-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
المدينة تحتفظ بتقاليد عريقة في مهنة الصيد

أسماك بني صاف تستقطب قوافل الصائمين

ربورتاج: زهيرة قلعي
  • 1420
  • 0
أسماك بني صاف تستقطب قوافل الصائمين
أرشيف

اعتاد سكان مدينة بني صاف، بولاية عين تموشنت، مع حلول كل شهر رمضان، على توافد العديد من الزوار، في شكل قوافل من المركبات من مختلف الولايات، القادمة إلى هذه المدينة، وتحديدا إلى ميناء صيدها العتيق، بحثا عن أسماكه الشهيرة والاستمتاع بجمال المنطقة.
مع حلول الشهر الفضيل، يقصد ميناء الصيد لبني صاف المئات من الزوار منذ فترات الصباح، وخاصة بعد ساعات الظهيرة، ترقبا لعودة السفن الصيدية “الجيبية”، التي تختص في اصطياد الأسماك البيضاء على اختلاف أنواعها وكذا القشريات، غلة ساحل مدينة بني صاف التي ذاع صيتها وشهرتها منذ تحول الميناء الذي كان سابقا ميناء تجاريا خلال الحقبة الاستعمارية، إلى ميناء للصيد البحري، ومنذ ذاك الحين أصبح الميناء أهم قطاع لاسترزاق البني صافيين سواء الشباب منهم أم الشيوخ، ومصدر قوتهم الرئيسي، لوفرة منتج الأسماك التي تجود بها مياه إقليم بني صاف، خاصة الأسماك الزرقاء كسمك السردين، الأنشوفة، الميربا، الكابايا، وهي تسميات للأسماك باللهجة الإسبانية ورثها الصيادون بهذه المدينة كما ورثوا حرفة الصيد التقليدي عن صيادين إسبان سكنوا المدينة خلال الحقبة الاستعمارية.

ما سرّ عشق أسماك المنطقة؟
أسماك مدينة بني صاف استطاعت أن تحافظ على شهرتها بسبب جودتها ومذاقها المميز باعتبار مياه إقليم بني صاف نظيفة وغير ملوثة، كما أن قاع مياه البحر يحتوي مادة معدن الحديد الذي تزخر به بني صاف، ما يجعل نباتاته البحرية وباقي الكائنات البحرية تتغذى منه، الأمر الذي يجعل ذوقها مميزا ومنافعها عديدة، كل هذا جعل أسماك بني صاف من زرقاء يترأسها “سردين بني صاف” إلى الأسماك البيضاء والقشريات، قبلة لعشاق الأسماك والذين يشتهون أكله على موائدهم الرمضانية، قاطعين العديد من الكيلومترات للوصول إلى ميناء بني صاف، بغية الحصول على بعض هذه الأسماك، ولو بكميات جد قليلة، لندرة منتج الأسماك هذه الأيام، بفعل الاضطرابات الجوية المتكررة من جهة، وقلة الأسماك في البحر من جهة أخرى.
أحد زوار ذات الميناء السيد “نور الدين” أخبرنا قائلا: “أنا طبيب أعمل بولاية وهران، وأغتنم فترة انتهاء دوامي للقدوم بصفة متكررة خلال شهر رمضان هنا إلى مدينة بني صاف، من أجل شراء بعض السمك، أحيانا أشتري الأسماك الزرقاء، أحيانا أشتري بعض أنواع السمك الأبيض، قدمت الأسبوع الماضي قبيل الشهر الفضيل واشتريت كميات معتبرة، فأنا أعشق الأسماك وخاصة أسماك بني صاف، لها ذوق مميز، كما أنها مفيدة لصحة الصائمين، باعتبارها خالية من الكوليستيرول عكس اللحوم الحمراء وحتى البيضاء…” رفيق “نور الدين”، بدوره، أكد لنا أن ولاية وهران بمينائها ومسامكها توفر كميات مختلفة ومتنوعة من الأسماك، لكن قدومه إلى غاية بني صاف لشراء الأسماك، له نكهة خاصة لا يمكن وصفها على حد تعبيره…
السيد “محمد”، زائر آخر لذات الميناء قدم رفقة زوجته “عتيقة” من ولاية تلمسان، التي تبعد عن مدينة بني صاف بحوالي 70 كلم، أكد لـ”الشروق” أنه اعتاد القدوم إلى بني صاف خلال كل شهر رمضان للبحث عن بعض الأسماك، لتتفنن في إعدادها زوجته على مائدة رمضان، كما يقول: “آتي إلى مدينة بني صاف بمعدل 3 مرات أسبوعيا خلال شهر رمضان، وأحيانا أكثر من ذلك، أعشق زيارتها خلال هذا الشهر تحديدا، منذ الصغر وأنا أقصدها رفقة والدي في شهر رمضان لشراء كميات كبيرة من الأسماك، كان الخير كثيرا، كانت أياما جميلة، لا تزال مطبوعة في ذاكرتي، واليوم آتي رفقة زوجتي وأحيانا رفقة الأولاد للتجول في ميناء بني صاف، صحيح لم تعد هناك كميات كبيرة من الأسماك كما في السابق، لكن يمكن الحصول ولو على كميات صغيرة، المهم أن تكون أسماك بني صاف، لدينا ميناء الغزوات بتلمسان ويعرف وفرة في المنتج، لكن مذاق أسماك بني صاف لا يضاهيها أي مذاق لأسماك من موانئ أخرى، لا أعرف السر في ذلك، وهذا ما يزيد من متعة التنقل من تلمسان إلى غاية بني صاف.
زوار آخرون أكدوا أن متعة التجول بميناء بني صاف والبحث عن شراء الأسماك، متعة لا مثيل لها، حتى وإن لم يشتروا لغياب المنتج أو ارتفاع الأسعار التي ليست في متناول الجميع، إلا أن المتعة هي ما يجلب عشاق أسماك بني صاف من كل ولايات الوطن، ويجعلهم يصنعون طوابير من السيارات وزحمة بالطريق المؤدي إلى الميناء، لا لشيء إلا للحصول على بعض ما تجود به مياه بحر بني صاف من أسماك.

لا نكهة لرمضان دون ارتياد ميناء بني صاف
الميناء يتحول إلى مزار ومحج للصائمين، خاصة خلال الفترات المسائية، حيث تصطف العديد من المركبات التي تحمل ترقيم ولايات مجاورة، أغلبها من ولاية وهران، تلمسان، سيدي بلعباس، سعيدة وأحيانا ولايات تبعد أكثر من ذلك، فقط من أجل التجول داخل ميناء الصيد ببني صاف، وانتظار مراكب الصيد وهي محملة بغلة يومها، وسط أجواء حماسية بنكهة رمضانية، كما أخبرنا عمي علي (القادم من ولاية وهران): “خلال شهر رمضان، لا يخطر ببالي سوى القدوم إلى بني صاف، تقريبا بشكل يومي، فبعد صلاة الظهر، أنطلق من وهران لأتجه إلى بني صاف، أحيانا وحدي وأحيانا رفقة بعض الأصدقاء، بحثا عن متعة البحر خلال شهر رمضان، وبحثا عن بعض الأسماك، فأنا من عشاق تناول السمك خلال هذا الشهر تحديدا، لا أدري لماذا أشتهي أكل السمك في رمضان، لكنه يبقى الطبق المفضل لدي على مائدة رمضان رفقة طبق الحريرة الوهرانية والسلطة والفلفل، فأنا لست ممن يتناولون باقي الأطباق العصرية المليئة بالأجبان والزيوت غير الصحية وما إلى ذلك… أجد راحة نفسية لا مثيل لها وأنا آتي خلال هذا الشهر الفضيل إلى ميناء بني صاف، أستمتع بالنظر إلى قدوم المراكب الصيدية وهي محملة بصناديق السمك وتزينها طيور النورس التي ترافقها من خارج الميناء وإلى غاية الرسو، لتحصل على بعض الأسماك مثلنا.. يضيف عمي علي، مناظر تبعث الراحة النفسية وتبعد الصائم عن ضغط المدينة ونرفزة بعض الأشخاص وما إلى ذلك مما يعكر صفو الصائم… أبقى إلى غاية اقتراب موعد الإفطار بحوالي ساعتين وأحيانا أقل، لأعود إلى المنزل دقائق فقط قبيل أذان المغرب، محضرا معي حبات من السمك، “كل يوم وبركته”، أطبخها بنفسي في غالبية الأحيان، فأنا أسأل البحارة وسكان بني صاف عن بعض وصفاتهم التقليدية لإعداد أطباق السمك خلال شهر رمضان، فأطباقهم شهية ولذيذة… وهذا ما يزيد من متعة الرحلة اليومية نحو بني صاف، إنها تنسيني التعب وكل شيء”.

الأنشوفة والسردين كانت تصدر إلى إسبانيا
أمثال عمي علي كثيرون من جميع الولايات يقصدون بني صاف للتجول بميناء صيدها الصغير، الذي يحكي كل ركن به حكايات للبحارة الذين اشتغلوا به، وممن لا يزالون، عن أنواع من الأسماك وكيفية اصطيادها خلال سنين مضت، وبكميات وفيرة جدا، خاصة الأسماك الزرقاء مثل السردين والأنشوفة التي كانت تعلب بمصانع تصبير وتعليب الأسماك الزرقاء، التي كانت النسوة والفتيات قديما يشتغلن فيها لإعالة عائلاتهن، في الوقت الذي يخرج فيه الرجال في رحلات صيد هذه الأسماك، مصانع كانت متواجدة بالقرب من ميناء بني صاف، كحي شاطئ البئر، ومدخل حي “الصقلة” مصانع كانت تشغل المئات من النسوة حينها، وكانت تسمى باسم “الصالاوار” وهو مصنع تصبير أسماك الأنشوفة التي تنظف وترتب في دلاء كبيرة وتضاف إليها كميات كبيرة من الملح لتصبيرها بهذه الطريقة التقليدية، ويتم تصديرها إلى الدول الأوروبية وخاصة إسبانيا، في حين كانت أسماك السردين والتونة، تعلب بمصنع التعليب بشاطئ البئر.
أما اليوم، فلم يتبق من هذه المصانع سوى الأطلال التي تبقى شاهدة على خيرات كبيرة من الأسماك كانت تجود بها مياه البحر لبني صاف، وبكميات كبيرة، جعلت ميناء الصيد لبني صاف ولسنوات يحتل المرتبة الأولى وطنيا، ليس فقط من حيث كونه أول ميناء للصيد بالجزائر، وإنما أيضا لكمية الأسماك التي كانت تتوفر به يوميا.

منتج الأحواض يدخل على الخط
أما اليوم، ولقلة المنتج السمكي بالبحر، وارتفاع أسعاره التي لم تعد في متناول الجميع، أصبح متاحا منتج سمكي توفره في أسواق بني صاف حتى باقي مدن ولاية عين تموشنت، أحواض تربية أسماك مياه البحر، كسمك “الدوراد” والصدفيات وبعض الأنواع التي يوزعها التجار على المسمكات، التي تعرف أسعارها انخفاضا محسوسا، مقارنة مع أسماك البحر، من جهة أخرى، تنوع هذا المنتج السمكي بنوع جديد من الأسماك، وهي تلك التي يتم تربيتها بأحواض السقي بالأراضي الفلاحية، أو ما يعرف بأسماك المياه العذبة، التي تعرف ارتفاعا مستمرا في الإنتاج خلال هذه السنوات الأخيرة، التي نجح فيها بعض الفلاحين ممن جربوا تربيتها وحققوا نجاحات معتبرة، وهو ما انعكس إيجابا على أسعارها في المسامك، خاصة سمك “التيلابيا” وسمك “البلطي” التي لا يتعدى سعرها 550 دج للكيلوغرام، كما أن طعمها لا يختلف كثيرا عن طعم أسماك مياه البحر كثيرا ولا يحتاج إلى تعقيدات في طبخه، وهو ما جعل عشاق الأسماك يضيفونه إلى قائمة الأسماك التي تبقى حاضرة على موائدهم خلال شهر رمضان.
ففي ذات السياق، عملت مديرية الصيد البحري وتربية المائيات لولاية عين تموشنت منذ بداية الشهر الفضيل على توفير كميات كبيرة من هذه الأسماك وأنواع أخرى مباشرة من المنتج إلى المستهلك ببعض نقاط البيع التي تم تحديدها مسبقا، وترقبا لقدوم هذا الشهر، الذي يعرف إقبال الكثير من الصائمين على شراء الأسماك التي لا يمكن أن تغيب عن موائدهم، وهي محضرة بلمسات تقليدية تارة وعصرية تارة أخرى، لتزيد من نكهة مائدة رمضان المميزة لعشاق الأسماك.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!