الجزائر
جواهر الشروق في ضيافة البطلة الجزائرية العالمية سكينة بوطمين

وفاة والدي كانت الفيصل في اتخاذي قرار حفظ القرآن وتعلم أحكامه

كريمة خلاص
  • 22509
  • 38
جواهر الشروق
صحفية الجواهر تحاور البطلة العالمية سكينة بوطمين

بمحبة وإخلاص قطفنا هذه الكلمات وبأمانة ننثرها لنكشف عن جانب خفيّ في حياة عملاقة جزائرية وقامة يعجز القلم عن توصيفها ..إنّها سكينة بوطمين ..ليست البطلة الرياضية التي أسالت الكثير من الحبر وإنّما هي بطله في كل ما تقوم به بنجاح… أردنا الكشف عن الوجه الخفي الذي رفضت التحدث عنه- لولا إلحاحنا الشديد- سكينة بوطمين هي أستاذة متطوّعة قديرة في تعليم القرآن وأحكامه وضوابطه بمسجد الجهاد الأكبر بحي الينابيع في القبة ومتطوّعة نشيطة جدا في المجال الخيري بكل أشكاله، حتى أنها لا ترضى إلا أن تنظف وتجهّز المسجد بنفسها صباح كل جمعة قبل توافد المصليات.

ـ بداية.. كيف تقيّم سكينة مسيرتها الرياضية؟

أعتبر مسيرتي الرياضية مقنعة أو على الأقل أنا راضية عنها، بالنظر إلى السن الذي بدأت فيه مساري الرياضي والإمكانيات التي كانت مسخّرة في ذلك الحين وكذا بالنظر إلى العادات والتقاليد التي كانت مسيطرة على المجتمع آنذاك، إذ كان من الصعب جدا أن تمارس الفتاة الرياضة، ورغم ذلك تحديت- إن صحّ التعبير- مجتمعي وولجت عالم الرياضة الذي كلّلت فيه مجهوداتي بالنجاح.

ـ مالذي أحدث التغيّير في حياة سكينة وجعلها تتوجه نحو حفظ القرآن والتفقه في دينها؟

وفاة والدي رحمه الله كانت الدافع الرئيسي في اتخاذي قرار تعلّم القرآن وحفظه .. عند موت والدي سنة 1998 هناك عادة متأصلة في أسر الجزائريين وهي قراءة القرآن على الموتى من أهل الميت والمقربين له دون أجر فكان عمّي الذي تجاوز السبعين من العمر يقرأ القرآن بطلاقة  دون النظر إلى الكتاب بينما كنت أنا أقرأ من الكتاب بصعوبة شديدة وأرتكب العديد من الأخطاء، وفي تلك اللحظة بالذات قرّرت حفظ القرآن وكنت دائما أؤمن بالآية الكريمة ” …  ” ولقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مذّكر”، فلو لم يكن تعلم القرآن أمرا يسيرا لما أخبرنا الله بذلك.

عموما، الجزائري لدية نواة دينية متجذّرة وكل الأسر تحرص على تعليم أبنائها المبادئ الأخلاقية والدينية، كالصوم والصلاة والزكاة والأمانة والصدق وغيرها يجب فقط أن نبذل المزيد من التحفيزات من أجل تنميتها وتوجيهها المنحى الصحيح، وعلى الرغم من البذرة الطيبة هذه، إلا أنّ أغلب الأسر تجهل فضل قراءة القرآن وتعلّمه وبأنه أمر ديني ضروري وهذا ما كان ينقص الوالدين سابقا، لأن الأمية كانت متفشية وضاربة أطنابها..حاليا الأمهات لهن دور ايجابي في تعليم أبنائهم أصول الدين وحفظ القرآن إذ يحرصون على إرسال أبنائهم إلى المساجد في سن الثالثة من العمر، ومن هنا تكوّنت قناعتي بأننا عاجلا أم آجلا ملزمون بتعلم ديننا.

ـ ألم يكن ذلك مجرد قرار اتخذته في لحظة حزن صعبة؟

لا..أبدا.. فمن الميزات الأساسية التي اتسم بها وأعرف بها أنني إذا اتخذت قرارا لا أرجع عنه أبدا وهنا أفتح قوسا صغيرا استشهد به على ذلك هو قرار في ممارسة الرياضة فعندما قررت ذلك لقيت معارضة شديدة من قبل أهلي الذين رفضوا جملة وتفصيلا انضمامي إلى عالم الرياضة، الأمر الذي اعتبروه تمردا على العادات في المجتمع لكن إصراري وعزمي كانا أقوى من كل شيء وهو ما كلّفني مقاطعة لأهلي لمدة 5 سنوات بقيت خلالها مختفية عنهم عند خالتي وبعدها عند عمتي الذين كانوا يتربصون بي لولا أنهم اقتنعوا فيما بعد بالنجاح الذي وصلت إليه وبتشريفي للجزائر في المحافل الدولية، بل وباتوا يفتخرون بي.

..وهنا تبكي سكينة لشدّة انفعالها.

أعود إلى قرار تعلمي القرآن وأقول في البداية بدأت أقرأ وحدي، لكنني لم أحقق القراءة الصحيحة ..بعدها أصبحت أداوم على صلاة الجمعة في المسجد وقد جذبني في ذلك صوت الإمام فقد كان يلقي الخطبة برهبة وتأثير بالغين ومنذ ذلك الحين واضبت على الصلاة في المسجد…

ـ كيف كانت انطلاقتك في مجال تعلّم القرآن؟

في البداية كنت أجهل أن للقرآن أحكاما وكنت أقرأه وأحاول حفظه بعيدا عن تلك الأحكام، لكن تردّدي على المسجد جعلني أكتشف أن للقرآن ضوابط يجب على القارئ  إتباعها وبفضل الله تعالى وجدت سهولة كبيرة في الحفظ .. لم أكن أعرف أيضا، أن في القرآن قراءات مختلفة وفي البداية بدأت القراءة من مصحف حفص.. بلغت حوالي 30 حزبا وأعدته مرة أخرى برواية ورش.. الرواية المتداولة والمعتمدة في بلادنا، وجدت بعض الصعوبة، لكنني تجاوزت الأمر بإعانة من الله.

ـ كم استغرقت من الوقت لختم القرآن الكريم؟

استغرقت سنتين لأختم القرآن، وقد شجّعتني كثيرا ،في المواضبة على الحفظ، الأمهات الأميات وكنت دائما أقول في قرارة نفسي.. كيف بهن هن اللواتي لا يجدن القراءة والكتابة يحرصن على تعلم أمور دينهن وأنا التي أنعم الله عليها بالعلم والصحة لا أستغل ما منّ به الله عليّ من نعمة في تعلم دينه ..لقد كانت الأمهات  بمثابة المحفز الدائم المجدد لعزيمتي، كلّما وجدتهن في المسجد لا يتأخرن عن الحضور بردا ولا شتاء.

في البداية بدأت التعلم إلى جانب بعض الأخوات وكان هنالك فوج يفوقنا مستوى يعلمهن الإمام أحكام القراءة…وكنت دوما أحاول الاستماع إليهن لتصحيح أخطائي، إذ كنت أنا في فوج مبتدء أغلب المنتسبين إليه مفرنسين، وبما أنني كنت الوحيدة المعربة بينهن كنت أساعدهن على النطق الصحيح للكلمات والوقوف الجيد على حركاتها- بتوجيه من إمام المسجد- وكنا نتدارس بيننا الكثير من الأمور إلى أن حققت بفضل الله نجاحا في ذلك ومن ثم أصبحت أدرّس الأحكام في نفس المسجد الذي تعلمت فيه القران وها أنا اليوم بعد حوالي 13 سنة لا زالت تربطني علاقة روحية بهذا المسجد ولا أستطيع أبدا مفارقته رغم أنني غيّرت إقامتي وانتقلت من الحي.

ـ مالذي أضافه الحجاب لسكينة؟

ارتدائي للحجاب أكسبني وقارا، لم أكن أملكه من قبل، واحتراما إضافيا من قبل العامة قبل الخاصة، لا أنسى أبدا عندما كنت أذهب لأشتري من عند الباعة فيسبقون بي قبل الأخريات، وينتقون الجيد لي دائما.. الحجاب أيضا منحني إصرارا على أن أحفظ القرآن وأجيده بأحكامه .. طبعا هناك الكثير من الأهل والأصدقاء وحتى الزملاء استغربوا التغيير الذي حدث لي، كيف بي أتحوّل من الشورت إلى الحجاب فجأة.. لكن الله وحده القادر على ذلك، كما أنني اقتنعت بأن الحجاب فرض لا بد من ارتداءه،  مثله مثل الصلاة والصوم.

ـ ألا زالت سكينة تمارس الرياضة إلى اليوم؟

أجل.. لا زلت أمارس الرياضة لكن على مستوى ضيق جدا ..لا توجد هناك مرافق مهيئة كما انّ التزاماتي زادت نوعا ما.

ورغم ذلك أحاول تسجيل حضوري وأشارك بحجابي في العديد من المسابقات والمنافسات الوطنية الاجتماعية من ذلك مشاركتي في 8 مارس في سباق للعدو بمدينة سطيف وقد استطعت الجري لحوالي 8 كلم، بالإضافة إلى العديد من المنافسات الاجتماعية الأخرى كالاحتفال باليوم العالمي للسكري أو السيدا إذا ما اقترنت بتنظيم حدث رياضي ما ..ولا أجد أيّ تعارض بين ارتداء الحجاب وممارسة الرياضة فالحجاب لم يكبح أبدا ذلك.

ـ هل استطاعت سكينة التأثير في أشخاص آخرين سيما الرياضيين منهم؟

أصدقك القول أنني  وضعت الحجاب لنفسي ولم تكن نيتي أن أصبح قدوة لغيري فقد التزمت به لطاعة ربي لا غير، لكن لا أخفيك أنني أرغب في أن تتأثر أسماء وقامات رياضية بي، وأحس أن عليّ مسؤولية لجذب بعض من يحمل أفكار غالطة عن الحجاب فكثيرات من الرياضيات على قدر من الالتزام والأخلاق، لكنهن غير متحجبات ويعتقدن أن الحجاب حاجز أمام تطوّرهم وتقدّمهم في الحياة الرياضية…أتمنى أن تتغير أفكارهن…هناك أخوات رياضيات في ألعاب القوى وبطلات في الرياضات الجماعية يرتدين الحجاب …ولنا في الدول العربية نماذج كثيرة مثلا الفريق المصري لكرة الطائرة جل اللاعبات به متحجبات.

ـ هل تحنّين إلى أيام الشهرة وعالم الأضواء؟

تحجّبي كان نابعا عن قناعة راسخة وأبدا لم يراودني الندم على ذلك.. ولم اشعر ان حجابي والتزامي حرمني التمتع بحياتي فلحد ولحدّ الآن أحتفظ بعلاقاتي مع الكثير من الرياضيين ونلتقي في العديد من المناسبات،  ولا زلت أمارس مهامي كما سابق عهدي.

ـ لوعادت بك الدنيا إلى الوراء هل ستختارين نفس المسار؟

تجيب دون تردد ” لا أبدا لن اختار الرياضة مجددا.. صدقيني لست نادمة على أي شيء فعلته،  فمساري الرياضي وحياتي لا غبار عليهما،  لكن فقط لن أختار الرياضة لأن عمل الدنيا يجب أن يكون عملا وتحضيرا فعليا ودائما للحياة الأبدية…وجدت في المسجد راحة البال وبفضله أنا دائما في علاقة مع الله… شعرت أن الرياضة ضيعت لي الكثير من الوقت كان بإمكاني استغلاله في أمور أكثر أهمية لي ولمجتمعي.. صحيح أنني شرّفت بلدي ورفعت رايتها عاليا، إلا أنني كنت أتمنى لو أنني تفقهت في أمور ديني أكثر.

ـ لو لم تكن سكينة رياضية ماذا كانت ستكون؟

تبتسم وتصمت قليلا ثم تجيب.. لو لم أكن رياضية لكنت أستاذة في الشريعة الإسلامية.

ـ ماهو الشيء الذي لم تحققه سكينة في حياتها وتتمناه فعلا؟

أمنيتي الوحيدة أن أكون منظمة للحجاج في منى، لأن فيها فوضى كبيرة في الإقامة من الجانب التنظيمي، أتمنى لو أنني أستطيع تغيير هذا الواقع وتوفير إقامة محترمة للحجاج أملك الكثير من الأفكار  لتحسين هذا الواقع المرير من خلال إجراءات بسيطة جدا تحفظ للحاج كرامته.

…أثناء آدائي لمناسك الحج سنة 2011 رأيت الحجاج ينامون في أوضاع غير لائقة والأوساخ من حولهم .. وقد تحوّلت إلى عاملة نظافة لا أستطيع رؤية الأوساخ والروائح الكريهة من حولي…

قالت على الهامش..

حزينة جدا لسرقة مصحفي الأوّل مني

  سرق منّي مصحف عزيز عليّ كان ارتباطي به شديدا فهو مصحفي الدائم الذي بدأت فيه تعلم القران وكان رفيقي دوما أينما ذهبت.. حزنت حزنا شديدا عليه ولم يهمني ما ضاع مني معه من مال أو أشياء ثمينة بقدر ما حزّ في نفسي فقدانه ..ليت من أخذه أعاده أو يعيده إليّ .

لا أقوى على مغادرة المسجد الذي تعلمت فيه القرآن وأدرّس فيه الآن

  رغم أنّني حققت هدفي وحفظت القرآن إلاّ أنني بقيت في المسجد منذ سنة 2000 ولم أغادره إلى اليوم وتحوّلت من  طالبة علم الى مدرسة فيه .. أردت من خلال ذلك أن أطبق ما أوصانا به الرسول الكريم عن تعلم القرآن وتعليمه .. كما أن الحسنات التي يمكن أن أحصل عليها من القرآن ليست بالقليلة.

الوسط الرياضي أفضل مكان لتربية الأطفال

  الرياضة والوسط الرياضي أفضل مكان لتربية الأولاد وتحصينهم من مختلف الموبقات والانحرافات، فما يوجد من التزام وتربية وحرص في النوادي الرياضية والمنتخبات قد تفتقر إليه العديد من الأسر والآباء، فالمدرب وهو الذي كان يسمّى من قبل بالمربي يعد الأب الحقيقي للاعبين …وأذهب أبعد من ذلك حين أقول أن الرياضة هي القطاع الوحيد الذي لم تسجّل به أي جريمة أو اعتداء أخلاقي أو اغتصاب… على عكس العديد من القطاعات الأخرى مثل المدارس أو الجامعات التي كانت مسرحا لكثير من الجرائم.

مقالات ذات صلة