الرأي

هل يستوي السنوار ونتنياهو؟

حسين لقرع
  • 900
  • 0

بعد انتظار طويل وغير مبرّر دام قرابة ثمانية أشهر، طلب المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، إصدار مذكرات توقيف دولية بحق رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة وجرائم ضدّ الإنسانية، لكنّ المدّعي العام أفسد هذه الخطوة التاريخية بحق قادة الاحتلال حينما طلب أيضا من المحكمة إصدار مذكّرات توقيف بحق ثلاثة قياديين بحركة “حماس” وهم إسماعيل هنية ويحيي السنوار ومحمد الضيف، ليساوي بذلك بين الضحية والجلاّد، وبين الغاصب المعتدي ومن يدافع عن أرضه وشعبه، بل إن المدّعي العام كان أشدّ قسوة على قادة “حماس” حينما وجّه إليهم ثماني تهم كاملة تتعلق بارتكاب جرائم حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية مقابل سبع تهم فقط لنتنياهو وغالانت!
الواضح تماما من خلال خطوات الجنائية الدولية، أنّ قضاتها قد تأثّروا بالتهديدات والضغوط الأمريكية والصهيونية التي مورست عليهم في الأسابيع الأخيرة لمنعهم من إصدار مذكّرات توقيف دولية بحق كبار قادة الاحتلال، فقرّروا إدراج ثلاثة من قادة “حماس” معهم من باب التظاهر بالحياد، وهي خطوة شائنة ومقيتة من الجنائية الدولية التي ساوت بذلك بين احتلال مجرم نازي، عنصري ارتكب أبشع المجازر بحق الأطفال والنساء والمدنيين بغزة قرابة 8 أشهر كاملة، ومنظمة تحرّر تمارس حقها في مقاومة الاحتلال بشتى الأشكال، وهو حق تكفله كل الأديان والقوانين والأعراف الدولية.
واللافت في التهم الموجّهة إلى هنية والسنوار والضيف أنّها تشمل ارتكاب أعمال “إبادة” خلال هجوم 7 أكتوبر، وهذه التهمة السخيفة تكفي وحدها لنسف مصداقية المحكمة الجنائية الدولية؛ فأين هي “الإبادة” المزعومة التي ارتكبتها “كتائب القسام” خلال ذلك الهجوم؟ هل يعدّ قتل مئات الجنود الصهاينة، يومذاك، “إبادة”؟ أمّا المستوطنون، فإنّ تحقيقات شرطة الاحتلال نفسها أثبتت أنّ مروحية “أباتشي” صهيونية وصلت متأخرة إلى حفل “نوفا” قرب مستوطنة “رعيم” متأخرة وقامت بقصف المكان وقتل عشرات المقاومين و364 مستوطن، ثم ماذا يساوي قتل عدد محدود من المستوطنين -وهم بالمناسبة مسلحون وليسوا مدنيين- مقارنة بقتل 45 ألف مدني فلسطيني بغزة، باحتساب العالقين تحت الأنقاض، ومنهم نحو 14 ألف طفل و10 آلاف امرأة؟
أما تهمة “الاغتصاب” وممارسة “العنف الجنسي” يوم 7 أكتوبر وضد الأسيرات الصهيونيات لاحقا، فهي تهمة باطلة لا تستند إلى أيّ دليل دامغ، وحتى المحرّرات منهنّ شهدن بحسن المعاملة خلال مدة الأسر ولم يتحدّثن قطّ عن الاغتصاب الممنهج الذي توحي به المحكمة التي سقطت، للأسف، سقوطا مدوّيا بتبنّي سردية نتنياهو وغلاة الاحتلال، ومن دون أيّ دليل. ثم كيف تطالب الجنائية الدولية بإطلاق سراح أسرى الحرب الصهاينة الذين سمّتهم “الرهائن” وبلا شروط، وتسكت عن نحو 15 ألف أسير فلسطيني يقبع في سجون الاحتلال، منهم 8815 اعتقل منذ 7 أكتوبر فقط؟ لماذا لا تطالب بإطلاق سراحهم بدورهم وهم الذين يتعرّضون لأبشع أنواع التعذيب وسوء المعاملة والإهانات في السجون؟
إذا كان هناك متّهمون بجرائم إبادة وجرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية، فهم القادة الصهاينة الذين يأمرون جيشهم بارتكاب مجازر يومية بحق المدنيين الفلسطينيين، وتدمير بيوتهم ومستشفياتهم ومدارسهم ومساجدهم ومؤسساتهم المدنية على رؤوسهم، وتجويعهم ومنع وصول الإمدادات الإنسانية إليهم، ومحاولة تهجيرهم إلى مصر للاستيلاء على أراضيهم، هؤلاء القادة المجرمون العنصريون هم الذين يجب أن تتابعهم الجنائية الدولية وليس قادة “حماس” الذين يقودون مقاومة وطنية شريفة ضد احتلال عنصري فاشي مجرم، بل حتى جنود الاحتلال يرتكبون جرائم حرب ويوثّقونها بالصوت والصورة ويبثّونها على مواقع التواصل، ويمكن للمحكمة الدولية متابعتهم قضائيا باستعمال هذه الأدلة ضدّهم، لكنّها، للأسف، اكتفت بالإعلان عن طلب رئيسها كريم خان إصدار مذكرات توقيف دولية بحق نتنياهو وغالانت فقط، وتغاضت عن غانتس وهاليفي وأيزنكوت وبقية أعضاء مجلس الحرب وعن بقية القادة العسكريين والجنود المجرمين، وتغاضت أيضا عن بن غفير وسموتريتش وإلياهو وبقية المتطرّفين الذي يصرّحون يوميا بضرورة تدمير باقي أحياء غزة وتهجير سكانها أو ضربها بالسلاح النووي.
ومهما يكن من أمر، فإنّنا لا نخشى على السنوار والضيف من الاعتقال؛ فهما يعيشان في غزة، ومنشغلان تماما بقيادة المقاومة ضد الاحتلال خلال الحروب، وتطوير قدراتها خلال أوقات السلم، وهما لا يخرجان من غزة إلى أيّ بلد في العالم، ولن يضرّهما صدور هذه المذكرة الدولية الجائرة بحقهما.. إنّما الخوف على هنية من الغدر به واعتقاله في أيّ بلد عربي وتسليمه إلى لاهاي في وقت كثرت فيه المؤامرات والخيانات والمطبّعون ومن يحاولون التقرّب إلى أمريكا والصهاينة على حساب المقاومة، وما على هنية إلا العودة إلى غزة والاستقرار فيها بقية حياته.

مقالات ذات صلة