-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الإنتفاضة الفلسطينيّة الثّالثة والخَيار العسكري العربيّ: حروبٌ حضاريّة بدون جيوش؟ !

رشيد بلقرع
  • 421
  • 0
الإنتفاضة الفلسطينيّة الثّالثة والخَيار العسكري العربيّ: حروبٌ حضاريّة بدون جيوش؟ !

لا يزال الرّباط سِمَةَ شُرفاء العرب والمسلمين من الأكاديميّين والباحثين في “ساحات” القلم جنبا إلى جنب مع المرابطين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، والرباط الأوّل هو نوع من التّنفيس على “القاعدين” مثلنا هنا بعيداً عن الأرض المقدّسة..فلسطين التاريخيّة..كلّ فلسطين، واليوم ومع الانتفاضة الفلسطينيّة الثالثة التي بدأت بفتوحات السابع من أكتوبر2023 واشتداد الهجمة الإسرائيليّة على فلسطين وغزّة بخاصة، وبإسناد الصّليبيّين الجُدُد New Crusaders من القوى الكبرى(الولايات المتحدة وبريطانيا) وأقطاب المنظومة الحضاريّة الغربيّة(فرنسا وألمانيا،..)؛ أين بدأت العمليّات البرّيّة الإسرائيليّة بعد منع الدواء والغذاء وقطع الكهرباء والماء وكافة الاتصالات عن قطاع غزّة، لا يمكن أن يغيب الرّباط الأوّل عن الانتصار لقضية العرب والمسلمين الأُولى والأَوْلى، ذلك أنّ أصل العمل فكرة، أَفَنُعدِمُ أقلامنا بعد أن باع البعض منّا أغمادنا واستحالت سيوفنا مِداداً على صفحات اتفاقيّات “السّلام” Peace Treaties من كامب ديفد 1979 إلى أوسلو 1993 إلى وادي عربة 1994 إلى اتفاق الغاز القَطري-الإسرائيلي 1996 إلى موريتانيا 1999 وُصولاً إلى ما أُصطُلح عليه بـِ:”الاتفاقيّات الإبراهيميّة” في كلّ من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان العام 2020.

       في الحالة الغزّاويّة/الفلسطينيّة، يبدو الإرهاب مصطلحاً مهذّباً جدّاً لتَوْصيف الهمجيّة الإسرائيليّة وعمليّات التقتيل الجماعي والقصف وإرعاب كامل لعوائل العرب والمسلمين، إنّ أقلّ وصف موضوعي وحقيقي لهذه الهمجيّة الإسرائيليّة المسنودة غربيّاً هو جريمة إبادة الجنس البشري Genocide؛ هذا فيما يخص الجانب القانوني والذي أقرّته الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة في الـ09/12/1948 تحت قرار رقم:260؛ أين عرّفها بأنها “أيّ من الأفعال التالية المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، وتشمل:

قتل أعضاء الجماعة -إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة-إخضاع الجماعة عمدا لظروف معيشية بغرض القضاء عليها كليا أو جزئيا-فرض تدابير بقصد منع المواليد في الجماعة-التحويل القسري للأطفال من جماعة إلى جماعة أخرى”، في حين أنّ المادّة الثالثة من الاتفاقية ركّزت على الحالات التي تعدّ فعلاً من أفعال جريمة الإبادة الجماعيّة وهي خمس حالات تُدينُ كلها المنظومة الغربيّة والصّليبيّة الجديدة بما فيها إسرائيل في إطار الحملة الصّليبيّة الحالية على فلسطين/غزّة أكتوبر2023، وهذه الحالات هي على التوالي:

  • الإبادة الجماعيّة، التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعيّة، التّحريض العلني والمباشر على ارتكاب الإبادة الجماعيّة، محاولة ارتكاب الإبادة الجماعيّة، الإشتراك في الإبادة الجماعيّة.

يتجاوز التحليل السّياسيّ المُستند إلى منظار حضاريّ الجوانب القانونيّة السالفة الذّكر والتي لا يخفى قُصورها عن تكييف وتوصيف الحالة الغزّاوية/الفلسطينيّة الحالية؛ أين يتقدّم المنظار الحضاري في شجاعة أدبيّة كاملة ومُنطلقاً من أنّ حقيقة الصراع الدّولي اليوم هو صراعٌ حضاريّ تحت غطاءات ومظلّات مختلفة(إقتصادية، ثقافية، عرقيّة،..) وأنّنا بهذا الاعتبار نشهد حقبة الحروب الحضارية Civilizational Wars منذ حرب الخليج الثانية(19901991) والتي اصطلح عليها الفريق سعد الدّين الشاذلي رحمه الله بالحرب الصّليبيّة الثامنة في حين وَسَمَها الأستاذ المهدي المنجرة بالحرب الحضاريّة الأولى، ثمّ سرق الأكاديمي الأميركي Samuel Huntington فكرة الحرب الحضارية ليعلنها في شكل مقال العام 1993 ثم كتاب تحت عنوان صدام الحضارات Clash of civilizations العام 1996، إلّا أنّ الرّصد التّاريخي الموضوعي والبحث الأكاديمي غير التقليدي يُشير إلى أنّ هناك منظاراً كُلّانيّاً يُمثّل مرحلة متقدّمة جدّاً من الصّراع الحضاري العالمي وهو أننا وفي حالة القضيّة الفلسطينيّة وما تتعرّض له غزّة من إبادة جماعيّة وتحريض أميركي بالخصوص على الإبادة الجماعيّة Genocide فإنّ التوصيف الواقعي والعقلاني يضعنا أمام حالة حرب حضاريّة-دينيّـــة Religious-Civilizational Wars ذلك أنها امتدادٌ عمليّ لفكرة المركزية الأوربيّة Eurocentrism والصدام بين “الهمجيّة” العربيّة الإسلاميّة  و”الحضارة” والتمدّن الغربي والتي يتمّ إعادة إنتاجها في كلّ “صدام” حضاري وخصوصاً فيما تعلّق بالقضيّة الفلسطينية، وليس “قضية الشرق الأوسط” وذلك قمّة الأدب السّياسي والأكاديميّ على الأقل بالنّسبة لباحث عربي مسلم يحترم ذاته الحضاريّة ويحمل إدراكاً صحيحاً لمعادلة الصّراع العالمي وتفاعلاته.

إنّ حرباً حضاريّة-دينيّــة كهذه الدائرة حالياً في ظلّ الانتفاضة الفلسطينيّة الثّالثة(الأولى 1987، الثانية 2000) ومع إصرار المنظومة الصّليبيّة الغربيّة التي ترهن قرار المنظّمة الأمميّة العالميّة وعزلة النُّظم السّياسيّة العربيّة المرتهنة للأجنبي/المستعمر السابق هي ما يدفعنا بحزم نحو إعادة إنتاج فكرة الخيار العسكري العربيّ للفريق سعد الدّين الشّاذلي رحمه الله في كتابه الصّادر بالجزائر العام 1984؛ أين يناقش القدرات التسليحية لكل من العرب وإسرائيل وكذلك كفاءة هذا الخيار الذي ربطه بالمناخ السّياسي وموقف الزعامات العربيّة وكذلك بمستوى وقدرات التسليح العربي، ويشير إلى فكر غير عاديّة من زاوية أنّ السلاح الأميركي الذي هو بأيدٍ عربيّة لا يمكن استخدامه ضدّ إسرائيل وذلك ” أنّ الولايات المتحدة تتخذ سلسلة من الإجراءات التي تضمن عدم استخدامه ضد إسرائيل ويبدأ هذا الإجراء بالنص على ذلك في شروط البيع، ثم بالسيطرة على السلاح عن طريق الاشراف الفني والصيانة والإمداد بقطع الغيار، ثم بتجريد السلاح من بعض أجزائه التكميلية الهامة التي تقلّل من كفاءته في الأداء”!!، وإذا ما أُضيف إلى هذا الإجراء معضلة ارتهان هذه النّظم العربيّة للأجنبي فكراً وآداءً وَأيضاً “لادينيّــــة Secularism” غالب نُخَبِها السّياسيّة و بعض نُخَبِها الثّقافيّة بما فيها الأكاديميّة، فإنّه من غير المعقول طرح الخيار العسكري العربي على الأقل في الوقت الحاضر للأسباب الموضوعيّة السّابقة.

إنّ مجرّد التفكير في عمل عسكري عربيّ نظاميّ هو ما يجعل فلسطين/غزّة تحت صورة من صور الإنتداب..العربي، وهو ما يشير إلى عدم واقعيّة وعدم عقلانيّة هذا الخيار في الوقت الحاضر، إنّنا ننطلق في رؤيتنا للقضية الفلسطينية من زاوية أنها حقٌّ عامّ تملكه الأمّة الإسلاميّة لا يجوز التّصرّف فيه وكذلك من خلال منظار حضاري في العلاقات الدّوليّة يتأسّس على أنّ الصراع هو صراع عَقَديّ ضمن منظومة حضارتنا العربيّة الإسلاميّة في مقابل عدوّ حضاريّ يستند إلى منظومة قيميّة “لا موضوعية” لاتزال تعتقد بفِكرَتَيْ “المركزيّة الغربيّة Eurocentrism وَ “عبء الرّجل الأبيض White Man’s burden” كرافدين رئيسيّين لتوجهات السّياسات الخارجيّة وأسلوب تعامل مع الآخر المختلف حضاريّاً، أين تمّت وبشكل مبكّر تفاهمات دينيّــة بين إسرائيل والولايات المتحدة رأساً في إطار ما عُرف بالصهيونية-المسيحيّة Christian Zionism كتحالف دينيّ حتميّ مشروط للعودة الثّانية للمسيح Second coming، إذاً والحال كذلك في حقل العلاقات الدّوليّة المعاصرة فإنّ الحرب الدّائرة الآن في فلسطين/غزّة هي حرب حضاريّة-دينيّــــة كاملة الأركان واضحة العنوان، وتأسيساً على هذه المتغيّرات فإنّ المراقب والرّاصد لتطوّرات وتداعيات الوضع المتفجّر في فلسطين/غزّة يمكن أن يطرح خَياراً عسكريّاً وعربيّاً لكنّه غير نظاميّ؛ أي أنّه لا يستند إلى جيوش نظاميّة عربيّة، وهو خيار عربي لأنه ينطلق من الجانب العمليّاتي والجاهزيّة القتاليّة من دول الطّوق العربي المحيطة بفلسطين المحتلّة(سوريّة، لبنان، الأردن، مصر)؛ أين يمكن لمجموعات مسلّحة من أفراد وشباب عرب من دول الطّوق اختراق الحدود العربيّة-الإسرائيليّة عن طريق التّسلّل والقيام بعمليّات نوعيّة مع المقاومة الفلسطينية وفي سياق مُتسانِد وعلى أكثر من جبهة(السّوريّة، اللبنانيّة، الأردنيّة، المصريّة) وذلك طالما أنّ الوضع في غزّة بالخصوص يُنذر بإبادة جماعيّة وتطهير عرقي ودينيّ وأنّ البيئة الدّوليّة بما فيها الرأي العامّ الدّولي ومختلف التشكيلات الحقوقية بما فيها غير العربيّة تشهد جبهات عديدة متعاطفة مع الجانب الفلسطيني الذي يتعرّض للتقتيل والتهجير وكافّة أشكال إبادة الجنس البشري.

نعلم يقيناً في العلوم السّياسيّة وحقل العلاقات الدّوليّة أنّ الدّول تَتَحايلُ على بعضها في التصريحات الرّسميّة وفي الخطاب السّياسي الموجّه للتسويق المجتمعي والدّولي، ولذلك فإنّ تبرير العمليّات العسكريّة العربيّة غير النّظاميّة السّالفة الذّكر “لِلمُتَسلّلين” من مواطني دول الطّوق العربي وغيرهم من دول عربيّة أخرى من المتطوّعين يكون في إطار أفراد خارجين عن القانون أو أنّ ممارساتهم مبرّرة من ناحية القانون الدّولي في ظلّ ما تقوم به الولايات المتحدة وحلفائها من خرق للقانون الدّولي واتفاقية 1948 من تحريض علني ومباشر على ارتكاب الإبادة الجماعيّة وكذلك جريمة الاشتراك فيها(قوات دلتا الأميركية في إسرائيل مثالاً لا حصراً) في غزّة خاصّة، ونحن في وطننا العربيّ نحوز على أرمادة من المحامين والحقوقيين وجهابذة القانون الدّولي إذا رغبوا في تنفيذ مهمّة حضاريّة بكلّ المقاييس، وبذلك فإنّ النّظم العربيّة ستغضّ الطّرف عن هذه الهجومات غير النّظاميّة والتي تكون قد اضطلعت بحرب بالوكالة أو حرب نيابيّة Proxy War في مكان الجيوش النظاميّة العربيّة المُكبّلة والمُقيّدة أميركيّاً، باقي التفاصيل نتركها للمختصّين.

الإنتفاضة الفلسطينيّة الثّالثة انطلقت في السّابع من أكتوبر2023، وإذا كان الخيار العسكري العربي النّظامي خارج الخدمة فإنّ واجباً شرعيّاً وحضاريّاً وأكاديميّاً لا يمنعنا من حتميّة التّفكير والمبادرة، وأنّ النوع الأوّل من الرّباط الذي يقع أعلى هذا المقال وإن كان يستخدم القلم والفكر فإنّه لا يقلّ أهميّة عن رباط فتيان الأقصى وطوفانهم المقدّس، على أن تبقى بعض الخيارات النّظاميّة الأخرى مرهونة بمستوى الوعي والوازع الدّيني لصنّاع القرار العرب كنت قد طرحتها في مقال سابق في العدوان على غزّة العام 2009:

 1 – سحب السفراء العرب الممثلين لدى الجانب الإسرائيلي.

2 – إيقاف مؤقت للعمل بالاتفاقيات التجارية مع الجانب الاسرائيلي.

3- ايقاف ضخ الغاز المصري والقطري الى الطرف الاسرائيلي.

4 – تبليغ القائمين بالأعمال والممثلين الدبلوماسيين الاسرائيليين لدى الدول العربيّة بإحتجاج رسمي ولم أقل طردهم.

5 – تخفيض أو التهديد بتخفيض انتاج الحصص البترولية لدول الأوبك أو للمنتجين الرئيسيين وبشكل مؤقت يزلزل شريان الاقتصادات الغربيّة.

6 – إغلاق المطارت العربية ليوم واحد أو يومين ولن نموت جوعا انما ردعا لسياسة التغول الأميركي على حد قول الأستاذ عبد الباري عطوان.

7 – توهين اقتصاد –القلعة المحاصرة- على حد قول الأستاذ نبيل علي وذلك بوقف توريد المنتجات الزراعية الرئيسية.

8 – تحديد تفاهم عربي-دولي حول آليات إعادة إحياء وليس إعمار غزة وتوصيل العون الغذائي والدوائي للعالقين هناك..كل ذلك تحت آليات الضغط المذكورة سابقا.

10 – لا عبرة في المسيرات المليونية..ماذا فعل الرأي العام الدولي للعراق؟..وماذا فعلت بعض الجماهير المأجورة حزبيا لبغداد وهي تضرب بالنار والحديد وينتهك رصيد حضارة يصل الى 6000 سنة من قبل اللصوص الدوليين.. المطلوب خطوات عملية حضارية تستعيد بعض الكرامة العربية المسلوبة وغير ذلك فهو يقع موضوعيا ضمن دائرة الضحك على أذقان الملايين التي تمسي على الحلم الجميل وتصبح على الواقع المهين.

       إذا لم ينتفض العقل العربي والمسلم على المستويين الرسمي وغيره مع الانتفاضة الفلسطينيّة الثّالثة التي تمنحه الآن فرصة تاريخيّة للتّحوّل الفكري والعملي من أجل قضية عادلة تمثّل أنموذجاً صارخاً وواضحاً لحرب حضاريّة-دينيّــــة فإنه سينتظر طويلاً إلى ما بعد غزّة التي ستُنشِئُ بيئة دوليّة ونظاماً مغايراً قد لا يطرح نفس فُرَص الانتفاضة الفلسطينيّة الثّالثة الحالية، وللّه الأمر من قبل ومن بعد.

 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!