-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
تُهمة المضاربة ستُلاحق المتورّطين في الندرة وإلهاب الأسعار

أسواق السيّارات المستعملة.. السمسار تحت الحصار

إيمان كيموش
  • 12989
  • 1
أسواق السيّارات المستعملة.. السمسار تحت الحصار
أرشيف

يتخبّط سماسرة ووسطاء السيارات المستعملة في الجزائر، تحت صدمة مشاهد الوصول المتلاحق لبواخر المرْكبات الجديدة إلى الموانئ الجزائرية قادمة من أوروبا وآسيا، مُحمَّلة بآلاف السيّارات السياحية والنفعية، مُعلِنة بداية انهيار الأسعار بعد سنوات من الندرة والغلق، ومُنذرة بتراجع أرباحهم خلال المرحلة المقبلة.
ويتعرّض المئات من هؤلاء الوسطاء، وهم الطرف الثالث بين البائع والمشتري لضربات موجعة، جرّاء امتناع الجزائريين عن اقتناء السيّارات المستعملة في الفترة الأخيرة، رغم نسبة العرض العالية جدا، إذ يُفضّل الكثيرون حجز سيارات جديدة بترقيم “00” لدى الوكيل المعتمد، مقابل جودة عالية وسعر مناسب وحيازة كامل خدمات ما بعد البيع والضمان، حتى لو كان الأمر يفرض الانتظار أسابيع أخرى، بدل الاستلام الفوري لمرْكبة مستعملة بثمن مرتفع وبلا ضمانات.

8 أسواق أسبوعية تحت المجهر
وتتوزّع أسواق ونقاط بيع السيارات المستعملة عبر كافة مناطق الوطن، أهمّها تلك التي تشهد توافد عدد كبير من الوسطاء والسماسرة لعرض المرْكبات الجديدة والمستعملة بشكل دوري، على غرار سوق تيجلابين بولاية بومرداس، الذي عاد إلى النشاط قبل أسبوعين فقط، ويُفتح كل يوم سبت، وشهد هذا السوق توافدا قياسيا لعارضي السيارات في آخر مرّة، وسوق سطيف المقام كل أربعاء، وهو أكبر سوق سيارات مستعملة في الجزائر من حيث المساحة والعرض.
وتُضاف إلى هذه النقاط، سوق بوقرة بولاية البليدة وسوق عين الدفلى المُقام كل اثنين وسوق عين توتة بولاية باتنة المُقام كل سبت وسوق محطّة عمر بالبويرة كل ثلاثاء وسوق حجوط بولاية تيبازة، والذي ينشط كل جمعة إضافة إلى سوق طولقة بولاية بسكرة في اليوم ذاته، ونقاط أسبوعية أخرى بعدّة ولايات، يقول تجّار سيّارات، التقتهم “الشروق”.
وتتقاطع هذه النقاط الأسبوعية، مع أسواق افتراضية عبر صفحات الفايسبوك وأنستغرام ومواقع إلكترونية أخرى مثل وادي كنيس وغيرها، إذ أصبح بيعُ السيارات عبر المواقع والفضاءات الإلكترونية أكثر رواجا وسهولة للتجار الذين يسعون إلى اكتساب مرْكبات جديدة أو مطلوبة لإعادة بيعها في وقت قياسي وبسعر أعلى وتحقيق هامش ربح معقول.
ويُجمع كلُّ من حضر سوق تيجلابين السبت الماضي، أن سوق السيارات المستعملة اليوم تشهد حالة جمود غير مسبوق تطال عملية الشراء، سببها الترقّب، وانتظار عدد كبير من الراغبين في اقتناء مركبة دخولَ نماذج جديدة يتحدث عنها وكلاء السيارات، سبق أن أعلنت وزارة الصناعة أنها تحصلت على الرخصة الأولية على غرار كيا وتويوتا ونيسان وأخرى حازت الاعتماد النهائي مثل سوزوكي.

تغير في الأسعار خلال الـ15 يوما الأخيرة
تتفاوت أسعار المركبات المعروضة بالأسواق الأسبوعية، وبالدرجة الأولى سيّارات “الأبعاد الصغيرة”، خلال الـ15 يوما الأخيرة بين 140 و250 مليون سنتيم، يقول محمد، وهو وسيط سيارات في إفادة لـ”الشروق”، مؤكّدا أن المرْكبات الأكثر طلبا من طرف الجزائريين هي التي تحمل ترقيم 2014 و2015 و2016، وتُعرض سيارات بيكانتو بترقيم 2012 بداية من 145 مليون سنتيم، وترقيم 2010 بـ140 مليون سنتيم، وأخرى بترقيم 2017 بما يصل 170 مليون سنتيم وبيكانتو الجديدة ترقيم 2019 بـ220 مليون سنتيم، بينما يتراوح سعر سامبول ولوغان 2017 بين 140 و170 مليون سنتيم حسب نوعية السيارة، وسامبول 2022 بما يصل 250 مليون سنتيم وستيبواي 2019 بسعر 280 مليون سنتيم، وستيبواي بمحرّك مازوت 2023 بسعر يصل 365 مليون سنتيم.
وعُرضت هيونداي كريتا بترقيم سنة 2018 بما يتراوح بين 340 و370 مليون سنتيم حسب حالة السيارة، كما تم طرح سيارة “إي 10” الكبيرة بسعر يفوق 200 مليون سنتيم بترقيم 2018، وأخرى في نفس السنة بـ165 مليون سنتيم حسب الحالة التي تتواجد عليها المركبة، كما تم عرض سيارة “أكسنت” مازوت بسعر يتراوح بين 220 و230 مليون سنتيم بترقيم 2018 و240 مليون سنتيم بترقيم 2019، وتم عرض سيارة كليو كومبوس بترقيم سنة 2010 بسعر 140 مليون سنتيم وسيارة ميكرا نيسان بترقيم 2017 بسعر 170 مليون سنتيم.
وبلغة الأرقام أيضا، طُرحت “كيا سبورتايج” 2013 بـ550 مليون سنتيم، بل وصل سعر تيغوان 2014 إلى 520 مليون سنتيم، أما غولف الجديدة بكامل المزايا بترقيم “دوبل ڤي” فعُرضت في سوق تيجلابين الأخيرة بأزيد من مليار سنتيم.
أما عن توقُّعات سوق السيارات للمرحلة المقبلة، فيرى المتحدث أن “كل الاحتمالات واردة، ولا يمكن التنبؤ بما هو قادم بشكل دقيق”، إلا أنهم كوسطاء يتّجهون نحو تخفيض الأسعار، في ظل تموين الأسواق بأعدادٍ كبيرة من السيارات قادمة في البواخر أسبوعيا من أوروبا وآسيا، مشيرا إلى أن أسعار السيارات المتوسّطة اليوم تدحرجت بما يتراوح بين 5 و15 مليون سنتيم.

الجديد غير مطلوب خارج الوكالات لأوّل مرة!
وبخصوص تداول المركبات الجديدة المسوّقة من طرف وكلاء السيارات المعتمدين على مستوى سوق تيجلابين للسيارات بولاية بومرداس، يؤكّد التجار أن سعر هذه السيّارات تُعرض لأوّل مرة منذ سنوات بثمن أقل من السعر المتداول لدى الوكيل المعتمد بالنسبة لـ”فيات” وهو أمرٌ منطقي، على خلاف ما كان رائجا في الصائفة الماضية، إذ تم تمرير عدد كبير من مركبات “فيات” إلى السوق ورفع سعرها بما يتراوح بين 20 و50 مليون سنتيم، حسب الصنف، في حين تُعرض اليوم المركبات ذاتُها بسعر أقل، وضمانات أدنى مقارنة مع ما يقترحه الوكيل المعتمد.
وفي السياق، تم عرض سيارة فيات دوبلو بسوق تيجلابين الأخيرة بترقيم 2023 بسعر 308 مليون سنتيم وفيات تيبو بأقل من 290 مليون سنتيم، ولم تحظ بطلب الزبائن الذين فضّلوا التوجه نحو المركبات المستعملة التي لم يتم الشروع في استيراد الجديدة منها إلى حدّ الساعة، في حين عُرضت سيارة “شيري” المباعة بـ199 مليون سنتيم لدى الوكيل بـ240 مليون سنتيم، وحظيت بمقاطعة الزبائن، الذين يُفضّلون التوجّه للوكيل مباشرة سواء لاقتناء فيات أو شيري أو غيرها من الماركات.
ويقول مستشار وزير التجارة وترقية الصادرات العربي صافي في إفادة لـ”الشروق” إن الوزارة اتخذت كافة الإجراءات لمنع الممارسات غير الشرعية أو التجاوزات القانونية في عملية تسويق السيارات الجديدة، إذ أوفدت أعوان الرقابة وقمع الغش إلى الميدان في الصائفة الماضية وقاموا بزيارات ميدانية لوكلاء السيارات بالعاصمة ومدن أخرى بعد عدّة شكاوى تلقوها من الزبائن وجمعيات حماية المستهلِك تُفيد بتأخر في التسليم ومخالفة عقود البيع.
وشدّد ممثّل الوصاية على أن مخالفة القانون واحتكار المركبات لإعادة بيعها في سوق السيارات المستعملة سيُكيّف هذه الممارسات كجريمة مضاربة، والتي تتضمّن عقوبات صارمة في القانون الجديد الذي دخل حيّز التنفيذ بشكل رسمي قبل سنتين.
ومعلومٌ أن دفتر الشروط المنظّم لنشاط استيراد وبيع المركبات الجديدة الصادر شهر نوفمبر 2022، يمنع عبر تعهّد إلزامي يوقّعه الوكيل المعتمد بيع أزيد من سيارة لمواطن واحد في ظرف 5 سنوات، وكانت قد شهدت بداية تسويق المركبات الجديدة سنة 2023 بعد سنوات من الغلق والندرة قيام عدد من الأشخاص باقتناء عدّة سيارات من وكلاء السيارات بأسماء عائلاتهم وأصدقائهم وإعادة بيعها في سوق السيارات المستعملة، مقابل هامش ربح غير منطقي.
ويؤكّد ممثل وزارة التجارة وترقية الصادرات أن أي تلاعب بالزبون الجزائري ومصلحته يُصنَّف ضمن خانة المضاربة، ويتعلّق الأمر باحتكار عدد معتبر من المركبات وخلق الندرة لإعادة بيعها مقابل أرباح غير مبرّرة، وتعمل وزارة التجارة على تفادي وجود الوسطاء في عملية تسويق كافة المنتجات والسلع، لضمان استقرار الأسعار في السوق الجزائرية وحماية القدرة الشرائية للجزائريين.

سماسرة يتكبّدون خسائر كبرى
ويقول رئيس المنظّمة الوطنية لحماية المستهلِك مصطفى زبدي في تصريح لـ”الشروق” إن أسعار السيارات الجديدة تُعرض اليوم على مستوى أسواق السيارات المستعملة بسعر أقلّ بعد التدخّلات التي فرضتها وزارة التجارة، بناء على شكاوى الجمعية النابعة من تصريحات قدّمها مواطنون وزبائن كانوا يضطرون في بداية عملية التسويق إلى الانتظار لأشهر لاستلام مركباتهم، ليكتشفوا بعدها تداول مئات المركبات من نفس الصنف والترقيم بالأسواق الأسبوعية، وهو ما أثار الكثير من الجدل وقتها.
ويرى زبدي أن تدخُّل السلطات المعنية جعل آجال التسليم تنخفض لدى بعض الوكلاء إلى 3 أسابيع، في خطوة جدّية لتضييق الخناق على السماسرة الذين تكبّدوا خسائر كبرى خلال الفترة الأخيرة، لاسيما أن المواطن اليوم يُفضّل الانتظار لشهر إضافي لاستلام سيارة جديدة بدل اقتنائها بسعر أعلى واستلامها فوريا، وهو ما دفع بعضهم إلى اختلاق بعض العيوب الوهمية في السيّارات المسوَّقة لدى الوكلاء، لتكريس استمرارية أسواق السيّارات المستعملة والحفاظ على الأسعار المرتفعة ليتضخّم هامشُ ربحهم أيضا.
أما بالنسبة للمركبات الجديدة، فيفضِّل الزبائن اليوم اقتناءها من الوكلاء المعتمدين لكسب خدمة الضمان وما بعد البيع وقطع الغيار الأصلية وحتى الظفر بعقد تأمين مخفَّض السعر، بدل اقتنائها من الوسيط وهو طرفٌ ثالث بين البائع والمشتري، يجني ربحا إضافيا على حساب الزبون، ويحرمه من حقوقه الأساسية.
وتتقاطع الإجراءات المتخذة من طرف وزارة التجارة وترقية الصادرات مع قرار آخر اتخذته وزارة العدل قبل أشهر، عبر إخطار غرفة الموثّقين بتعليمة تمنع إبرام “وكالات بيع السيارات الجديدة” بداية من شهر أوت 2023، ما زالت سارية المفعول إلى اليوم، لمنع المضاربة يقول رئيس الغرفة الجهوية لموثّقي الوسط ناجم رقاني، مؤكّدا في تصريح لـ”الشروق” أن الهدف من التعليمة هو غلق الأبواب على المضاربين غير الشرعيين بالسيّارات الجديدة التي تم الترخيص بتسويقها في الجزائر.
وكشف رقاني في هذا السياق عن إحصاء عدد كبير من المضاربين الذين حاولوا في الفترة الماضية استغلال مثل هذه الوضعيات، لشراء العديد من السيارات من أجل تخزينها وإعادة بيعها بأثمان عالية وهامش ربح كبير، مضيفا: “بما أن القانون يُتيح لكل مواطن اكتساب سيارة واحدة، يقوم هؤلاء المضاربون بإبرام عقود وكالات صورية مع أطراف أخرى متدخِّلة بالاسم فقط من أجل شراء هذه السيارات وإعادة بيعها للغير”، خاتما حديثه: “صدرت هذه التعليمة من أجل غلق أحد المنافذ على المضاربين غير الشرعيين، وقد نجحت في ذلك”.

تراجع المركبات الفخمة
أما بخصوص أسعار المركبات الفخمة، فيقول عثمان، وهو أحد تجّار هذا الصنف من السيارات بالجزائر العاصمة، إنّه رغم ولوج عدد كبير من المواطنين إلى الأسواق الأسبوعية بشكل متداول، إلا أن عملية الشراء تقتصر فقط على بضعة أصناف يتراوح ترقيمها بين سنوات 2012 و2019، أما السيارات الفاخرة فتشهد تراجعا في الطلب، إذ انهارت أسعارها بما يتراوح بين 50 ومائة مليون سنتيم.
ويضرب المتحدّث مثالا ببعض نماذج “أودي” و”مرسداس”، ويشدد عثمان على أن سعر السيارات الفاخرة اليوم يصل ملياري سنتيم ويتجاوزها ومنها مركبات تُطلب خصيصا من الخارج لأصحابها كبعض أصناف “مرسداس” الألمانية يصل سعرها باحتساب كل الرسوم إلى 10 مليار سنتيم، إلا أن هذه الأخيرة موجهة لفئة خاصة من الزبائن وهم مقاولون ورجال أعمال بالدرجة الأولى وعددهم قليل جدا.
وغير بعيد عن ذلك، يتحدث سليم، وهو تاجر سيارات مقيم بولاية البويرة، بأن أسعار السيارات الفخمة في الجزائر شهدت انخفاضا نسبيا نتيجة تراجع الإقبال عليها، ويضرب أمثلة عن بعض الأسعار المتداولة في آخر سوق للسيارات بتيجلابين بولاية بومرداس، على غرار كيا ستبورتاج ترقيم سنة 2022 والتي عُرضت بسعر 800 مليون سنتيم، وسيارة هيونداي تيكسون بمحرك بنزين عُرضت بسعر 800 مليون أيضا، في حين تم عرض نفس السيارة بمحرك مازوت بسعر يتجاوز مليار سنتيم، ومركبة مرسداس جي أس أم مستعملة بسعر 850 مليون سنتيم، وأخرى جديدة بسعر 1.7 مليون سنتيم.
وتم عرض مركبة “مرسداس جي أل سي” الجديدة بسعر 2.3 مليار سنتيم يوم السبت الفارط، كما طُرحت مركبة سي 8 ترقيم 2015 بسعر يتراوح بين 450 و650 مليون سنتيم، أما الجديدة منها فيصل سعرها إلى مليار سنتيم.، وكي 3 ترقيم 2024 بـ1.4 مليار سنتيم وكي 5 للسنة الجديدة بـ15.5 مليار سنتيم
ورغم تراجع نسبة مبيعات هذا الصنف من المركبات في السوق الجزائرية، يقول المتحدث، إلا أنه سجَّل قبل أيّام، اقتناء سيارة من صنف مرسداس بقيمة 2.75 مليار سنتيم بسوق السيارات المستعملة بولاية سطيف من طرف مواطن مقيم بولاية باتنة يشتغل مقاولا في مجال الطرقات.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • مصطفى

    والله نستغرب عندما نسمع سيارة فيات 2023 تباع في الأسواق الأسبوعية وكأن قوانين الجمهورية لا تسري على بعض الفئات والسؤال المطروح هل منطق السماسرة يتغلب على منطق القانون فدفتر الشروط واضح يلزم الوكيل بإلزام الزبون بأعضاء تعهد بعدم بيع السيارة إلا بعد مرور خمس سنوات ثم وجد أن هناك ثغرة تمثل في الوكالة التي الغاها وزير العدل من خلال إرسال تعليمة للموثقين. هل الدولة تستورد سيارات من أجل الاستعمال النفسي للأشخاص ام تصرف العملة الصعبة لكي يستفيد منها السماسرة.هل بعض الممارسات يتورط فيها بعض المواطنين فعلى الدولة تطبيق قانون المضاربة على هؤلاء الإرهابيين كما يجب فتح تحقيق وخاصة أن سوق السيارات المستعملة أصبح الملاذ الأمن لتبييض الأموال.