-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أحمدي نجاد يخلف نفسه

محمد قيراط
  • 2131
  • 0
أحمدي نجاد يخلف نفسه

أفرزت الانتخابات الرئاسية الإيرانية فوز الرئيس أحمدي نجاد بولاية ثانية بنسبة تفوق الستين بالمائة في ظروف انقسمت فيها إيران إلى قسمين قسم يبارك النتائج وأخر يقتحم شوارع المدن للإحتجاج والتشكيك في نزاهتها.

  • ماذا يحدث في إيران وماذا يجري؟ هل هو الإعلان عن سيطرة المحافظين على زمام الحكم ومواصلة التحدي الدولي من خلال الاستمرار في البرنامج النووي؟ أم أن الأمر يتعلق بمنعطف محدد وهام في تاريخ الجمهورية الإسلامية والذي يتمثل في استياء نسبة كبيرة من الإيرانيين من الطريقة التي تدار بها بلدهم؟ المتتبع للتطورات الأخيرة في إيران وخاصة دلالات فوز محمود أحمدي نجاد بكرسي الرئاسة وفوزه بالانتخابات الرئاسية الأخيرة في إيران وتزكية الناخبين الإيرانيين له يلاحظ مؤشرات ودلالات جسيمة وانعكاسات قد تغيّر مجرى الأمور في مستقبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية. فمن جهة نلاحظ سيطرة المحافظين ومرشد الجمهورية والبزار على مجريات الأمور السياسية والاقتصادية في البلاد، ومن جهة أخرى نلاحظ مقاومة الاصلاحيين للوضع الراهن واستياء شباب الثورة أو جيل الثورة في إيران مما يجري من حوله خاصة فيما يتعلق بالظروف المعيشية الصعبة وتعثر الآلة الاقتصادية والاصلاحات في مختلف مجالات الحياة. الشباب صبر كثيرا وانتظر كثيرا لكن المؤشرات الاقتصادية في إيران بقيت على حالها أو قد زادت تدهورا حيث أرتفعت نسبة البطالة كما أرتفعت نسبة التضخم، إضافة إلى اعتماد إيران في مداخلها على مبيعات النفط بالدرجة الأولى، والكل يعلم درجة تبعية أي اقتصاد يعتمد على مورد واحد.
  • ما يحدث في إيران هذه الأيام هو التعبير عن استياء شعبي كبير إزاء غلاء المعيشة والظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها الغالبية العظمى من الشعب في إيران. يحدث كل هذا ووعود الرئيس نجاد ومشاريعه لم تأت بثمارها، وواجهت مشاكل عديدة البعض منها موضوعي والبعض الأخر هيكلي تنظيمي، والجزء الآخر أيديولوجي سياسي. 
  • المشكل الرئيسي الآخر الذي يواجهه النظام الإيراني هو إشكالية الديني والدستوري في آليات الحكم وتسيير وإدارة شؤون البلاد وهذا هو جوهر المعضلة التي تعاني منها الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحتى الساعة مازالت المؤسسة الدينية ماسكة بزمام الأمور  ورافضة التخلي عن امتياز واحد من الامتيازات التي تتمتع بها. نظرا للتطورات المختلفة التي تشهدها إيران على الساحة المحلية والدولية ونظرا لمرور ثلاث عقود على الثورة الإيرانية، تجد الجمهورية الإسلامية الإيرانية نفسها أمام تحديات كبيرة جدا من أهمها الحاجة إبلى مؤسسات دستورية قوية لها صلاحيات ولها نفوذ ولها كلمتها في إدارة شؤون البلاد والعباد. المؤسسة الدينية في إيران ما زالت تدير الأمور وكأنها في سنة 1979 بداية الثورة وعهد آية الله الخميني، لكن جيل الثورة الذي وُلد معها وترعرع في أحضانها ينتظر الحريات الفردية وحرية الصحافة والفكر والرأي والممارسة السياسية وتوفر فرص العمل ومستلزمات المعيشة الكريمة والشريفة. هذه الظروف الصعبة والتحديات الكبيرة أدت بنسبة لا يستهان بها من الشعب الإيراني إلى رفض نتائج الرئاسيات الأخيرة ورفض استمرار أحمدي نجاد والمحافظين في الحكم ورفض سيطرة مرشد الثورة والبازار على مقاليد الحكم في إيران.
  • ما هي صلاحيات رئيس الجمهورية في إيران؟ المتأمل في الدستور الإيراني يجد أن المؤسسة التقليدية، المتمثلة في مرشد الجمهورية علي خامنئي، تسيطر على مقاليد الحكم بطريقة تامة وكاملة وسلطات الرئيس محدودة مقارنة بإمام الأمة وقائدها الروحي. فالإشراف للقائد أو الأب الروحي أما التنسيق والتنفيذ فلرئيس الجمهورية وهذا يعني أن رئيس جمهورية ينفذ ما يمليه عليه مرشد الجمهورية، وحتى دور التنسيق بين السلطات سُحب من الرئيس فيما بعد. وإضافة إلى الصلاحيات غير المحدودة التي يتمتع بها مرشد الجمهورية فإنه يشرف كذلك على العديد من الأجهزة الإستراتيجية والحساسة وبطريقة مباشرة مثل الأمن الداخلي والشرطة والمحاكم وحرس الثورة والإذاعة      والتلفزيون ووكالة الأنباء والقوات المسلحة. والأخطر من هذا، وحسب المحللين فإن المحافظين ومجلس المراقبة يعترضون على معظم القوانين والتشريعات والبرامج ليس لأسباب دينية كما يقولون ويدعون وإنما لأسباب سياسية. ونستنتج من كل ما تقدم أن جمهورية إيران الإسلامية أصبحت ما بعد الخميني نظاما شموليا تسيطر عليه المؤسسة التقليدية وتدبر ما يحلو لها وما يطيب وافق الرئيس أم لم يوافق وأن الديني هو كل شيء والدستوري عبارة عن ديكور لا أكثر ولا أقل، والقرار الأخير في نهاية المطاف يعود إلى المرشد.
  • المشكلة العويصة التي تعاني منها الجمهورية الإسلامية الإيرانية هذه الأيام ورغم ظهور رياح التجديد والتطوير والتأقلم مع معطيات القرن الحادي والعشرين والعولمة هي أن مرشد الجمهورية في إيران أعطى لنفسه صلاحيات لم ينعم بها أية الله الخميني نفسه، وهكذا أصبح النظام السياسي الإيراني اليوم أقرب إلى أي نظام شمولي يحكمه دكتاتور ينعم بكل الصلاحيات. ففي عهد الرئيس خاتمي كانت السلطة القضائية والسلطة التشريعية وجزء كبير من السلطة التنفيذية في يد المحافظين. فالصراع عنيف وخطير والمعطيات الإيرانية الحالية تعطي كامل الصلاحيات والوسائل والإمكانيات للمحافظين لقيادة السفينة السياسية في إيران.
  • الخاسر من هذه النزاعات الداخلية والصراعات بين مؤسستين مختلفتين تمام الاختلاف في الرؤية والتوّجه والطرح هو الجمهورية الإيرانية الإسلامية التي لم تعرف كيف تجد لها مكانة مرموقة في المنظومة الدولية منذ الحرب مع العراق. فالاقتصاد الإيراني تراجع كثيرا وتدهورت معه القدرة الشرائية ومستوى المعيشة حيث عانى الشعب الإيراني وما زال يعاني الكثير من جراء المقاطعة الأمريكية وتجميد مليارات الدولارات الإيرانية في البنوك الأمريكية والغربية. وإذا أستمر النزاع على حاله بين المحافظين والإصلاحيين، وإذا استمرت إشكالية الديني والسياسي بدون حل فإن حظوظ التغيير والتقدم والتطور والتخلص من رواسب الحرب مع العراق والصراع مع أمريكا وسياسة تصدير الثورة إلى الخارج، تبقى مترسبة في أجندة المؤسسة التقليدية.  
  • تزكية الرئيس نجاد في الاستحقاق الرئاسي الأخير وحصوله على ولاية ثانية يدعم سيطرة مرشد الجمهورية والمحافظين على مؤسسات الحكم في البلاد ويرشح الأمور إلى الاستمرار بالتراجع ما يصعد توتر العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ودول المنطقة. هل ستكون استمرارية المحافظين في الحكم مرحلة التأزم في العلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والعودة إلى عصر تصدير الثورة والنزاعات مع دول الخليج والعراق؟ حصول الرئيس نجاد على ولاية ثانية يؤكد أن سلطة ونفوذ المحافظين في الساحة السياسية الإيرانية ما زالت وستبقى وستستمر وستكون هي الفيصل في القرارات الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية. هل يستطيع المحافظون الاستجابة لمطالب الإيرانيين وخاصة فئة الشباب، التي تعاني من البطالة والتهميش؟ وهل يستطيع أحمدي نجاد تحقيق ما عجز عن تحقيقه في الولاية الأولى، أي تفعيل الاقتصاد وإدماج الشباب في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وحل المشاكل اليومية للشارع الإيراني من بطالة وتضخم ومشاكل اجتماعية وتوتر في العلاقات الدولية. وهل يستطيع أحمدي نجاح في ولايته الثانية تحقيق انفتاح براغماتي على العالم والتأقلم مع معطيات الألفية الثالثة؟ أم أن الأمور مرشحة للعودة للوراء، إلى عهد الصراع مع الآخر ومبدأ تصدير الثورة وتوتر العلاقات مع الغرب ودول المنطقة؟             
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!