الجزائر
منتهى السادية.. ضرب وكيّ وكسر للعظام

20 سنة سجنا لامرأة عذّبت ابنة أختها حتى الموت بوهران

خ. غ
  • 762
  • 0
أرشيف

عالجت محكمة الجنايات الابتدائية بمجلس قضاء وهران الثلاثاء، واحدة من أبشع الجرائم الجنائية في حق الطفولة والإنسانية، اللافت فيها أن الضحية ذات الخمس سنوات ونصف، المسماة “رتاج خليدة” تعد من ذوي أرحام الجانية التي هي خالتها، لكن الأخيرة لم تكن أبدا – حسب ملف قضية الحال – رحيمة ولا رؤوفة بالطفلة، وببراءتها وضعف جسدها النحيل، ولا حتى بقدرها القاسي الذي عصف بحقها في الاستقرار الأسري بعد انفصال والديها، لتتقدم الخالة المتهمة بطلب حضانتها على أساس انسحاب شقيقتها الأم البيولوجية للصغيرة من مسؤولية رعايتها، بل واختفاءها فجأة نحو وجهة مجهولة، ليكون لها ذلك من الجهة القضائية المختصة، قبل أن يثبت بعد أشهر معدودة من ذلك إساءة الخالة لذلك الحق.
وتكشف أطوار المحاكمة حجم تلك الإساءة التي عجلت بوفاة “خليدة” متأثرة بالكم الهائل من العنف وآلام التعذيب الجسدي والنفسي اللذين تعرضت لهما من محاولات خنق، عض، كسر، حرق، تخريب أظافر، ضرب ورطم متعمد على الجدار والأرض، إلى أن سلمت روحها إلى بارئها، مستسلمة لمصيرها المحتوم من كل ذلك التعذيب وأكثر، لتلقى في الأخير حتفها نتيجة تعرضها لنزيف دموي حاد على مستوى رأسها الصغير.

المتهمة يغمى عليها خلال الجلسة
وقد قضت محكمة الجنايات الابتدائية بمجلس قضاء وهران، الإثنين الماضي، في ختام محاكمة تخللها إغماء المتهمة الرئيسية المسماة (م. م) وإجهاشها لأكثر من مرة بالبكاء الشديد إلى حد النحيب، بإدانة هذه الأخيرة بالسجن 20 سنة، عن ارتكابها جناية الضرب والجرح العمدي المفضي إلى الوفاة دون قصد إحداثها، والتي راحت ضحيتها ابنة شقيقتها الطفلة (خ. رتاج خليدة) بعد أشهر قليلة من حضانتها لها، فيما حكمت بعام حبسا نافذا لجد الضحية المدعو (م. ج) عن تورطه في جنحة عدم تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر، وهي نفس التهمة التي استفاد فيها خالها المدعو (م. ن) من حكم البراءة.
وبحسب ما دار أثناء الجلسة، فإنه بتاريخ 10 مارس 2022 بحي الصباح في وهران، وبالضبط في حدود الساعة الحادية عشر صباحا، تلقت مصالح الأمن بلاغا من المستشفى عن وفاة الطفلة (خ. ر. خليدة)، نتيجة تعرضها لنزيف حاد في الرأس، وعليها آثار عنف جديدة وأخرى متوسطة الحداثة، إلى جانب ندوت لجروح وكدمات قديمة، وهذا على مستوى مناطق مختلفة من جسدها، ليتم من خلال التحريات الأمنية واستغلال تقارير سابقة لأطباء وأخصائيين نفسانيين تعاملوا مع حالة “خليدة”، التوصل إلى أن خالتها المسماة (م. م) هي المسؤولة عما آلت إليه صحتها من تدهور إلى أن سكنت أنفاسها إلى الأبد.

العنف حولها إلى جماد
وجاء في محاضر التحقيق تفاصيل ينفطر لها القلب وتدمع عليها العين عن الطرق التي كان يتم تعنيف الطفلة بها من ضرب مبرح بكل أشكاله وكذا قهر نفسي ترك وقعه في شكل اكتئاب على مزاجها الملون خارج إرادتها بالسواد، إلى أن تحولت إلى كيان جامد، بعد أن فقدت القدرة على التواصل والتفاعل الحسي والحركي مع من حولها، ومن ذلك عجزها عن الرد على أسئلة الأطباء في آخر تشخيص لحالة الانهيار والإغماء المتكرر الذي كان ينتابها منذ فترة قبل وفاتها، ناهيك عن معاينة انعدام النظافة الجسدية للضحية مما يفسر الإهمال الكلي لجانب الرعاية بها وهي في سنها الصغير جدا، وفق تقارير الأخصائيين المرفقة بالملف دائما.
أما المتهمة (م. م)، فقد أنكرت تماما عند مثولها أمام هيئة المحكمة علاقتها بما أصاب الضحية من أذى جسدي ونفسي، مصرحة أن الطفلة ومنذ أن تحولت إلى رعايتها بعد هروب والدتها من المسؤولية ومغادرتها البيت العائلي، تاركة وراءها ابنتها (خليدة) وطفل آخر تكفل بأمره والدها، لاحظت عليها أعراضا غير طبيعية، ومن ذلك كان يغمى عليها فجأة دون سبب واضح لتسقط أرضا، مما كان يعرضها لجروح وكدمات، كما أشارت أيضا إلى أنه سبق لها أن علمت من شقيقتها أم الضحية (م. ن) أن ابنتها تعرضت للسقوط من السلالم، وفي رواية أخرى سقوطها من شرفة بالطابق الثاني بحي الدرب، متمسكة بالقول أن كل تلك التقارير عن العنف دونت عن حالة (خليدة) عندما كانت تحت حضانة والدتها (م. ن)، فيما لم تنكر قيامها في بعض المرات بضرب الطفلة، الفعل الذي اعتبرته وسيلة تأديبية لها لا غير، عندما كانت تتبول أو تطرح فضلاتها على الفراش، مشيرة في المقابل إلى ظروفها الصعبة التي وجدت نفسها مثقلة بتحمل أعبائها بشكل تراكمي، بعد أن وجدت نفسها مطلقة وفي جوفها جنين بعد تجربة زواج لم تعمر أكثر من ثلاثة أشهر، إلى جانب وفاة والدتها، واضطرارها للتكفل برعاية باقي إخوتها، قبل أن تلقي شقيقتها بمسؤولية تربية طفلتها على عاتقها في غياب المورد المالي وقلة الحيلة والحاجة، وهي الظروف التي اعتبرتها رئيسة الجلسة مبررا واهيا، عندما كان يتعين عليها وضع الطفلة في دار رعاية الطفولة المسعفة بدل معاقبتها وتحميلها نتائج ضغوط ليس لها أدنى سبب فيها، خاصة أنها هي من سعت لإجراءات الحصول على حق حضانتها.
وكذلك نفى جد الضحية (م. ج) وأب المتهمة الرئيسية التهمة المنسوبة إليه، مصرحا أنه لم يلحظ مطلقا آثار تعذيب أو عنف على جسد حفيدته، وأن الضرب المبرح لم يمارس يوما داخل منزله ووسط أسرته، مشيرا بخصوص اتهامه بعدم مساعدة الطفلة عندما كانت في خالة خطر، بأنه على العكس هو من قام بنقلها إلى الطبيب بحي الصباح حال اتصال ابنته به وإخباره بأن صحتها ليست على ما يرام، أما ابنه (م. ن)، الذي اعتبرته المحكمة الشخص الوحيد الذي لم ينكر خلال التحقيق تعرض الطفلة للعنف، فقط صرح بأنه كان يسأل الضحية عن ذلك لكنها لم تكن ترد، وكلما استفسر الأمر من شقيقته، كانت تبرر له ذلك بأنه نتيجة سقوطها عندما تصاب بالإغماء المفاجئ.

أضرار لا يتحملها البالغون
لكن النيابة العامة لم تقتنع بتبريرات المتهمين، واستندت على ما تضمنه الملف من تقارير رسمية لأطباء وأخصائيين، منها تقرير سابق لأخصائية نفسية جاء فيها استنتاجها أن الخالة الحاضنة خطر على ابنة أختها، وكذلك توقع وكيل الجمهورية لدى محكمة الاختصاص وقوع الأسوأ للطفلة “خليدة”، بعد تحريك تقريرين طبيين عنها وقبل وفاتها لمصالح الضبطية القضائية للتحقيق في الأمر، خاصة أن أحدهما تضمن منح الطبيب الشرعي مدة عجز قدرها شهران لها، والثاني لمدة شهر واحد، وهي مدة قال عنها أنها تشير إلى حجم الضرر البالغ الذي لا يتحمله البالغون، بالإضافة إلى سرده أنواع التعذيب الذي كان مسلطا على الصغيرة، منها تعرضها لجروح وكدمات على مستوى الصدر، الرجلين، اليدين، الفخذين، شفتها السفلى، آثار ارتطام على سطح صلب على مستوى الرأس، نزيف سابق من عينيها، أثار خنق على رقبتها وحرق في أطرافها، كسر عظام، علامات تعرضها للعض بشكل وحشي على مستوى وجنتيها وظهرها، أظافر مخربة إلى غير ذلك.
وأشار ممثل الحق العام في سياق مرافعته أن كمية الأسف والأسى التي استقاها من دراسته لهذا الملف جعلته يتأثر بشدة وأكثر من قضية القتل العمدي التي عولجت قبل هذه المحاكمة، ليلتمس من المحكمة عدم الرأفة بالمتهمين، ولذلك إدانة المتهمة (م. م) بـ 20 سنة سجنا، وبـ 5 سنوات حبسا نافذا في حق باقي المتهمين.

مقالات ذات صلة