-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
حضر بقوّة في حفلات نهاية السنة الدراسية للابتدائي

“هندام” تخرج التلاميذ.. ظاهرة جديدة بين الاستياء والترحيب

نادية سليماني
  • 1418
  • 0
“هندام” تخرج التلاميذ.. ظاهرة جديدة بين الاستياء والترحيب
أرشيف

بات ثوبُ التخرج الخاص بالدكاترة والباحثين والقضاة، منتشرا على نطاق واسع عبر مدارسنا وجامعاتنا، لدرجة فاجأنا بها تلاميذ الطور الابتدائي وحتى الحضانة لارتدائه في حفلات نهاية السنة الدراسة. والظاهرة التي لقيت استحسان الكثير من العائلات التي سارعت لخياطته أو “كرائه”، لقيت استياء فئة أخرى، لغلاء هذا الثوب، وأيضا لأنه دخيلٌ على عادات مُجتمعنا الجزائري.
بعدما كان تلاميذنا خاصّة في الطور الابتدائي يحضرون حفلات نهاية السّنة بملابس تقليدية جميلة، تعكس أصالة المُجتمع الجزائري الضّاربة في أعماق التاريخ، تفاجأنا بهم ينجرّون بدورهم إلى موجة تقليد ارتداء ثوب التخرج، فحضر به غالبية تلاميذ الطور الابتدائي عبر كثيرٌ من مدارس الوطن.
بينما فضّل تلاميذ مدارس أخرى، صنع الاستثناء بارتداء ثياب معينة، وهو ما عاشته ابتدائية بولاية جنوبية، بحيث حضرت جميع تلميذات السنة الخامسة بحجاب موحد اللون، في مبادرة بين الأولياء والأساتذة.
ورغم أن هذه الثوب الأحمر والأسود ذو الطربوش، يرتديه في الأساس الباحثون والدكاترة والقضاة والمحامون، وهو أصلا من تقاليد المجتمعات الشرقيّة والغربية ولا علاقه لنا به، ومع ذلك انتشر بشكل رهيب في مجتمعنا، لدرجة ظهرت ورشات خياطة مُخصّصة لتفصيله وخياطته.
واستحسن الكثير من الأولياء الفكرة، وباتوا يشترونه أو يؤجرونه لأولادهم، لكنّ فئة أخرى رأت في الأمر مُبالغة غير منطقية، كما أنه استنزاف لجيوب العائلات المتوسطة والفقيرة، لأنّ ثمن الثوب لا يقل عن 3 آلاف دج، وتأجيره بـ2000 دج فمن أين لهم بهذا المبلغ؟ وهو ما جعلهم يحملون المسؤولية لبعض الاساتذة الذين أجبروا تلاميذهم على الحضور بثوب التخرج في حفلة نهاية السنة الدراسية 2024، بحسب ما صرّحت به إحدى الأمهات.

المجلس المستقل لأساتذة الطور الابتدائي يستنكر
ولية تلميذة تدرس بابتدائية عبد القادر عبد القادر ببلدية درقانة، أشارت إلى أن أستاذة ابنتها طلبت من جميع تلاميذ قسمها ارتداء ثوب التّخرج في حفلة نهاية السنة الدّراسية الحالية، وهو ما حصل، بحيث أجّرته محدثتنا بمبلغ 2500 دج من محل ببلدية برج البحري بالجزائر العاصمة، رغم أنها أرملة وتشتغل عاملة نظافة، ولا يكفيها مرتبها لسد متطلبات أولادها الأربعة، بحسب قولها.
بينما يستنكر أولياء إجبار أولادهم على ارتداء لباس ليس من عادات وتقاليد المجتمع الجزائري، بحيث شبه أحدهم في حديثه مع “الشروق” ثوب التخرج بـ”لباس الرّهبان والقساوسة”.
وفي الموضوع، استهجن المجلس الوطني المستقل لأساتذة التعليم الابتدائي، وهي نقابة قيد التأسيس، ما وصفوه بـ”مهزلة” لباس التخرج في الطور الابتدائي، معتبرا ما يحدث في منشور له أنه “تفاهة يتم تقليدها”. وشددت النقابة على أنه لا يحقّ للأساتذة “إجبار التلاميذ على ارتداء طقم أو لباس مُعين، لأنها تسبب حرجا للأولياء ذوي الوضعية الاجتماعية المتوسطة أو الفقيرة، وتُكلفهم فوق قُدراتهم”.

الطقم قد يسبّب تفرقة وعنصرية في الوسط التربوي
وفي هذا الصدد، اعتبر الخبير التربوي، أحمد عيساني، أن موضوع ثوب التخرج الذي بات يثير جدلا في مجتمعنا مؤخرا فيه جانبان، الأول، أن هذا الموضوع ومن كثرة الحديث عنه في مجتمعنا وعبر التواصل الاجتماعي، جعل الأشخاص “يهملون أمورا تربوية أهم بكثير، ومنها التركيز على إصلاح الإشكالات التربوية والرقي بالمدرسة، ومناقشة أسباب الفشل في الامتحانات.. وغيرها كثير”.
وبحسبه، البعض يستحسن هذه الظاهرة، بمبرر إدخال الفرحة على قلوب صغارهم بمناسبة نجاحهم في الدّراسة، وليحتفظوا بصورهم بهذا الثوب حتى كبرهم.
ولكن، يقول عيساني: “ما لا يمكن تقبله، هو في حال أجبر أستاذ تلاميذه على الحضور بثوب التخرج إلى حفلة مدرسية، وجميعنا يعلم بأن أسعارها مرتفعة، ولا يقدر على شرائها إلا البعض”.
وكما أن ارتداء بعض تلاميذ الطور الابتدائي هذا الثوب خاصة من الميسورين، بينما تحضر البقية بثياب عادية “هذا أيضا إشكال في حدّ ذاته، لأنه سيُسبب تفرقة وعنصرية وفتنة في الوسط التربوي”.
وعليه، فأفضل حل، بحسب الخبير التربوي، هو ترك هذه المواضيع “التي لا تقدم ولا تؤخر في موضوع الرقي بالعلم والمدرسة، وترك تلاميذ المدارس صفحة بيضاء وبريئة، بعيدا عن حسابات الكبار”.
وفي الجانب الآخر، يرى المختص التربوي عيساني، بأن لباس التخرج هو في الأصل لديه قيمة ورمزية كبيرة، لأنه يُرتدى في نهاية المرحلة الجامعية، أي بعد إنهاء الطالب لجميع أطوراه التعليمية وتخرّجه ليدخل معترك الحياة الحقيقية، “لا أن نرتديه في كل مناسبة لدرجة رأينا أطفالا في دور الحضانة يرتدونه وبات حاضرا حتى في حفلات نهاية تكوين تعليم الخياطة والحلويات.. وهو ما أفقده قيمته وهيبته، فمثلا هل يمكن ارتداء ثوب الزفاف الأبيض في كل مكان وكل مناسبة؟ بل هو ثوب تتميز به العروس فقط”، على حدّ قوله.

أمور تافهة ليست من قيمنا وتقاليدنا
إلى ذلك، استنكر الأمين العام للنقابة الجزائرية لعمال التربية، محمد بلعمري، في تصريح لـ”الشروق” ما وصفه بتوجيه الرأي العام عموما والتلاميذ خصوصا نحو “أمور تافهة وبعيدة كل البعد عن كل ما يهم التحصيل العلمي والتربوي لصالح مظاهر شكلية، وهي ظاهرة دخيلة نندد بها، وعلينا محاربتها قبل توسعها أكثر”.
واعتبر بلعمري، أن الغاية في الطور الابتدائي هي تعليم التلميذ القراءة والكتابة والحساب فقط، بعيدا عن إدخال فكرة ارتداء ثوب التخرج في عقولهم “لأنها ليست من القيم الأخلاقية”.
وقال بأن كل الأهداف تم تغييبها لصالح هذا الطقم..!
ويتأسّف بلعمري، للما وصفه بإرغام الأولياء خاصة أصحاب القدرات المادية المتوسطة والضعيفة على شراء طقم التخرج غالي الثمن، بإلحاح من طفله الذي يقلد زملاءه في المدرسة.
وأضاف النقابي في قطاع التربية، بأن الظاهرة وصلت حتى مدارس بمناطق الظل، فبدل تشجيع أبنائها علاى التنافس العلمي وحسن السلوك، زرعنا في رؤوسهم أفكارا تافهة بعيدة عن قيمنا ومناهجنا، على حدّ قوله.
وتفاجأ بلعمري أيضا من ظاهرة احتفال بعض خريجي المدرسة العليا للأساتذة، على صوت أغان كلماتها خادشة للحياء، متسائلا: “هؤلاء هم من سيدرسون أبناءنا مستقبلا..!”
ودعا الأمين العام للنقابة الجزائرية لعمال التربية، إلى تجند جهود الفاعلين في البلاد للرقي بمستوى أداء المنظومة التربوية، ومراجعة يتلقاه التلميذ من معارف تربوية وبيداغوجية، ومحاربة كل ما هو دخيل على المجتمع الجزائري، وتلقينه معارف ومهارات تتناسب وقيمنا.
وختم بالقول: “يُفترض أن يمثل كل أستاذ يُجبر تلاميذه على ارتداء طقم التخرج على المجلس التأديبي”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!