الجزائر
الأزمة أصبحت بين قصر المرادية وقصر الإيليزي

هل وصلت العلاقات بين الجزائر وباريس إلى نقطة الصفر؟

محمد مسلم
  • 16062
  • 0
أرشيف

لم تكن البرقية التي عممتها وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية ليلة الخميس إلى الجمعة 27 جويلية 2023، سوى رسالة تنطوي على انتقاد حاد من السلطات الجزائرية لنظيرتها الفرنسية، وهي تعكس حقيقة المستوى الذي نزلت إليه العلاقات بين البلدين في الأشهر الأخيرة.
البرقية تتمحور حول الكيفية التي تمت بها معالجة أخبار الحرائق الأخيرة التي اجتاحت بعض الولايات في الجزائر، من قبل قناة “فرانس 24″، التابعة لوزارة الخارجية الفرنسية، والتي كانت محل انتقاد لاذع من قبل وكالة الأنباء الجزائرية، التي تعبر عن الخط الرسمي للدولة الجزائرية، ولكن سقفها كان أعلى بكثير من القناة، استنادا إلى ما جاء في البرقية.
الوكالة خاطبت الدولة الفرنسية ولم تخاطب القناة، كما جاء في مقدمة البرقية: “فرنسا الرسمية التي هاجمت شبكات التواصل الاجتماعي واتهمتها بتأجيج نار الكراهية بعد وفاة نائل، والتي صرحت عبر المتحدث باسم الحكومة أنه لابد من إحداث قطع في حال وجود أزمة، مدعوة إلى أن تلتفت إلى ما يجري في بلدها وترتب أمورها أولا”.
وعكس حالات سابقة لجأت خلالها سلطات باريس إلى التحجج بكون الوسيلة الإعلامية التي أساءت للجزائر بكونها خاصة وتحكمها اعتبارات حرية التعبير، فإن الجهة المتهمة اليوم هي مؤسسة عمومية ممثلة في “فرانس 24″، التابعة لمجمع “فرانس ميديا موند” الذي يشرف على وسائل الإعلام السمعية البصرية الخارجية لفرنسا والقناة العمومية “تي في 5″ مستمرتان في نفث سمومهما على الجزائر”.
المثير في القضية هو أن السلطات الجزائرية باتت على قناعة بأن الإعلام العمومي الفرنسي أصبح تحت تصرف حركة “الماك” الإرهابية، وفق ما جاء في البرقية: “فقد قرر منذ أمد طويل دعاة الاستعمار الجديد وحماة حركة ماك الإرهابية الذين ينشطون في قناة الدولة الفرنسية، التظاهر بالعمى والصم إزاء الجزائر الصاعدة”.
وفي نظر السلطات الجزائرية، فإن نظيرتها الفرنسية غارقة حتى أذنيها في “اللعبة الخبيثة التي تخطط لها وتصنعها الحركة الإرهابية (ماك)، والمنظمات الإرهابية التي تسعى جاهدة إلى أن تستحوذ على منطقة طُردت منها من قبل سكانها الذين يرفضونها رفضا قاطعا”، وهي اللعبة التي “تخدم أهدافا شيطانية لا تمت بصلة لأي عمل إنساني”.
وتضيف هذه الحادثة أزمة جديدة إلى الأزمات الأخرى التي تعصف العلاقات الجزائرية الفرنسية، والتي أدت كما هو معلوم إلى إلغاء زيارة الرئيس عبد المجيد تبون، التي كانت مقررة الشهر المنصرم إلى فرنسا، وتغيير الوجهة باتجاه الحلفاء التقليديين، روسيا والصين، وحلفاء جدد مثل تركيا وقطر.
والمثير في الأزمة الجديدة، هو أن الجانب الجزائري الذي اعتاد على مدار الأزمات السابقة، تفادي الصدام مع قصر الإيليزي، وتحميلها لأوساط في الدولة العميقة لفرنسا، مثل المصالح الخاصة وبعض الأطراف الدبلوماسية، كما في قضية تهريب رعية جزائرية مطلوبة للعدالة عبر الحدود التونسية في فبراير المنصرم، فإن الهدف اليوم أصبح الرئاسة الفرنسية من دون مواربة ولا لف أو دوران.
فقد هاجمت البرقية السياسة الخارجية للرئاسة الفرنسية “إن الأفارقة الذين يتطلعون إلى غد أفضل أضحوا لا يرغبون في وسيلة إعلام أخرى تعد امتدادا لسياسة الرئاسة الفرنسية كما كان عليه الحال في وقت مضى مع إذاعة “ألف تلة” برواندا، وهو المثال الذي يقتدي به محركو الدمى الاستعماريون الجدد بـ”فرانس 24″ والذي يستهدف منطقة واحدة من البلد مع العلم أن أحد محركي الدمى يتقلد وظيفة سامية كسفير فرنسي ومندوب وزاري مكلف بحوض البحر المتوسط والذي تعتبر إحدى قريباته “مختصة” في تشويه سمعة الجزائر”.
ويعني هذا أن الثقة افتقدت تماما في رأس السلطة في فرنسا، إيمانويل ماكرون، وهو مؤشر خطير على مستقبل العلاقات الثنائية، التي دخلت في نفق مظلم، قد يصعب الخروج منه، ما لم ينظر الجانب الفرنسي إلى المرآة، ويحل أم المشاكل التي تسمم هذه العلاقات، وهي قضية الماضي الاستعماري الحافل بالجرائم ضد الإنسانية، والذي تأبى باريس تحكيم روح العقل والمنطق من أجل إعادة بناء العلاقات الثنائية على أرضية صلبة.

مقالات ذات صلة