منوعات
الناقد حبيب بوخليفة يفتح النار على صناع الدراما ويؤكد:

هناك فرق بين التجارة والفن.. وحان الوقت لإعادة ترتيب الساحة

زهية منصر
  • 378
  • 0
أرشيف
حبيب بوخليفة

فتح الناقد وأستاذ معهد الفنون الدرامية حبيب بوخليفة النار على الكثير من صناع الدراما في رمضان ومنهم المخرجون والمنتجون وبعض الممثلين، ودعا بوخليفة في حواره مع الشروق إلى إعادة ترتيب الساحة بفرض قواعد مهنية تضع حدا للدخلاء.

أحدثت الأعمال التلفزيونية المعروضة في رمضان نقاشا خاصة في طريقة كتابة السيناريو والحوار ومقاربة القصص.. ما رأيك؟

تمخضت الجبال فولدت فئرانا للأسف الشديد، كنا ننتظر نوعية في الأعمال التلفزيونية خلال رمضان المبارك ولكن للأسف هناك اختلال كبير في جودة الأعمال خصوصا المسلسلات الدرامية. الكل لاحظ استنساخ نفس المقاربات التقنية السمعية البصرية ونفس الوجوه ونفس التوليف ونفس الأشكال بالرغم من الضعف في عملية الكتابة السمعية الدرامية والإخراج، إلا أن هناك في المقابل بعض المسلسلات استطاعت أن تقترب في بعض المشاهد الجزئية من النجاح ولكن تبقى بعيدة كل البعد عن المستوى الفني الساحر الذي نشاهده في المسلسلات العربية وحتى لا أقارن التركية أو الإيرانية. أول ملاحظة هو ضعف مرعب في الكتابة الدرامية التلفزيونية بحكم أن الكتابة ليست نقلا للواقع بقدر ما هي التعبير عنه. والحوار الواقعي المباشر لليومي السوقي خصوصا في الأعمال الفكاهية أثقل كاهل الصورة التي لا تتطلب “الهدرة” مثلما يحدث في العروض المسرحية، بقدر ما تتطلب سحر الكلمة المنطوقة التي تزوّد الصورة بالرموز الثقافية الشعورية الجمعية المرتبطة بالوعاء الثقافي الانتمائي بمخيال حضاري روحي واجتماعي يؤثر في المشاهد ويفجر فيه الإحساس بالمتعة وليس بالاشمئزاز. وهناك خلل كرونولوجي في المقاربة البنائية الدرامية التي تتطلب المعرفة الكافية والمهارة في بناء نسيج التشخيص في مسار الأحداث الرئيسية والجزئية، ونقاط التحوّل من حالة سيكولوجية إلى أخرى في إشكالية موضوع الحكاية حتى يكون ممتعا وهذا لا يمكنه أن يحضر إلا عندما نتجنب الحشو والترقيع في إطالة الأحداث التي هي ليست في الحقيقة أحداث فعلية بل مشاهد استعراضية مستنسخة من الواقع المعاش. هذا ليس إبداعا فنيا يلتف حوله الاختصاصيون في الكتابة الدرامية السمعية البصرية والرؤى الإخراجية التي تتطلب هي الأخرى أدوات وزاوية جديدة مرتبطة بإدراك فعلا أن الإخراج كتابة ثانية للكتابة الأولى. خصوصا أن التقنيات الرقمية السمعية البصرية تطوّرت إلى مستوى يسمح بذلك.

عرف هذا الموسم أيضا مشاركة عدد من المسرحيين وأبناء الخشبة لكن حضورهم لم يكن أيضا في المستوى.. هل يكفي أن تكون مسرحيا لتكون ناجحا؟

لا، أبدا، كثير من الممثلين في الممارسة المسرحية لا علاقة لهم بجوهر التمثيل، هم فقط انتهزوا الفرص وأصبحوا عمالا على الخشبة المسرحية. أساليبهم تعتمد على كليشيات مقرفة وتمثيلهم سطحي لا يعتمدون على الموهبة التي تصقل بالمعرفة العلمية لمجال التمثيل المسرحي أو الدرامي ولا الثقافة المسرحية لفن التمثيل عموما. يستنسخون نفس الحركات ونفس المواقف في حالات لا تتطلب ذلك. ولكن يوجد في المقابل ممثلون متميزون مبدعون بالرغم من ضعف الحوار، على سبيل المثال لا الحصر ممثلو “عندما تجرحنا الأيام” أو “بابور اللوح” أو “أنين العارض”، الممثل الناجح هو الممثل المطلع على مدارس التمثيل واتجاهاته المختلفة، هو الذي يشاهد أكثر من مسرحية أو فيلم ويحاول أن يتجاوز البحث عن الخبزة. هو الالتزام بجوهر الإبداع ببذل جهود في تطوير مهارته. أنا لا أعترف بممثل لا يغني ولا يرقص وليس له ثقافة درامية ومعرفة مسرحية مثلما هو واقع في المجتمعات المتقدمة في هذا المجال، ولا أومن بالفنان الممثل الذي لا يطالع الأدب ويتذوق الشعر ويقرأ كتب التاريخ. ولكن في آخر المطاف لا ألوم الممثل الذي أعطيت له أداء الشخصية الدرامية بقدر ما ألوم المخرج الذي اختاره ولم يتفطن إلى السذاجة عند الممثل العامل.

هل أحدثت الاستعانة بمخرجين أجانب “تونسيون تحديدا” تغيّرا في الدراما الجزائرية؟

يجب أن نعترف أن المخرج التونسي مديح بلعيد هو تقني أكثر مما هو مبدع، يتحكم في آليات البلاطو بشكل مهني وله بعض الميزات مقارنة ببعض المخرجين الجزائريين، وهي إدارة التمثيل أو توجيه الممثلين في الحالات النفسية الذي يتطلبها المشهد. أتحدث من منطلق معرفتي به كرجل مثقف لأني كنت قد قمت بأداء شخصية “كريم” في الحلقة الأخيرة من مسلسل “يما” وحلقات أخرى في جزئه الثاني. هذا قد يضيف شيئا في إثراء التجربة الجزائرية بحكم أن الممارسة السمعية البصرية تدخل في إطار الصناعة الثقافية وتتطلب ميكانزمات وتقنيات وأموالا وسياقات مهنية في عدد من الحرف السمعية البصرية.، ونحن لازلنا نعيش أزمات عديدة، فالثقافة المعرفية والتشريع والسوق والتكوين تلك العوامل الضرورية من تصنع الجودة في الأعمال التلفزيونية والبرامج وليس الرغبة في الاستفادة من الريع. أو ما أسميه جدلية التخلف والفساد. كلما انتشر الفساد كلما تربع التخلف في كل حلقات الإنتاج السمعي البصري.

بصفتك أستاذا مكوّنا ماذا تقترح على صناع الدراما للرفع من مستوى الأعمال المعروضة؟

أستاذ محاضر في التخصص الفني الدرامي. أفتح قوس حول عبارة “مكوّن” التي أصبحت هي الأخرى تنتشر كالنار في الهشيم وكل من هبّ ودبّ يصنع من نفسه مكوّنا في فن التمثيل، وهم يجهلون كل الجهل منهجية نقل المعرفة في حقل فن التمثيل وينقلون صورة سطحية وخاطئة عن فن التمثيل. لا يمكن لأي كان أن يكوّن خارج منهج ستالينسلافسكي وميرهولد، طبعا إضافة إلى اتجاهات أخرى في فن التمثيل وأغلق القوس.
سؤالك واسع وعميق يتطلب الكثير من العوامل. أولا وقبل كل شيء يعتمد المنتجون على المهارات المكوّنة وذوي الاختصاص والممارسة. على سبيل المثال هل يعقل أن عثمان عريوات وعبد النور شلوش وأمينة لوكيل وفاطمة حليلو وفتيحة سلطان وعددا كبيرا من القامات في مجال التمثيل لا يستدعون للعمل في الأعمال الدرامية، ولماذا المنتجون لا يرتبطون مثلا بالكاتب بوجدرة رشيد الذي له تجربة في الكتابة السينمائية أو كتاب آخرين مثل الحبيب السايح الذي يحمل ثقافة سينمائية درامية ومحاولة تلقيح أدبي درامي ممتاز. من الناحية التقنية في مجال السمعي البصري لماذا لا ندعو التقنيين الروس أو الفرنسيين أو الأمريكيين للعمل ونستفيد من خبرتهم في التكوين عندما يصبح المنتج في مجال السمعي البصري مثقفا اختصاصيا في هذا المجال ستكون هناك نتائج إيجابية. وسيبذل كل جهوده ليكون متميزا. ثم إعادة النظر في المنظومة الإنتاجية لمجال السمعي البصري وحتى الإعلام له دور في هذا الجانب، الكل لم يتجاوزوا مفهوم الربح السريع. أولا يجب إعادة تحديد من هو المنتج ومن الفنان، فسلسلة التشريع لا تسمح بالمتطفلين أن يغزوا الميدان مثلما يحدث في الطب مثلا هل يمكن لأي أن يفتح عيادة طبية؟! إنشاء هيئة عليا للاتصال والسمعي البصري مستقلة تقوم بمراقبة المعايير والشهادات والممارسات الفنية ثم تحرير الإنتاج من كاهل القرارات المركزية وخيوط البيروقراطية الجهنمية. وإيجاد ميكانزمات للاستثمار في المجال الثقافي السمعي البصري خصوصا والفنون عموما. كل واحد يتحمّل مسؤولية السلع الثقافية المنتجة على المستوى المحلي وتحسين مناخ الاستثمار لجلب الخبرة الأجنبية خصوصا العربية وتطوير سوق مفتوحة على الإنتاج الوطني. وهذا دور الدولة والبنوك والمستثمرين الخواص بحكم أن الصورة المتحركة أصبحت ضرورية أكثر من الخبز.

أعلن بوعكاز اعتزاله بسبب الدخلاء ويقصد المؤثرين ونجوم الانستغرام والفايسبوك.. ما رأيك؟

الفنان بوعكاز خريج المعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري، أتذكره لما كان طالبا عندي كان موهوبا ويكتب في المسرح الساخر الهزلي لقد اختار النوع الفكاهي عموما ولكنه ممثل بارع في أعمال أخرى درامية ولقد شهدناه مؤخرا في مسرحية “ارت” من إخراج نبيلة ابراهيم بالمسرح الوطني مع المرحوم زايدي يسين وبن داود. لذلك تأثر عندما يرى أنه غير مرغوب فيه وبالمقابل يرى نجوما كارطونية مفبركة لا علاقة لها بالتمثيل تملأ المسلسلات الترقيعية. أنا لست ضد أي عنصر موهوب ومثقف ومتكوّن سواء من نزل من السماء أو خرج من الأرض أو جاء من “التيك توك” أو من أي جهة. المؤسف، هناك عناصر لا وجود لها ولا حضور ولا تمثيل جاد على حساب تهميش فنانين جادين لهم التجربة والمهارة الكافية لكي يضيفوا ولا يقتصوا من جودة العمل الفني. ثم يأتون ويحدثونك عن الجودة. فالمنتج والمخرج هما المسؤولان عن هذه الحالة التي أدت بتفكير بوعكاز في الاعتزال.

مقالات ذات صلة