ألا تبًّا لقَتَلة فلذات أكبادنا…!
![ألا تبًّا لقَتَلة فلذات أكبادنا…!](https://i.dzs.cloud/echoroukonline.com/placeholder.png?resize=790,444.375)
تبّا لهم، فهم أرجاس من أعمال الشياطين، وإنّهم رهط من المجرمين الساديّين، من أبناء وبنات جلدتنا، كفروا بعقيدة الديّان، وداسوا على قيم الإنسان، وعبثوا بأعراف وأخلاق الأوطان.
فهؤلاء الغرباء عن طبيعتنا، الدخلاء على حقيقتنا، هم من زرعوا الرّعب في أرجائنا، وبثّوا الخوف في قلوبنا، حينما عمدوا إلى اغتيال البراءة في مجتمعنا، واغتصاب الطهارة لدى أطفالنا، فروّعوا الآباء والأمهات، وشردوا الذكور والبنات، واخترقوا قدسية السكنات والعمارات؛ فيا لها من مأساة!.
إنّ ما يحدث من فواجع ومواجع في جزائرنا الحبيبة، البهيّة، الأبيّة، بلد الشرفاء، والشهداء ليدين كلّ ضمير حرّ فينا لأنّه يُبرز فشل منظومتنا، ويجلّي هشاشة مؤسساتنا، ويحكم ببطلان قوانين ردعنا وعقوباتنا.
فعندما لا يأمن الإنسان _في وطنه- على ابنه وابنته، وعندما يصبح الاغتصاب والقتل يهددان فلذات كبده، فتلك علامة من علامات قيام الساعة في دولته… لقد عمّت الجريمة، والفضاعة في الجرم كلّ الأمصار، وتصدر لممارستها _من الجنسين- مختلف الأعمار، فلم يستثن منها الطفل ذو التسع سنوات، ولا الأمّ ذات الثلاثينات، مرورًا بابن العشرين إلى صاحب الأربعين، أكلّ هؤلاء رموز للمجرمين؟ فيا لله لوطني المسكين!.
فلو أنّ الجريمة اقتصرت على جنس معيّن، أو فئة معيّنة، أو منطقة خاصة لسلمنا بمبدأ الاستثناء الذي يخرق القاعدة، ولكن الجريمة عمّت كلّ أرجاء الوطن، غربًَا، وشرقًا، ووسطًا وجنوبًا.
كما أنّ الجرم في مناطقنا لم يعد يحدث بالصدفة، وعن طريق الخطإ، وإنّما صار جرمًا منظمًا، يتم مع سبق الإصرار والترصد؛ وإلاّ كيف نبرر اغتصاب وقتل ابنة مستغانم ذات السنتين، هذه الجريمة النكراء التي هزّت مشاعر الوطن بكامله؟ وكيف نفسر اختطاف واغتصاب ابني قسنطينة، وهما من طيور الجنّة؟ وهي أيضا فضاعة أخرجت الشعب عن بكرة أبيه للمطالبة بالقصاص… إنّها نماذج يقشعر من هولها العَلَم، ويرتعد لفضاعتها القَلَم.
وعجبت؛ لمن يطالبنا بعد كلّ هذا بإلغاء حكم الإعدام أوعدم تنفيذه باسم الدفاع عن حقوق الإنسان، وأين من هؤلاء حق نادية وشيماء، وإبراهيم وهارون؟ أم أنّّ حق الإنسان اِبتذِل واُختزِل فصار أحول لا يرى إلاّ بعين واحدة ؟. ألا تبًّا لهذه القوانين الوضعية التي تميّز بين “ناس وناس” مع الاعتذار للأستاذ “عيسى ميقاري” عن اقحام عنوان برنامجه الرائع في هذا المجال الحزين.
{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} آية نزل بها الروح الأمين من ربّ العالمين على خاتم الأنبياء والمرسلين، وهي تفيض عدلا، وتنطق حكمة، وتنصف ضحية! {فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً}. لقد أصدر ربّ العزّة حكمه، ووقع الشعب الجزائري المسلم على هذا الحكم، وإنّ أيّ تشريع لا يستمد قوانينه من الله، ومن الشعب فهو تشريع باطل، وإنّ في تطبيق هذا القصاص الرّباني لإنصاف للثكالى، وطمأنة للحيارى، ولن يبرد قلب أمّ إبراهيم، وأمّ شيماء، وأمّ هارون، وأمّ نادية، وغيرهن، وهي قلوب تغلي كالمرجل، لن يبرد نسبيًا إلا بتنفيذ حكم الإعدام في القتلة المجرمين، والبادئ أظلم.
إنّ في هذا القصاص العادل ردعًا لكلّ من تسوِّل له نفسه العدوان على عقول وأبدان أطفالنا الأبرياء، واستعادة للأمن الاجتماعي وسلامة للمجتمع المفقودة، وإحياء لقيمه، وقدسية لحياة الإنسان الموؤودة، ومعذرة للأسر المنكوبة، ومعها الشعب الجزائري المرعوب، حينما نعمد إلى تحريك القلم داخل الجرح النازف، ليكتب بوحي من دماء القلوب الغاضبات، وجفون العيون الدامعات.
لقد بكيت _وأنا الرجل الأب- بدموع ساخنة محنة “شيماء قسوم” من “بابا حسن” التي قتلتها امرأة عمِّها، وذرفت دموعًا غزيرة، وأنا أقدم التعازي صحبة وفد من شعبة جمعية العلماء بقسنطينة إلى أقارب “هارون وإبراهيم”، وأحسست بحرقة، خاصة وأنا أشارك الشعب الجزائري ألمه العميق بقتل الطفلة البريئة ذات السنتين من مستغانم على يد السفاحة وابنها الناشئ في أحضان الجرم والقذارة، ولا أشك في أنني لا أشذ في قاعدة البكاء عن كلّ الآباء والأمهات، وهم يتصوّرون أن ما حلّ بهؤلاء الضحايا قد يحِلّ بهم _لا قدر الله- ذات يوم.
ولكنني، قبل هذا، وبعد هذا كلّه، بكيت بدموع دامية على الجزائر بلدي الحبيب، حينما يتحول إلى مرتع للمجرمين، يعيثون فيه فسادًا، ويزرعون بين أرجائه خوفا ورعبا، ولا رادع لهم، ولا حامي لضحاياهم، وإنّني وأنا الرجل الأب الباكي على حال أطفالنا تذكرت قول الشاعر السوري “عمر بهاء الدين الأميري _رحمه الله-” في رائعته التي يختمها بقوله:
قد يعجب العُذّال من رجل يبكي
ولو لم أبك، فالعجبُ
هيهات ما كلّ البكاء خَوَرٌ
إنّي _وبي عزم الرجال- أبُ
وتذكرت رائعة نزار قباني وقوله فيها:
يا وطني الحزين
يا وطني المسكين
حولتني من شاعر
يكتب للحب وللحنين
لشاعر يكتب بالسكين
ألا تبّا لهؤلاء المجرمين الذين اختطفوني من محنة الوطن العربي الأكبر في قضيته المصيرية التي تخوضها شعوب مصر، وسوريا، وتونس، وليبيا إلى الكتابة عن الوطن الأصغر الجزائر، وكلّها قضايا مصيرية تشغل بال الرأي العام، وحسبنا الله ونعم الوكيل.