الرأي

يا نسورنا الأبابيل: احذروا أحابيل إسرائيل!

عبد الرزاق قسوم
  • 1017
  • 0

قد سلمنا –علم الله- بحقيقة أن المقاومة الفلسطينية، بقيادة كتائب القسام، قد أدارت بكل حنكة وبراعة، معركة النزال السياسي والعسكري مع العدو الصهيوني المحتل.
فقد أسقطت القناع عن وجهه البشع، وأبانت عن نتن رمته في بطن الأرض، ونتن أعماله على ظهر الأرض، كما يقول المفكر مصطفى صادق الرافعي (وحي القلم، ج2، ص217).
كما أفشلت كل مخططاته الإبادية الوحشية، فتصدت له في الميدان العسكري، وتركت قواته تلعق جراحها، وعلى الصعيد السياسي عزلته، وألحقت به شتى أنواع الأحكام والعقوبات.
وبالرغم من هذا كله، فإن في الصهاينة غريزة ظلم، وفسق، وعنصرية، متصلة بالشيطان لا يبرأون منها، فكلما تحطمت مكيدتهم على صخرة الإباء الفلسطيني، عاودوا الكرة باستنساخ غيرها، لتحقيق أغراضهم التوسعية الدنيئة.
ذلك هو ديدنهم منذ ابتليت الأرض بمكرهم، فهم لا يرقبون في مؤمن إلًّا ولا ذمة، قوم لا أمان ولا إيمان لهم، وقد حذرنا القرآن من غيّهم وبطشهم، فقال: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾[سورة المائدة، الآية 82]، وقال في آية آخرى: ﴿أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾[سورة البقرة، الآية 99].
لذلك وجدنا أن الصهاينة، كلما باءوا بالفشل على صعيد النزال، لجأوا إلى المناورات والأحابيل، في محاولة منهم، لأخذهم باليسار ما ضيّعوه باليمين، وأعانهم على ذلك حلفاؤهم الذين يمدّونهم بالغيّ، ويدعمونهم بالزاد والعتاد.
وفي هذا السياق، جاءت هذه الأحابيل التي تُنصب، والفخاخ التي تُضرب، للإيقاع بالمقاومة، أحيانا باسم الترهيب، وأخرى باسم الترغيب، ولعل آخر هذه المخرجات المسرحية، ما خرج به على العالم الرئيس الأمريكي المنتهية عهدته، من تسويق وترويج لمبادرة، قال عنها إنها مبادرة إسرائيلية.
ومما لوحظ على هذه المبادرة ضعف النص، وسوء الإخراج، وإلا فكيف تكون المبادرة إسرائيلية ويتصدى لها النتن ياهو، ليقول عنها إنها ضعيفة ومرفوضة من إسرائيل؟
ثم ما معنى أن يلحَّ القادة الأمريكيون على حماس، مطالبين إياها بقبول المبادرة، والدخول في مفاوضات، في الوقت الذي يضاعف الصهاينة فيه من عدوانهم الهمجي على المدارس، والمستشفيات، والمنازل الآمنة، موقعين فيها أفدح الخسائر والضحايا من النساء والأطفال؟
يحدث هذا كله، في وقت تخرج المبادرة فيه، من جهة غير محايدة، بل ومنحازة، متحدية الرأي العام العالمي، والمؤسسات الأممية والقانونية، التي حكمت بتورط العدو الصهيوني في جرائم الحرب، من قتل الأطفال، والنساء، والعزل المدنيين.
وما معنى أن تكون المبادرة إسرائيلية، ويتولى الترويج لها الرئيس الأمريكي، وتتصدى لها السلطة الصهيونية المعتدية، بالحكم ببطلانها، والإعلان عن عدم قبولها؟
ولا يكتفي حلفاء إسرائيل بخرق الحياد، بل إنهم يعلنون، وبكل تبجح، أن إسرائيل غير متورطة في الجرائم، وإنها يحق لها “الدفاع عن نفسها”، وهي المحتلة المعتدية، ضد الإقليم الفلسطيني المحتل والمعتدى عليه، أي منطق هذا؟ وأي حكم سياسي أو أخلاقي، يمكن التسليم به؟
لقد تبين لكل ذي عقل، وبكل بداهة، أن المستوى السياسي قد انحط في قضية غزة، ولم يعد له أي سند أخلاقي أو قانوني يدعمه، ذلك أن الإنسان، يصاب بالغثيان، عندما يلاحظ السقوط، على أعلى مستوى سياسي، بالترويج لسياسة حكم بعقمها الطالبُ في معهده، والعامل في مصنعه، والفلاح في حقله، وربة البيت في مطبخها، وجهلها أو تجاهلها الرئيس في ديوانه.

كيف تكون المبادرة إسرائيلية ويتصدى لها النتن ياهو، ليقول عنها إنها ضعيفة ومرفوضة من إسرائيل؟ ثم ما معنى أن يلحَّ القادة الأمريكيون على حماس، مطالبين إياها بقبول المبادرة، والدخول في مفاوضات، في الوقت الذي يضاعف الصهاينة فيه من عدوانهم الهمجي على المدارس، والمستشفيات، والمنازل الآمنة، موقعين فيها أفدح الخسائر والضحايا من النساء والأطفال؟

وهل يصح من الوسيط الذي يريد أن يفض نزاعا، أن يوجه نقدا لاذعا لقاضي القانون الدولي مطالبا بإدانته؟
وهل يعقل أن يُدْعَى المجرم الذي أجمع كل العقلاء على جرائمه، إلى الكونغرس الأمريكي لإلقاء خطبة أمام نوابه؟
من هذه المنطلقات، وفي ضوء هذه المعطيات كلها، نهيب بنسورنا الأبابيل، من باب ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾، أن يزدادوا نباهة لحبائل الصهاينة وحلفائهم؛ متمثِّلين قول الله تعالى: ﴿فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾[سورة محمد، الآية 4].
إن القضية الفلسطينية، لم تحقق طيلة تاريخها، ما حققته اليوم، سواء على الصعيد العسكري، أو على الصعيد السياسي، وذلك بشهادة العدو قبل الصديق.
عشرات الآلاف من الشهداء، وعشرات الآلاف من المنازل، والمدارس، والمؤسسات، والمستشفيات التي هدمت، والملايين من المشردين الذين هجِّروا، وروِّعوا، كل هؤلاء دماؤهم في ذمة المقاومة، بل وفي ذمة كل عربي وكل مسلم، وبالتالي فلا مجال للتسوية إلا بتحقيق الثوابت الأساسية، وهي:
1- البدء بالانسحاب الكامل للعدو من غزة، قبل إطلاق سراح أي أسير، كتعبير عن الحد الأدنى من الجد في الإقبال على التسوية.
2- التعهُّد بضمانات دولية، بعدم العودة إلى العدوان، بعد معاهدة وقف القتال قبل إطلاق أي أسير.
3- التأكيد من المقاومة، على أن عهد “غصن الزيتون” قد ولّى، وأن معاهدات أوسلو قد نُسخت، وطمست بدم.
فما اليوم يوم البائعين مدادهم اليوم يوم الباذلين دماء
4- إن مصير غزة، أمر فلسطيني بحت، ليس لأي أحد غير الفلسطينيين، التدخل فيه أو البتّ في مستقبله.
5- إن حماس، التي قادت ولا تزال تقود المعركة بنجاح في غزة، والضفة الغربية، وفي القدس، عنصرٌ أساسي في تقرير مصير فلسطين.
6- الانتهاء من لوك المصطلحات المظلومة كـ”السلطة الفلسطينية” وغير ذلك، فهذا مما عفا عليه الزمن، وبات في حكم الماضي القابر.
ينبغي الإقدام بكل شجاعة وبسالة، على إعادة بناء الدولة الفلسطينية، الكاملة السيادة، ولو على شبر واحد من أرض فلسطين، حتى يتاح استكمال بقية الأرض.
هذا مع التأكيد على ضرورة محاسبة المجرمين، من قتلة الأطفال والنساء، والعُزّل المدنيين، من المحاكم الدولية، حتى ينالوا القصاص العادل الذين يستحقونه.
إن هذا لا يعني أننا نستخفُّ بقيادة المقاومة، والنخبة المتميزة في فلسطين، والمنتشرة في كل أنحاء العالم، فنحن ندرك أن الحنكة، والقدرة، والشجاعة، هي التي مكنت من تحقيق هذا النصر العظيم رغم هول الخسائر، وفداحة التضحيات، ولكن لابد لكل غال من ثمن، واطلب الموت، توهب لك الحياة.

فيا نسورنا الأبابيل!
إننا، إذ نهنئ أنفسنا على ما حققتموه من نصر مبين، في جميع الميادين، فإننا نشد على أيديكم، مطالبين بمزيد من الثبات، والاستبسال، فالعدو الصهيوني قد خارت قواه، وخاب مبتغاه، وهو اليوم يخبط خبط عشواء، شأن من يعاني حرارة الموت، فهو يتخبط ذات اليمين وذات الشمال، ولكن النهاية قد قربت “وشهد شاهدٌ من أهلها”.
وسيكتب النزهاء، والمنصفون من المؤرخين، أن فلسطين في عهد كتائب القسام، قد جمعت كل معالم النصر والتفوُّق، فإضافة إلى البسالة، والشجاعة، والحنكة، والدهاء، أضافت إلى ذلك، التخلُّق بالقيم، ومراعاة الحفاظ على الذمم، وتهذيب الخطاب السياسي الموجه إلى الأمم، مما أكسب هذا الحشد العالمي، وهذه الهبّة العالمية، التي قاسمت الفلسطينيين الأمل والألم.
وإنه لجهاد، إما نصر، وإما استشهاد.
﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾[سورة المجادلة، الآية 21].

مقالات ذات صلة