أكبر من “القاف”.. أصغر من “قسنطينة”!
![أكبر من “القاف”.. أصغر من “قسنطينة”!](https://i.dzs.cloud/echoroukonline.com/placeholder.png?resize=790,444.375)
تعتقد نادية لعبيدي، أن بحديثها عن استضافة فلسطين في الأيام الأولى لتظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، تكون قد سحبت من منتقديها جميع الذرائع وأفحمتهم بالدليل القاطع والملموس أن التظاهرة تأتي في ظرف زمني مهم للّم شمل العرب!!
مسكينة فلسطين.. تحولت من قضية إلى ذريعة، ومن أزمة وطن محتل إلى احتلال جديد، ومن سبب مقنع للوحدة إلى تكريس رديء للتفرقة !!
تريحنا نادية لعبيدي، فتقول: “اطمئنوا ولا تخشوا شيئا، فقد اكتسبت الجزائر تجربة في تنظيم هذه التظاهرات، واستخلصت دروسا من الماضي“!!
كان يمكن تصديق مثل هذا الكلام، وتلك الوعود، لولا أن ذاكرتنا ليست مصابة بالنسيان، ولم يمسسها (الزهايمز) بعد، مثلما هي ذاكرة معظم المسؤولين عندنا.. وعلى سبيل المثال فقط، وللتذكير، بـ“الماضي السعيد في التسيير القريب والبعيد“.. نحيل معالي الوزيرة إلى ما قام به قاضي التحقيق في محكمة تلمسان قبل سنتين فقط، حين فجر فضيحة تبديد 125 مليار سنتيم في عاصمة الثقافة الإسلامية، وأيضا، ما ردده عشرات المقاولين عن تجاوزات مالية ضخمة في التظاهرة ذاتها.. ناهيك عن فضائح أخرى، تبدأ بهدر المال، ولا تنتهي عند الإقصاء وممارسة المحسوبية في الانتقاء!!
قد يقول قائل: لكن.. وما ذنب نادية لعبيدي في ما نورده من أمثلة وحقائق وفضائح، طبعا لا ذنب مباشر لها.. لكن ذنبها الوحيد و“الفادح” أنها قررت الانتماء لذات المنظومة الفاسدة التي لا تفرق في ممارستها بين النصب والاحتيال والكذب والسرقة، بين تهيئة طريق أو ترميم مسرح!!
ثانيا: لا أعرف هل من الظلم، الحكم على نادية لعبيدي باعتبارها وزيرة للثقافة من منطلق تظاهرة واحدة وإن كانت كبيرة (بحجم قسنطينة) أم أن ما تقوم به هذه الأستاذة الجامعية والمنتجة السينمائية المعروفة يجب أن يؤخذ كاملا دون نقصان حتى يكون الحساب عادلا والحكم صائبا وموضوعيا؟
تظاهرة قسنطينة انطلقت، ولاشك أنكم ستقرؤون وتشاهدون وتسمعون الكثير عنها في الأيام المقبلة.. لا شك أنكم ستلاحظون اختلافا كبيرا في تقييم مسارها.. سيهلل لمجدها المستفيدون.. وسينتقد تسييرها المحرومون.. سيبرّر أخطاءها الانتهازيون، وسيفضح أسرارها المنسحبون.. لكن.. ماذا بعد؟
ما الذي سنستفيده جميعا وما الذي ستسفيد منه قسنطينة؟
قسنطينة ليست مجرد مدينة.. وبالتالي فالحدث الذي تعيشه الآن ليس مجرد تظاهرة ثقافية عابرة..
قسنطينة مدينة تسكنك وإن لم تزرها، تأسرك وإن لم تشاهدها، وعليه، فإن ما تعيشه من أحداث، لا بد أن تكون على مستوى تاريخها.. طيبة سكانها.. وعلوّ جسورها!!
هذه قسنطينة التي نريد، لكن قسنطينة التي تخطط لها نادية لعبيدي ومن معها، بدأت بفضيحة.. ثم تكررت التصريحات والفضائح والنزوات والأزمات، دون أي تحرك ملموس، أو إشارة للإصلاح والتحقيق و“قطع دابر الفساد والمفسدين“..
القصة بدأت بفضيحة سرقة (القاف).. وبالمناسبة.. (القاف) لم يكن مجرد حرف، بل كان إعلانا خائبا عن سرقة انتماء.. وسطوا على إبداع.. وفضح لجنين مشوه لا يريد أن يتخلى عنه الآباء!!
ومع (القاف) تبددت آمال الطامحين لتظاهرة ثقافية نقية.. تظاهرة بعيدة عن الفساد والمفسدين.. صحيح أن الجزائريين تعودوا على كثير من التلوث الأخلاقي في مشاريع تتعلق بالنفط والطرقات وبالسكن والمناصب لكن لم يتعودوا أو ربما لا يريدون ذلك حين يتعلق الأمر بالأخلاق والثقافة والقيم..
الفساد حين يتعلق بالثقافة يكون بشعا.. وأكثر إيلاما وسوادا من كل الفضائح الأخرى التي تزكم رائحتها الضمائر قبل الأنوف!
قبل يومين، قالت نادية لعبيدي على شاشة التلفزيون العمومي، إنها تطبق في برنامج قسنطينة، ما يريده الرئيس ويخطط له، “إنها فلسفة بوتفليقة في تحويل البلد إلى نعيم“، هكذا قالت المنتجة السينمائية المعروفة عند الجزائريين ذلك المساء على التلفزيون، دون أن تعرف بأن (لا أحد) سيصدق ما تقول، الأمر يتعلق هنا ربما.. بفيلم سينمائي جديد، تريد لعبيدي أن تقنع المشاهدين بحقيقته، وبأنه واقعي جدا، وليس مجرد (فانتازيا) مثلما هي وعود كثير من المسؤولين في الحكومة التي تنتمي لها..
في كل بلدان العالم، لا يوجد وزراء طيبون ومتخلقون وحريصون على الخدمة العمومية، بل توجد هنالك حكومات متخلقة وحريصة على مصالح الناس، وإن كان فيها انحراف، فسيسقط لا محالة بفعل التيار الجارف الذي يهيمن على المشهد السياسي..
في الجزائر، العكس تماما، هنالك من يحاول إقناعنا أن في الحكومات المتعاقبة، وزراء يستحقون الاحترام، وإن وجدوا أنفسهم في حكومات غير محترمة، فهم مضطرون لمسايرتها وليس لمقاومتها.. إنهم حريصون على البقاء” تحت الشمس” خوفا من الظل.. وبسبب تعود المريض على الدفء..
في كل الحالات.. ستظل قسنطينة تحت الشمس وخصومها في الظلمة مستمرون، عابثون.. منسيون لا محالة.