-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أين الوفاء لفقه القانون يا خبراء القانون؟

أين الوفاء لفقه القانون يا خبراء القانون؟

عَرف الإنسان، في زمن الجاهلية العقلية، وتحديدا في عصر اليونان القدامى، عَرف شيوع ما يمكن وصفه بالسفسطة، أو المذهب السفسطائي، في تحديد علاقة الإنسان بأخيه الإنسان.

والمذهب السوفسطائي هذا، كما نادى به أصحابُه، يقوم على تقديس المصلحة الذاتية، وإنكار ما يعرف بالحق العامّ، أو المصلحة المشتركة، فالحق في مفهومهم المغالط، هو ما يحقق للإنسان مصلحته الخاصة، ولو بالدوس على المبادئ والأعراف والقيم.

لذلك ساد الجدل العقيم، واستبدّ بالإنسان الفكرُ السقيم، فتفشت الحروب والنزاعات، وبرزت إلى الوجود الطائفيات، القائمة على العصبية والعنصرية.

كان ذلك –إيذانا- بتصدي الحكماء والفلاسفة العقلاء، إلى محاولة القضاء على هذه الظاهرة النشاز، بإعلاء قيمة العقل لإحداث التوازن بين ملَكات الإنسان، والتمكين لقيم الفضيلة، والحق العام، وقانون الميزان، فظهر المذهب العقلي، الذي مكن لبناء المجتمع الفاضل ضمن الجمهورية، والمدينة الفاضلة.

ومنذ ذلك الوقت، ظهرت مدارس فكرية مختلفة حملت عناوين براقة، كالمثالية، والواقعية، والمادية، وغيرها.

وضمن هذه التّسميات الملغومة، خرج علينا الغرب حديثا، بمذهب غريب يحمل اسم المذهب النفعي، أو البراغماتي، وشعاره الغريب: “ليس لنا صديقٌ دائم، وليس لنا عدو دائم، ولكن لدينا مصلحة دائمة”.

وتزعّم هذا المذهب المفكرُ الأمريكي “ويليام جيمس”، وتبناه الغرب بزعامة أمريكا، ومن مقاصده، الحصول على الأموال، واستغلال النفوذ، وتبرير الاحتلال، وإخضاع القوانين للأموال والأعمال، والاحتلال.

وفي هذا السياق جاءت فلسفة احتلال الشعوب بالترغيب والترهيب، فكانت الحروب التي زعزعت الشعوب، وروّعت القلوب، وضاعفت من إحداث المصائب والكروب، كما كان الحال في فيتنام، والهند الصينية، والجزائر، وأفغانستان، وفلسطين، وغيرها.

ولعل آخر هذه المحن، ما نعيشه في غزة العزة، وفي فلسطين عموما، من تدمير وتهجير، وتكسير، ومن تقتيل، وتنكيل، باسم حقوق الإنسان، وديموقراطية البلدان، والتمكين للطغيان.

ويحدث كل هذا باسم الفلسفة النفعية التي تُسخِّر الإعلام والقانون للترويح لفظائعها، وفجائعها، مستعينة في ذلك بالقانون المظلوم، الذي يسوّي بين القاتل والمقتول، والجلّاد والضحية، والمستعمِر والمستعمَر، والذبيحة والجلّاد، والسّيف والعصا.

وآخر هذه التقليعات ما خرجت به علينا، محكمة الجنايات الدولية، التي أبانت عن جهلها بفقه القانون، مستعملة “ذر الرماد في العيون”.

أيا خبراء القانون: أين الوفاء لفقه القانون، وأنتم خير من يدرك فظاعة المشهد في غزة؟ وهل يمكن المساواة بين من قتل عشرات الآلاف، وشرّد مئات الآلاف، وهدّم آلاف الديار، باسم العدوان على البلدان، مستعملا أحدث أنواع الأسلحة، ضد شعب أعزل، وبين شعب يدافع عن أرضه، ويحاول حماية عِرضه، ويتوق إلى أداء فرضه؟.

أيا علماء القانون: أيتيح لكم القانون وفقه القانون، أن تسوّوا بين من أسر عشرات المجندين المعتدين على وطنه، وبين من يعتقل بكيفية عشوائية الآلاف من الشبان والنساء، وحتى الأطفال الآمنين؟

أيسمح فقه القانون بإصدار الأحكام عن بُعد، من دون القيام بالتحقيق، والتأكد من حجم الدمار، وفداحة القتل، وشناعة تدمير المساجد والمستشفيات والديار؟

لماذا أرسِلت لجنة التحقيق إلى إسرائيل –وهي المعتدية الظالمة- ولم تُرسل لجنة تحقيق إلى غزة، والضفة الغربية، والقدس، ورفح، وهي التي تتكبد خسائر المعتدين؟ فأين الوفاء لفقه القانون يا علماء السياسة ويا خبراء القانون؟

ومَن في نظر فقه القانون يمثّل الإجرام؟ أهو الذي ينكل بآلاف المعتقلين في سجون الاحتلال، بالتعذيب، والقمع، والحرمان من أبسط الحقوق، أم الذي يحسن معاملة الأسرى، رجالا ونساء، فيوفّر لهم الحضن الإنساني الدافئ، والمعاملة الطيبة اللائقة، وشهد شاهدٌ من أهلها؟

فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون قانونا؟ وكيف يجعلون من القانون المظلوم مطية لتبرير العدوان، والتغطية على القمع والتعذيب، والمساس بكرامة الإنسان؟

لقد كان فينا الظلم فوضى فهذبت     حواشيه حتى صار ظلما مهذبا

أيًّا كانت السقطات، التي اتسم بها خبراء القانون، وعلماء السياسة، فإن ما صدر عن المدّعي العامّ، كريم خان، قد خدم فقه قضية فلسطين عموما، وغزة على الخصوص؛ فقد جاءت أحكام المدّعي العامّ للمحكمة الجنائية، لتنزع عن إسرائيل، كل معنى للشرعية، في حربها العدوانية الإبادية على الشعب الفلسطيني المحتل.

كما أسقطت المحكمة الأقنعة المزيفة التي ظلت تغطي بشاعة الجلادين الصهاينة، في قتلهم للنساء والأطفال، ولا ذنب لهم إلا أن يقولوا ربنا الله، وبلادنا فلسطين.

ودع –عنك يا قارئي العزيز- ما يحاوله بعض الساسة من طبع ما يقوم به الجناة المعتدون من أنه رد فعل، لفعل السابع من أكتوبر، فهل كان سادس أو سابع أكتوبر، سبق مجزرة صبرا وشاتيلا؟ وهل كان شهر آخر سبق عملية العدوان على الأقصى، وتدنيس مقدساته من طرف الصهاينة حين أقدموا على التنكيل بالعابدين والعابدات والمعتكفين والمعتكفات؟

أيا خبراء القانون: أين الوفاء لفقه القانون، وأنتم خير من يدرك فظاعة المشهد في غزة؟ وهل يمكن المساواة بين من قتل عشرات الآلاف، وشرّد مئات الآلاف، وهدّم آلاف الديار، باسم العدوان على البلدان، مستعملا أحدث أنواع الأسلحة، ضد شعب أعزل، وبين شعب يدافع عن أرضه، ويحاول حماية عِرضه، ويتوق إلى أداء فرضه؟.

إذا كانت هناك من نقطة إيجابية في ما صدر عن المدعي العامّ للمحكمة الجنائية، فهو أنه أظهر للعالَم، ما كانت الصهيونية، والسياسات التي تقدم لها الأصباغ والمساحيق العسكرية والتكنولوجية، لإخفاء وجهها البشع، وهاهي وجوه قادة الحرب الإبادية، قد أُكرِهت على التسليم بالحقيقة المرّة، وهي أن ما يقوم به المحتل الصهيوني، جريمة حرب بقوة القانون، وبفقه القانون أيضا.

كما أن المحكمة الدولية التابعة للأمم المتحدة، قد جاءت معزِّزة للأحكام الصادرة عن المدعي العامّ، والمطالِبة بإنهاء الحرب فورا على رفح.

وعجبت كيف أن المحكمة قد اقتصرت على رفح، بينما الحرب متواصلة، وبكيفية دموية على كل غزة، وعلى الضفة الغربية، وعلى كل فلسطين.

ثم كيف سيكون تطبيق فقه القانون في التعامل مع الصهاينة، وقد أظهروا نوعا من الاستخفاف بالمؤسسات الدولية، وقوانينها، والإعلان عن عدم الإذعان لها؟

ألا توجد لدى مجلس الأمن، والأمم المتحدة، والمحكمة الجنائية الدولية، وسائل رادعة، تطبَّق على الكيان الصهيوني، الذي لا يزال يعتبر نفسه، وبحماية من قوى عظمى، فوق كل القوانين.

لقد تشابكت في العالم اليوم، كل قوى الخير، بدءا من طوفان الشباب الجامعي العالمي في كبريات الجامعات العالمية، وانتهاء بالمحاكم الدولية، ومرورا بالإعلام النزيه، لقد تشابكت كل هذه القوى، بتقديم رسالة صريحة وفصيحة مفادها أن زمن العبث بمقدرات الشعوب قد انتهى، وأن أهِلَّة النصر، قد لاحت في سماء فلسطين، وخير للمعتدين أن يخرجوا ولو من الباب الضيق، من أن لا يخرجوا البتة ﴿وَسَيَعْلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَىَّ مُنقَلَبٍۢ يَنقَلِبُونَ﴾[سورة الشعراء، الآية 227].

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!