغات أين موقع الأمازيغية من هذا البرنامج؟
المحافظة السامية للأمازيغية تعمل دائما على تنويع إصداراتها باللغة الأمازيغية في مختلف المجالات والتخصصات العملية والإبداعية وكذلك الدراسات التاريخية بما فيها الذاكرة الوطنية، حيث طبعت الكثير من المؤلفات في هذا المجال، وقد راسلت وزارة المجاهدين التي تملك برنامج نشر ثري بمناسبة ستينية الاستقلال بغية المساهمة في طباعة مجموعة من الكتب المتضمنة لشهادات مجاهدين أثناء الثورة التحريرية ومن مختلف مناطق الوطن، فالوزارة والمحافظة السامية للأمازيغية جمعتهما عديد من النشاطات المشتركة التي كانت من شأنها الحفاظ على ذاكرة الجزائريين.

تداولت مواقع التواصل الاجتماعي خبر عن وجود مترشح وحيد الأمازيغية في البكالوريا في ولاية تيزي وزو ما حقيقة هذه المعلومات وعلاقتها بجدوى خطاب المحافظة السامية للأمازيغية حول تعميم الأمازيغية؟
شكرا على السؤال حول المعلومة التي تم تداولها في عديد المواقع الإخبارية الوطنية، ومواقع التواصل الاجتماعي، خلال أيام اجتياز امتحان البكالوريا لسنة 2022، والتي رغم عدم صحتها إلا أنها تم تداولها بشكل لافت من قبل عديد الصحفيين على أنها خبر صحيح وهو في الحقيقة معلومة قديمة ومغلوطة، وحتى نوضح الحقيقة الكاملة، علينا التأكيد بأن مادة اللغة الأمازيغية أولا، مكرسة في عملية التقييم للحصول على شهادة التعليم المتوسط، وشهادة البكالوريا، وهذا في حد ذاته نتيجة ملموسة تبرز ثمرة المجهودات التي تقوم بها الدولة من أجل ترقية وتطوير اللغة الأمازيغية.
ومن خلال هذا المقابلة الصحفية، أفند بشكل قطعي تلك الإشاعات التي تتداول بقصد أو غير قصد، مفادها أن هناك تراجع وعزوف لافت نحو تعلم الأمازيغية في مختلف الأطوار، لأنها تحتوي على مغالطة كبيرة ندرجها في خانة التشويش على مكاسب الدولة وخاصة وأنها تأتي في هذا الظرف الذي يملي علينا كجزائريين تعزيز الجبهة الداخلية، كما أِؤكد من خلال إحصائيات رسمية بأن بولاية تيزي وز يوجد مركزان مخصصان لتصحيح أرواق امتحان مادة اللغة الأمازيغية للمترشحين لنيل شهادة البكالوريا، فالمركز الأول “20 أوت” يُحصي 8416 مترشح، أما المركز الثاني “فاطمة نسومر” فبلغ عدد المترشحين 8393 مترشح.
في حين نجد أن مركز البويرة شهد إقبالا بتعداد 10697، ومركز بجاية بلغ عدد المترشحين 2848 يليه مركز سطيف بـ2372 مترشح وأخيرا مركز نقاوس بولاية باتنة بـ1227 لنصل إلى مجموع وطني للمترشحين لاجتياز مادة اللغة الأمازيغية 33953 مترشح لنيل شهادة البكالوريا اجتازوا امتحان مادة الأمازيغية هذه السنة.
كما يمكن القول بأن وضعية تدريس الأمازيغية في منظومة التربية الوطنية، شهدت مسارا تطوّريا من الناحية الكمية لهذا نعتبر النتيجة إيجابية، إذ نلاحظ أن هناك عملية تصاعدية كبيرة فمن حضورها في 22 ولاية خلال السنة الدراسية 2015/2016، ارتفعت إلى 32 ولاية في بداية العام الدراسي 2016/2017، لتبلغ أكثر من 40 ولاية بعد سنة 2019، ونأمل في مواصلة التعميم التدريجي لتغطية جغرافية أوسع تشمل 58 ولاية مستقبلا.
كما تجدر الإشارة أن تعداد أساتذة اللغة الأمازيغية في تزايد ملحوظ منذ سنة 1995- 1996 حيث كان هناك 223 أستاذ فقط، أما خلال السنوات الأخيرة 2019-2021 وصلنا إلى 3250 أستاذ موزعين على الأطوار الثلاث، ونأمل في أن تتم عملية توظيف لمختلف المتخرجين من أقسام اللغة والثقافة الأمازيغية، على غرار المعاهد الجديدة التي تشهد تخرج أول دفعاتها مثل قسم اللغة والثقافة الأمازيغية بتامنغست، كما أننا بصدد فتح قسم اللغة والثقافة الأمازيغية خلال السنة الجامعية المقبلة في جامعة الشلف.

أصدرت المحافظة السامية للأمازيغية بيانا صحفيا تؤكد فيه إحالة تنظيم الملتقى الدولي حول اكتشافات عين لحنش إلى وزارتي الثقافة والتعليم العالي والبحث العلمي، ماهي أسباب هذه الإحالة خاصة وأن المحافظة قطعت أشواطا في تحضير الملتقى؟
فعلا فقد نشرت المحافظة السامية للأمازيغية، بيانا صحفيا، وفيه أبلغنا الرأي العام وخاصة شركائنا عن عدولنا عن تنظيم الملتقى الدولي الموسوم “الاكتشافات الأثرية بعين بوشريط -عين الحنش وبدايات الثقافة الإنسانية في إفريقيا: أفاق إفريقية” المقرر شهر نوفمبر 2022 بمدينة سطيف وبالتالي فسح المجال لجهات مختصة في مجال الحفريات الأثرية والمنطوية تحت وصاية وزارتي الثقافة الفنون، والتعليم العالي والبحث العلمي،التكفل بفكرة تجسيده وخاصة أن لهما كامل الإمكانيات والخبرة.
فالمحافظة السامية للأمازيغية لها الفضل في الترويج لأهمية تنظيم مثل هذه التظاهرة وهي بذلك مكنت من تحقيق التجنيد المؤسساتي وإعطاء هذا الاكتشاف كل الأهمية العلمية والتاريخية والإعلامية التي يستحقها فإن هذه المبادرة جاءت بهدف إبراز صورة الجزائر كمنبع للحضارة الإنسانية.
كما ساهمنا بقسط كبير في إخطار السلطات المحلية لولاية سطيف بضرورة حماية الموقع الأثري وصونه في ظل وجود اعتداءات وإهمال مؤسف طال الموقع.

عاد النقاش مؤخرا حول تسييس ملف الأمازيغية، كيف تعلقون على هذا الطرح ؟!
يجب التأكيد على أن الدولة عملت على سحب البساط من تحت أقادم كل من يرغب في تسيس ملف اللغة الامازيغية، وعملت على ترقيتها لغة وثقافة بمختلف متغيراتها اللسانية المتواجدة على المستوى الوطني، ولعل إدراج الأمازيغية ديباجة دستور نوفمبر 2020، وفي أحكام المادة الرابعة منه باعتبارها مكون من المكونات الهوياتية الأساسية للأمة الجزائرية، على غرار الإسلام والعربية، جعل الأمازيغية محصنة نهائيا في الوثيقة الأولى في البلاد.
وبالتالي نحن نعمل ضمن هذا التوجه المؤسساتي بشكل هادئ وبخطوات ثابتة من أجل تكريس أحكام الدستور، لان الأمازيغية في قنعاتنا هي عنصر تماسك اجتماعي، وإرث مشترك يتقاسمه كل الجزائريين، في ظل الجزائر الواحدة الموحدة.

ترى بعض الأصوات أن إشكالية تعميم الأمازيغية تبقى مرتبطة بالحرف وأن المحافظة منحازة للحرف اللاتيني.. ما هو تعليقكم؟

لابد أن نُدرك أن الأمازيغية حاليا هي في وضعية الانتقال من الشفهي إلى الكتابي لمواجهة خطر اندثار بعض من متغيراتنا اللسانية مثلما نلاحظه في الميدان.. فصحيح أن الحرف اللاتيني يطغي على مختلف الإصدارات الأمازيغية في سوق النشر إلا أن هذا لا يمنع أحد أن يبادر في التأليف والتدوين بنمط كتابي آخر، ثم إن المبرر العلمي الذي نتعامل به مبنى على ركائز توصل إليها أهل التخصص، على غرار عالم الليسانيات فردينوند دو سوسور الذي يقر بأن المنظومة الفونولوجية للغة هي الأم وما الحرف إلا وسيلة للتدوين، فالأمازيغية المعيارية تستند إلى قواعد نحوية مضبوطة تتعامل بها في تسجيل الصوتيات وإبراز خصوصياتها الفونولوجية.
فحسب وجهة نظرنا، فإن عملية تنميط حرف الأمازيغية بثلاث أبجديات سيستمر لفترة محددة حيث تتنافس فيها هذه الأنماط بطريقة موضوعية يُفسح فيه المجال للإبداع والإنتاج، إلى أن يتم الفصل مستقبلا بشكل نهائي في الحرف المعتمد. فنحن نرى أن ترقية اللغة الأمازيغية لابد أن يتم في إطار هادئ بعيدا عن أي تسرع أو ارتجال مع السعي الحتمي لتهيئة الظروف الموضوعية لتفعيل المجمّع أو تأسيس هيئة متخصصة تتكفل بتهيئة اللغة بما فيه تنميط الكتابة، كما ينبغي الإشارة هنا أيضا إلى عامل مهم وهو التقدم التكنولوجي الذي يعتبر بمثابة مفتاح آخر سيمنح من دون شك عدة حلول آنية للتنقل السلس بين أنماط الأبجديات الثلاث.
وعليه، لا يحق لنا أن نوجه أصابع الاتهام للذين بادروا بتدوين الأمازيغية بالحرف اللاتيني بأنهم يتسترون وراء قناع إيديولوجي يخدم أجندة مشبوهة، فمولود معمري على سبيل المثال تبنى هذا النمط لاعتبارات علمية محضة فهل يعقل أن تتعرض مجهوداته في هذا المجال إلى التشكيك والاتهامات الجزافية على الرغم من درجته العلمية ومساره النضالي في حرب التحرير من أجل إستقلال الجزائر؟. فالأمازيغية المعيارية تحكمها قواعد مضبوطة والمجال مفتوح للتنافس في عملية الإنتاج الإبداعي والعلمي، لأن اللغة الأمازيغية ما تزال في طور التهيئة والتوليف الاجتماعي وعلى كل أبناء الجزائر أن لا يفرطوا فيها ويساهموا بمعية الإعلام والمدرسة والإنتاج الأدبي والفني في ترقيتها وعملية تعميمها بغض النظر عن نمط تدوينها.

اختارت المحافظة غرداية للاحتفال برأس السنة الأمازيغية وإطلاق الطبعة الثالثة لجائزة الرئيس للأدب واللغة الامازيغية، ما هي دواعي هذا الاختيار خاصة وإن غرداية سبق لها وأن احتضنت رسميا احتفالات يناير فيما سبق؟
إن اختيار المحافظة السامية للأمازيغية، لولاية غرداية من أجل تنظيم الاحتفال الرسمي ليناير 2023 فضلا عن إطلاق نداء المشاركة لجائزة رئيس الجمهورية للأدب واللغة الأمازيغية من ذات الولاية، جاء في سياق مبادرة رئيس الجمهورية للمّ الشمل بغية تعزيز الجبهة الداخلية وتقوية اللحمة الوطنية.
كما أن احتضان ذات الولاية هذه المرة لذات الاحتفالية جاءت أيضا في إطار معطى جديد هو تكريس الأمازيغية نهائيا في الدستور، وفي ظل وجود جائزة رئيس الجمهورية للأدب واللغة الأمازيغية التي تسلم جوائزها يوم 12 يناير من كل سنة.