الرأي

14 دويلة عربية جديدة في الأفق

حسين لقرع
  • 6349
  • 13

نشرت جريدة “نيويرك تايمز” الأمريكية مؤخراً خارطة لافتة للانتباه، وتبعث على التخوّف والتوجس، لأنها ببساطة تتعلق بإعادة تقسيم 5 دول عربية إلى 14 دويلة جديدة.

الدول المعنية هي ليبيا وسوريا واليمن والعراق والسعودية؛ أي الدول نفسها التي عرفت موجة “الربيع العربي”، أو تعرضت للاحتلال الأمريكي، أو تتحالف مع أمريكا كالسعودية، حيث لم يمنعها تحالفها مع أكبر قوة في العالم، على حساب القضايا العربية المصيرية، من تفكير الولايات المتحدة والغرب في تقسيمها إلى 5 دويلات هزيلة.

ومن خلال نظرة خاطفة في خريطة الدويلات المراد إنشاؤها، يمكن الاستنتاج بسهولة أن التقسيم سيتم على أسس عرقية وطائفية، كما هو الحال في العراق وسوريا والسعودية، وعلى أسس مناطقية جهوية في ليبيا واليمن، وبمعنى آخر، فإن الغرب يشتغل بكثافة على العوامل الطائفية والعرقية والمناطقية لإعادة تقسيم المنطقة العربية إلى عشرات الدويلات بدل 22 “دولة” التي رسم حدودَها الاستعمارُ الحديث، والبداية بخمس دول عربية، حتى إذا ما نجحت التجربة في تفتيتها وإضعافها، جاء دورُ بقية الدول ليُعاد تقسيمُها بدورها، واحدة واحدة، وباستغلال نفس العوامل أيضاً؛ أي الخلافات المذهبية والطائفية والعرقية والمناطقية.. حيث سيعمل الغرب على تأجيج الصراعات والضرب على وتر الخلافات والاحتقانات والتشجيع على بروز النزعات الانفصالية لمختلف المجموعات العرقية أو الطائفية أو الجهوية، والتدخل عسكرياً إذا لزم الأمر تحت غطاء “حماية الأقليات” لتمكينها من الانفصال عن الدول الأم وإقامة دويلاتها الخاصة، وفي المحصّلة سيصبح لدينا نحو 58 دويلة عربية بدل الدول الـ22 الحالية، بحسب أنباء نُشرت منذ نحو عامين.

الغربُ يعمل فيما يبدو على إعادة صياغة اتفاقية “سايكس بيكو” التي وُضعت في عام 1916، وتجسيد”الشرق الأوسط الجديد” الذي بشرت به أمريكا فور احتلال العراق في 2003، وقد أسمته “نيويورك تايمز” في تقريرها المثير بـ”الشرق الأوسط الحديث؟” وكأن الشرق الأوسط الحالي، “قديم” ولابدّ من تجاوزه.

تحدث كل هذه المؤامرات والمخططات الخطيرة، في حين عجزت أنظمتنا الاستبدادية الجاثمة على صدور الشعوب كالكابوس الفظيع الذي لا ينتهي، وكذا نخبُنا العربية، حتى عن فتح نقاش عن تقرير هذه الجريدة الأمريكية الشهيرة التي يبدو أنها “لا تنطق عن الهوى” بل يوحي إليها البيتُ الأبيض ما تقوله، فقد مرّ التقرير في صمت؛ لا نقاش ولا ردود أفعال ولا هم يحزنون.

والأخطر من هذا أن الاصطفافات الطائفية والمذهبية تتكرس والانقسامات العرقية تترسخ، والفتن الجهوية تطل برأسها في شتى البلدان العربية، وإعلام التحريض لا يملّ من الترويج لفكرة تقسيم سوريا إلى “دولة” للعلويين وأخرى للأكراد وثالثة للسنة، كأحد المخارج المحتملة للأزمة الحالية بعد العجز عن إسقاط بشار، وعن تقسيم العراق إلى”دولة” للشيعة وأخرى للسنة وثالثة للأكراد كمخرج لحمام الدم الطائفي بالبلد.. هذا الإعلامُ الرخيص هو أحد أكبر المتسببين في تعميق الخلافات الطائفية والمذهبية والعرقية التي تعاني منها الأمة العربية والتي باتت تهدد وحدة بلدانها الحالية في الصميم وتنذر بتقسيمها، وحتى العلماء والفقهاء باتوا يسيرون كالمنوّمين مغناطيسياً نحو الاصطفاف الطائفي والمذهبي عوض أن يواصلوا مساعيهم الحميدة إلى جمع شمل الأمة الإسلامية وتوحيد كلمتها ورصّ صفوفها ونبذ التشرذم والتفرقة.. وفي ظل كل هذا يجد الغربُ مناخاً خصباً جدا ينفذ به خطته التقسيمية الخطيرة التي ستزيد العربَ وهناً وتفككا وتشرذما وضياعاً ويخرج منها الكيان الصهيوني أكبر منتصر. فهل تستفيق الضمائرُ قبل فوات الأوان؟

مقالات ذات صلة