-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
المحكمة العليا تعيد محاكمة "بابا للسلع الإلكترونية" وشركائه

هكذا نصبت شركة وهمية على 3911 ضحية من 50 ولاية

ب. يعقوب
  • 18631
  • 0
هكذا نصبت شركة وهمية على 3911 ضحية من 50 ولاية

قررت، مؤخرا، المحكمة العليا إعادة فتح ملف “بابا للسلع الإلكترونية”، أمام مجلس قضاء وهران، مجدّداً، بتشكيلة قضائية مغايرة، وذلك بعد قبول طعن النيابة العامة، التي ارتأت نقض القرارات الجزائية الصادرة عن محكمة الاستئناف في حق ستة أشخاص، يشكّلون شبكة للنصب والاحتيال، راح ضحيتها أكثر من 3900 ضحية من 50 ولاية في الفترة الممتدة بين 2020 و2021 .

ومن المقرر أن يتم برمجة محاكمة جديدة لستة أشخاص يتقدمهم المدعو “م. أ” في العقد الخامس من العمر، مسيّر شركة تسويق المنتجات الإلكترونية المسمى اختصارا “بابا للسلع الإلكترونية الأجنبية”، والذي توبع في قضية نصب واحتيال خطيرة من نوعها وبتهم مرتبطة بالابتزاز وعدم الالتزام .

وفصل قسم المخالفات والجنح في المحكمة العليا بقبول طعن النيابة الذي تقدّمت به شهر جوان الماضي، في نقض القرارات التي صدرت عن الغرفة الجزائية لمجلس قضاء وهران، بتسليط عقوبات سالبة للحرية تتفاوت بين خمس وثلاث سنوات في حق المتهم الرئيس ومسيّرين في شركته، بينما تم رفض طعون المتهمين كافة، ما يمهّد لمحاكمة جديدة لهؤلاء المتهمين الموقوفين أمام طاقم قضائي جديد، للفصل في طعون النيابة العامة، التي أرفقت طعنها بتقرير كتابي طبقا للمادة 379 من قانون الإجراءات الجزائية، تضمن عدم إشارة القرار الجزائي المطعون فيه إلى طلبات النيابة العامة.

وارتأت النيابة العامة خوض معركة قضائية جديدة في ملف الحال، الذي حيّر ساكنة وهران وولايات عدة في تراب الجمهورية، إذ تقرر الطعن بالنقض في القرارات الجزائية، لكون أن كل قرار يجب أن يكون حاملا لشرعيته، ومتماشياً وأحكام المادة المذكورة أعلاه، ووافقت المحكمة العليا، بعد استقراء القرار الجزائي محل الطعن بالنقض، على إعادة تحريك هذا الملف الثقيل من نوعه، لكونه حمل بعض القصور في التسبيب.

ملف الحال، جسّد النموذج الحي في جرائم النصب والاحتيال، بسقوط عشرات الضحايا في “فخاخ” شبكة وهمية، تقوم بالسطو على أموال الغير، من خلال استغلال “لهفة” الحصول على بضائع مستوردة من الخارج بأسعار تفضيلية، إلا أن هذه العروض الوهمية، لم تكن أهدافها المبيتة سوى النصب على الراغبين في الحصول على تجهيزات إلكترونية وكهرومنزلية تحت مسمى “مستوردة من كوريا، فرنسا وألمانيا”.

تفاصيل القضية، التي استغرق التحقيق القضائي فيها أكثر من 15 شهرا، كانت عرفت ظهور نصابين من الدرجة الأولى، قدّموا أنفسهم لضحاياهم كباعة للمعدات والأجهزة الكهرومنزلية والإلكترونية .

وأوقعت الشبكة الوهمية بما لا يقل عن 3911 ضحية من حوالي 50 ولاية، كان بين عشرة إلى 20 شخصا ينوبون عن باقي الضحايا في جلسات التحقيق القضائي والمحاكمات على مستوى مجلس قضاء وهران، لكثرة عددهم وبُعد المسافات عن مقار سكناتهم، بدليل أن هناك ضحايا يقيمون في غرداية، ورقلة، تندوف، الجزائر العاصمة، برج بوعريريج.

وقدّم المدعو “م. أ” من مواليد 1970، نفسه كرئيس للشركة بثوب “المستورد الكبير” لسلع مطلوبة في السوق الجزائرية، خاصة في أوساط الشباب الذين أودعوا تسبيقات مالية تتراوح بين 30000 و45000 دج للحصول على تجهيزات غالية الثمن، علاوة على قوائم من العائلات التي منحت مبالغها في شكل حوالات للشركة للظفر بمعدات منزلية، من خلال علاقات تجارية أسّستها الشبكة مع مئات الزبائن عبر منصات التواصل الاجتماعي وموقع شهير للتجارة الإلكترونية، وأوهم العقل المدبر الجميع بتقديم خدمات سريعة وأسعار وتخفيضات مغرية، نظير الدفع المسبق لنسبة من التكاليف الإجمالية للتجهيزات المطلوبة .

الأبحاث الأمنية التي اشتغلت عليها الفرقة المالية والاقتصادية لأمن ولاية وهران، كشفت أن المتهم الذي كان يتخذ من حي العثمانية بوهران محلا تجاريا، يقدّم إغراءات لضحاياه من مختلف نقاط الوطن، تقوم على أساس إيصال سريع للمعدات المطلوبة مقابل تخفيضات مغرية ومنح هدايا لكل من يشتري أكثر، كما أفضت التحريات أنه كان يطلب من زبائنه تسبيقات مالية، لأجل تدوين أسماء ضحاياه في طلبيات دورية، أوهم الجميع أنها كانت ترسل إلى كوريا وفرنسا، حيث يتواجد العديد من الموردين الأصليين لهذه التجهيزات .

المتهم حصل على الملايير مقابل هذا الأسلوب الاحتيالي، حيث در عليه هذا النشاط الإجرامي من نوعه، ثروة مالية قدّرت بالملايير، حسب ما علمته “الشروق”، في المقابل، لم يحصل الضحايا على شيء ملموس منذ انخراط المتهم في نشاط النصب والاحتيال والابتزاز .

وتفجّرت الفضيحة في أعقاب ورود عدة شكاوى من مواطنين في وهران، تضمنت تعرضهم إلى نصب حقيقي بطله شخص، كان دشّن محلا تجاريا في حي العثمانية، “مارافال”، قبل أن يغلقه ويتوارى عن الأنظار، وبمرور الوقت، اكتشفوا، بالصدفة، أن أموالهم وقعت في أيدي غير آمنة، وهو ما دفع بعشرات الضحايا إلى تبليغ الجهات القضائية المختصة.

وأزاحت التحقيقات المعمّقة النقاب عن مخطط غريب جدا لا يختلف كثيرا عن جرائم شركات التسويق الشبكي الهرمي، بدأ نشاطه في فيفري 2021، مستغلا جائحة “كورونا”، بتدشين محل كبير في حي العثمانية ومحلين آخرين في المدينة الجديدة وحي الألفية، كان هذا الأخير يعرض فيهما عينات من التجهيزات المطلوبة لأجل استقطاب الزبائن بعرض هواتف أو حواسيب وشاشات تلفاز بلازما كبيرة الحجم بأثمان أقل من الثمن المتعارف عليه في السوق الجزائرية، ثم يقوم بتغيير رقمه بعد أن تصله الحوالات المالية المتفق عليها، حيث أكدت التحقيقات أنه كان يملك عدة حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي لعرض السلع والتجهيزات الكوبية التي تصله بسرعة إلى ميناء وهران.

كما أثبتت الأبحاث المعمّقة أن المتهم كان يطوّر أساليبه الإجرامية بفتح محل هنا وغلق آخر للإفلات من مواجهة زبائنه، كما أنه لم يكن يتوفر على سجل تجاري ولم يكن مسجّلا ضمن البطاقية الوطنية للمستوردين الجزائريين، كل ما في الأمر أنه لجأ إلى شبكة “النت” لتحقيق الربح السريع مقابل خدمات وهمية .

ملف الساعة أعاد إلى أذهان الجزائريين ملفات نصب عالجتها، في المدة الأخيرة، الجهات القضائية في محاكم مختلفة، تورط فيها الكثير من المحتالين الذين سلبوا الملايير من مختلف شرائح المجتمع الجزائري، باستعمال وسائل ماكرة كالكذب المؤيد بوقائع خادعة، وإخفاء وقائع صحيحة لتضليل المجني عليه “الضحية” ودفعه إلى تسليم المال بصورة اختيارية، مقابل ضمان وصول سلع “قطع غيار سيارات، حواسيب، شاشات تلفاز، ملابس فاخرة، مواد بناء.. إلخ من أسواق عالمية، على غرار فرنسا، دبي، ماليزيا، تركيا وغيرها، حيث باتت السلطات القضائية في الجزائر تجتهد أكثر في تجاه إحالة هذا النوع من جرائم النصب إلى صنف الجنايات.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!