-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحوار.. مفتاح لأبواب السلام

الحوار.. مفتاح لأبواب السلام
ح.م

رغبتنا في الالتقاء مع الآخر، والاحتكاك معه، من أجل أن يؤثر الواحد فينا في الآخر، بما يحمله من فكر حضاري إنساني، دعتنا إلى اعتماد مبدأ الحوار، بعيدا عن الصراع والخصومات، في حياة تزهو بروح الصفح والانفتاح.

نصل عبر الحوار، في عالم متنوع بأفكاره وميوله واتجاهاته، إلى إيجاد مضامين مشتركة، في بناء العلاقات والقيم والتعايش السلمي، والتقارب بين وجهات النظر المختلفة.

قواعد الحوار الأساسية، لياقة واحترام قيم الرغبة في الوصول إلى الصواب أو تفاهم مشترك، يحظى برضا الطرفين، انطلاقا من الاعتماد على أسس مشتركة للحوار، يتنازل فيها الإنسان عن تعصبه لمعتقداته وآرائه.

يُبدي الإنسان السوي مرونة في الحوار وعدم التشنج، مقابلا الفكرة بفكرة، آخذا بقبول مبدأ الاختلاف والابتعاد عن السب والكلام البذيء:

حسن الكلام: التعبير بلغة بسيطة غير ملتبسة ولا غامضة

الموضوعية في الحوار: قبول الرأي الآخر والاعتراف للخصم.

التعصب للآراء والأفكار والمعتقدات والأشخاص، والتسرع في إصدار الأحكام، مع عدم وضوح الرؤية والتفكير السطحي البعيد عن واقع المشكلة وجوهرها، يهدم جسور الحوار الذي يرسي قاعدة السلام.
واهمٌ من يعتقد أن الإنسان المنتمي إلى بيئته، بإمكانه القضاء على الأفكار المختلفة عن رؤاه، في أي مجال من مجالات الحياة: السياسة، الآداب، الدين، العلوم، التربية…

فالإنسان مدنيٌّ بطبعه، له خياراته واتجاهاته وأفكاره ورغباته، التي يتواصل بها مع الآخر عبر الحوار، ويتصف بروح التسامح في قبول رأي الآخر، وإن كان لا يتفق معه.

لا يعني الحوار الإنساني بين طرفين، معركة في حلبة صراع عنيف، تنتهي بخاسر أو رابح، فهو تقارب في وجهات النظر، وإيجاد نقاط اللقاء والتفاهم، التي تخدم المجتمع، بعيدا عن كل أشكال العنف اللفظي أو الجسدي.

مظاهر غياب الحوار الحضاري تتجلى في تفشي ظاهرة العنف، وانعدام الاستقرار الاجتماعي، وتنامي الصراع بين أبناء المجتمع الواحد، فعزلة الفرد أو المجموعة التي لا تتفق مع الآخر، تؤدي إلى غياب الأمن والسلم.

الإنسان اجتماعي بطبعه، يتطبع على قبول الاختلاف في الرأي والأفكار، سواء كان فردا، أو نظاما اجتماعيا حاكما.

ولابد لنا من الاستشهاد بفكر العلامة ابن خلدون في مقدمته، حيث يقول:

“إن الإنسان اجتماعي بطبعه. وهذا يعني أن الإنسان فُطر على العيش مع الجماعة، والتعامل مع الآخرين، فهو لا يقدر على العيش وحيدا بمعزل عنهم، مهما توفرت له سبل الراحة والرفاهية”.

 وهذا ما يحتم على الإنسان أن يتفادى الأحكام المسبقة وسوء الفهم الناتج عن عدم الوعي بمواقف الآخرين، وغياب الرؤية الحقيقة لديه، وان يقترب من بعضه البعض من خلال حب الإطلاع والمشاركة الوجدانية ونقل المعرفة.

لا يمكن أن تتحقق التنمية والازدهار في أي مجتمع من مجتمعات العالم، دون أن يكون هناك استقرارٌ سياسي واجتماعي وأمني.

ولا يتحقق هذا الاستقرار المنشود في حياة مدنية آمنة، دون أن تترسخ ثقافة الحوار وروح التسامح والتنوع الفكري في نفوس وعقول أبناء المجتمع.

والتحصُّن من هول أي كارثة قد تحل بأي مجتمع، يبدأ بإرساء قواعد أخلاقية جديدة في مجتمعاتنا، تقوم على الاحترام المتبادل بين جميع الإطراف والجماعات، وحل الخلافات عبر آليات الحوار والتفاهم، وإعلاء قيم الصفح والانفتاح.

لا يعمد أحدنا على غلق أبواب الحوار الحضاري، مع من يختلف معه في أي مسألة كانت، فتتعمق فجوة الخلاف، التي نسقط في هاويتها.

 نتحاور مع كل من حولنا، نتحاور، وحتى مع المخالف لنا، نتحاور: أفراد، منظمات، أنظمة وأديان.

الحوار أهم الخيارات المتاحة في إيجاد حل لأي مُشكلة، مهما بلغت عُقدها، لا يكلفنا أي ثمن مادي، ونبلغ من خلاله، روح التوافق والوفاق، من دون خسائر تدفع كثمن باهظ للخلافات بين البشر، طالما كانت قيمته الحضارية في التشاور، والتفاعل الاجتماعي والثقافي، الإيجابي والموضوعي والفعال، والقدرة على التواصل مع جميع الآراء الثقافية والدينية والسياسية، وتبادل الأفكار من خلال حوار إنساني متحضر، نتمكن من خلاله مواكبة ما يحيط بنا من متغيرات، فالاستقرار المجتمعي هو نتيجة حتمية للتعايش السلمي.

الحوار لا يمكن أن يقوم بقرارات أو أوامر من فوق، ولا يمكن فرضه بالقوة، فهو كالحب والصداقة لا يولد بالضغط ولا بالترهيب، إنما يولد بالتسامح والانفتاح، على الآخر المختلف عنا واحترام وجهة نظره، وتفهمه وعدم رفضه.

وجاء الحوار في القرآن الكريم كقيمة أخلاقية، تنظم العلاقات بين البشر من أجل حياة يسودها الأمن والاستقرار.

 وقد حث القرآن الكريم في آيات كثيرة على الحوار الهادف البنّاء مع غير المسلمين، خاصة أهل الكتاب، لبيان الحق وإزالة الإبهام والغموض حول القضايا المختلفة فيها.

قال الله تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ”، فهذه الآية الكريمة ونظائرها تشكل الأرضية الصلبة التي يمكن تأسيس الحوار عليها للوصول إلى الحق.

والإسلام مثلما دعا إلى الحوار فقد أقرّ الاختلاف كحقيقة إنسانية طبيعية، ويتعامل معها على هذا الأساس: “يا أيها الناس إنا خلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم” سورة الحجرات، الآية 13.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • رحموني حسان

    السؤال المطروح لماذا حالنا كالذي وصفته؟. الا ترى أن السبب يكمن في طرق التربية والتعليم وتلقين الدين فالأول رسخ فينا ثقافة الأنا والثاني رسخ فينا ثقافة القبلية (قبيلة) الضيقة مع أن الرسالة عالمية شمولية. فالحل يكمن في إجتثاث ثقافة الأنا القبلي أو المجتمعي وإعادة النضر في طرح الأفكار الدينية التي يجب أن تبنى على علوم الاتصال والحوار وعلم الاجتماع وكيفية إحتواء الآخر بدل معادته . والثقافة الغربية لتي أتت على الأخضر واليابس من عناصر ثقافتنا و التى أطلق عليها العولمة وهي من المفروض أن تكون عولمة إسلامية كما كانت في أول عهدها . والشعبوية المنتشرة في وسائل التواصل عمقت من ظاهرة الانحطاط والتخلف.....