الجزائر
"الشروق" تحتك بالمهنيين في خرجة ميدانية إلى مستثمرات في البليدة وتيبازة

هذه مشاكل منتجي الحمضيات والبطاطا ومربي الدواجن

وهيبة سليماني
  • 4743
  • 0
أرشيف

بالرغم من تطور التقنيات الفلاحية في زراعة الكثير من الخضر والفواكه، وتوسيع أنواع من الزراعات إلى عدة ولايات عبر التراب الجزائري، إلاّ أنّ مشاكل قطاع الفلاحة متعددة ومتنوعة تحتاج إلى مزيد من العمل في إطار تنظيمي، وإلى دعم قوي للفلاح سواء من ناحية العتاد أم المساحات الأرضية الفلاحية، أم البذور والسقي.. من زراعة الحمضيات والبطاطا إلى تربية الدواجن لسد حاجيات السوق المحلية والتصدير معا تحديات لا تزال تنتظر هذه الشعب، فأكثر المشاكل اليوم تتعلق بوفرة مياه السقي، والبذور، والتسويق، وغرف التبريد، وتنظيم التعاونيات الفلاحية.

الجفاف والاستيراد وغلاء “الفَلُّوس” هواجس تطارد المهنيين

“الشروق” رافقت الغرفة الوطنية للفلاحة في خرجة ميدانية إلى مستثمرات فلاحية بولايتي البليدة وتيبازة، حيث تم الاحتكاك بالمهنيين الناشطين في الميدان، بدءا بمستثمرة سلامي للحمضيات بواد العلايق، ومربي الدواجن عيد نور الدين، صاحب مذبح بمنطقة فوكة، ثم الفلاحين المنتجين للبطاطا بحمر العين تيبازة وأخيرا مزرعة تيار بسيدي راشد بذات الولاية.

الجفاف ونقص الإمكانيات مشاكل تهدد شعبة الحمضيات
كان الدخول إلى مستثمرة محمد سلامي، تحت قطرات المطر التي قد تبشر ببداية موسم فلاحي ناجح، حيث استقبلنا محمد سلامي رفقة والده البالغ من العمر 80 سنة، بكل تفاؤل وهو لا يكف عن ترديد: “المطر خير خير.. الحمد لله”، ويبدو أن الجفاف أصبح هاجسا يخيف الفلاح، وأن نقص مياه السقي مشكل مطروح لا مفر منه.

2 مليون دجاجة منتجة جاهزة مع نهاية السنة

أخبرنا عمي اعمر والد محمد، أنه استفاد من قطعة أرض حوّلها إلى مستثمرة في إطار الامتياز الفلاحي، منذ عام 1968، وكانت زراعته للحمضيات بطرق تقليدية بسيطة، ورغم ذلك استطاع أن يتحدى الكثير من الصعاب التي تواجه هذه الشعبة الفلاحية.
وبشيء من الحماس الكبير والحب للمهنة، فتح لنا محمد الابن، قلبه ليتحدث للصحفيين عن كل ما يتعلق بزراعة الحمضيات في ولاية البليدة التي تعتبر رائدة في هذا الميدان، حيث أكد أنه اعتمد تقنية الزراعة المكثفة لـ”الكليمنتين” منذ 2010، حيث غرس 1000 شجرة في الهكتار الواحد، وهي طريقة مبتكرة عممت مؤخرا في الجزائر من الطارف إلى مغنية بتلمسان.
وأكد محمد، أنه ينتج بين 500 إلى 600 قنطار في 9 هكتارات سنويا، ويستعمل تقنية السقي بالتقطير، لكن الإمكانيات ناقصة، وتهدد نشاطه الفلاحي، كغيره من الفلاحين، حيث أن شراء الجرارات مكلف جدا، ولا يوجد في الجزائر جرارات لجني البرتقال بحجم صغير ومناسب، وأنّ استيراد المستعملة الأقل من 10 سنوات من الخارج، غير مطبق في الواقع، حيث تحدثت عنه السطات المعنية دون تجسيده.
وقادتنا جولتنا للمستثمرة إلى حقل أشجار “الكليمنتين”، حيث كان محمد سلامي لا يتوقف وبحماسة، عن تعديد مشاكل هذه الشعبة الفلاحية، وتبين لنا أن هناك كميات من الحمضيات مرمية بين الأشجار، حيث أكد أنها جافة وسيئة ولا توجه إلى السوق، ولا فائدة منها لاستعمالها كأسمدة.
وأوضح المتحدث أنّ الحمضيات التي تباع جيدة وخاصة”الكليمنتين”، لا تتعدى أسبوعا للوصول إلى المستهلك، فهي تباع من الفلاح إلى أسواق الجملة في أقل من يومين بعد جنيها، وفي حدود 3 أيام تصل إلى باعة التجزئة.
وفي ما يخص أسعار “الكلمنتين”، قال محمد سلامي، عضو المجلس الوطني للحمضيات، إن السعر يكون حسب العرض والطلب، وأن الثلاثاء الماضي لم تبع الحمضيات من طرف الفلاح لان المشترين لم يطلبوها، خاصة بعد انتشار كميات منها في السوق الوطنية.
ويرى أن هناك أعباء مالية ترهق منتجي الحمضيات، مما جعل الكثير منهم يتخلون عن المهنة، من بين هذه المشاكل الضريبة على القيمة المضافة، حيث طالب بأن تكون بعد 5 سنوات من نشاط الفلاح في الحمضيات حتى يتسنى له أن ينجح بدون عراقيل.

..الجفاف خطر يداهم الحمضيات!

وتحدث محمد سلامي، عضو المجلس الوطني للحمضيات، عن مشكل الجفاف بكل جدية، حيث أكد أنه قابل والي ولاية البليدة، وتحدث عن إمكانية إنشاء أحواض صغيرة كحل مؤقت لإنقاض الفلاحة في البليدة، حيث تتجمع مياه الأمطار في هذه الأحواض وتتسرب تدريجيا إلى المستثمرات الفلاحية.
وقال محمد، إن الاستعمال العشوائي للمبيدات يهدّد أنواع الحمضيات كغيرها من الفواكه، وأن المهندسين المعتمدين من طرف غرفة الفلاحة يتمثلون في اثنين فقط، ولا يكفون لتغطية حاجة الفلاح إليهم، حيث قام هو بتوظيف مهندس زراعي وبتكاليفه الخاصة، موضحا أنه يتفادى استعمال الأسمدة بكثرة، وأن عدم معرفة بعض الفلاحين لاستعمال هذه الأسمدة يكلفهم، خاصة أن القنطار الواحد للأسمدة يتراوح بين 2 مليون إلى 3 مليون سنتيم.

سياسة “البابور” أضرّت بمنتج الحمضيات
وأشار محمد سلامي إلى اعتراف من خارج البلاد بجودة حمضيات الجزائر، خاصة “الكليمنتين”، حيث تأكد أنها الأقل احتواء للاسمدة، وأن الشتلات مشكل مطروح حيث يجب توفيرها وزراعتها في الجزائر وتفادي استيرادها من اسبانيا، هذا البلد حسبه، الذي أخذ شتلات الجزائر للبرتقال، واستغلها وهي في الأصل من منطقة مسرغين.
وانتقد محمد سياسة “البابور” التي كانت تستورد منتوجات متوفرة في الجزائر من أجل خدمة أشخاص معينين، حيث كان الفائض من الحمضيات المحلية يرمى في المزابل بعد استيراد كميات معتبرة، لكن اليوم، بعد تقليص الاستيراد هناك أمل حسبه، في تسويق حمضياته دون مشاكل.
وفي ما يخص التصدير، أكد محمد أنّ هناك مشاكل تتعلق بالتغليف والتعليب والنقل والشحن، قد تقف أمام فكرة تصدير”الكلمنتين” الذي تنتجه مستثمرته إلى الخارج.

16 مليون قنطار حمضيات سنويا والمطلوب سدود ماء صغيرة
ومن جهته، أكد محمد برناوي، مكلف بالإرشاد الفلاحي لدى الغرفة الوطنية للفلاحة، ومهندس فلاحي، أن الجزائر تنتج سنويا ما معدله 16 مليون قنطار من الحمضيات، و80 بالمائة منها منتج صنفي يبدأ في نفس الوقت وينتهي في نفس الوقت، حيث إنّ 32 ولاية عبر الوطن تنتج الحمضيات، بعد ان كان عددها لا يتعدى 12 أو 13 ولاية، وتعتبر البليدة، حسبه، الرائدة في أنواع الحمضيات.
ويتوفر في بلادنا، حسب برناوي، 12 صنفا من الحمضيات تنضج خلال 9 أشهر من جويلية إلى غاية نوفمبر، لكن مشكل المناخ يهدد الحمضيات مؤخرا، ومطلوب حسبه، بناء سدود كبيرة ومتوسطة وصغيرة، حسب المناطق والإنتاج.
ودعا إلى ضرورة إنشاء تعاونيات فلاحية بين فلاحي الحمضيات، وهو الطلب الذي أكد عليه محمد سلامي، قصد مواجهة المشاكل وتنظيم المهنة، إلى جانب توسيع المستثمرات الفلاحية وتحرير العقار.

حقول البطاطا بحمر العين يهددها الجفاف!
ومن خلال خرجتنا إلى مستثمرات فلاحية بالبليدة وتيبازة، اقتربنا من مهنيي إنتاج البطاطا في حمر العين، الذين شخصوا لنا بدقة أسباب غلاء سيدة المائدة “البطاطا” في الآونة الأخيرة، حيث الخوف من الجفاف ونقص المياه الجوفية أكثر ما يهيمن على هؤلاء.
والبداية كانت مع محمد بن عايدة، رئيس مجالس المهنيين لشعبة البطاطا على مستوى ولاية تيبازة ومن كبار مكثفي بذور البطاطا وإنتاج هذه المادة الغذائية، كان ينتج سنويا 250 هكتار من البطاطا، عبر ثلاث مراحل منها الموسمية، ونظرا لشح الأمطار والجفاف وتراجع مياه سد بوكردية بتيبازة تراجع انتاجه مؤخرا.
وأكد المتحدث عن تخلي 20 بالمائة من المهنيين في شعبة البطاطا مؤخرا، مؤكدا أن مشكل البذور بدأ منذ 2016، وبعد تقليص استيرادها بنسبة 50 بالمائة العام الماضي، تراجع الإنتاج بشكل ملحوظ، وتأسّف بن عايدة لعدم استغلال البذور المحلية، حيث أنّ اللجوء كل شهر جانفي لاستيراد بذور البطاطا من الخارج بشكل دوري، يكفي في بعض الأحيان لثلاث غلاّت في انتظار استيراد حصص أخرى لهذه المادة الأولية.
من جهته، كشف بن عربي موطرفي، عضو في مجلس مهنيي شعبة البطاطا ومن كبار منتجي البطاطا، كان يستغل مساحة بين 300 إلى 400 هكتار سنويا لتكثيف البذور، عن الخسائر التي يتكبدها فلاحو البطاطا في الجزائر، مشيرا إلى أنه منذ 1998، لم تبع البطاطا من طرف الفلاّح بأكثر من 20 دج، واستيراد البذور ضرورة ملحّة، لأن البذور المحلية لا تأتي بمردود، حيث أنه منذ العام الماضي تراجع إنتاج البطاطا، ولكن نقص استهلاكها نظرا للحجر الصحي، لم يظهر العيب.
وقال بن عربي إن شح الأمطار أكثر المهددات لشعبة البطاطا لأن المياه ضرورية لحقولها، وحتى حسبه لو لم تقلّص كمية البذور المستوردة، فإن الجفاف يجعل هذه البذور بلا فائدة، ولا يحل المشكل حسب موطرفي، إلاّ بإنشاء أحواض ماء في انتظار سدود صغيرة، حيث أنّ شبكات مياه التي يكون عمقها في حدود 100متر جفت، والمياه الجوفية نحو الجفاف التام.

50 مليون قنطار بطاطا سنويا.. رقم كبير ومشاكل كثيرة
وفي ذات السياق، كشف محمد برناوي، مكلف بالإرشاد الفلاحي لدى الغرفة الوطنية للفلاحة عن استيراد 50 بالمائة من بذور البطاطا مؤخرا، مشيرا إلى أنّ الجزائر تنتج 50 مليون قنطار بطاطا سنويا، 16 مليون قنطار منها موسمية، وأن التي تباع في السوق موجودة في غرف التبريد منذ شهر أوت، وهي تمثّل 100 ألف طن إلى 120 ألف طن.
وأكد برناوي أنّ المشكل لا يتعلق فقط بالبذور، لأن هنالك مشكل مياه، والتكاليف التي يتكبدها الفلاّح، جراء نقص العتاد، حيث مطلوب اليوم أحواض مائية في منطقة تيبازة وهي قد تكفي للسقي مدة 10سنوات تقريبا.
وحسب رئيس الغرفة الفلاحية لولاية تيبازة، عثمان طلبة، فإن العتاد الفلاحي المتمثل خاصة في جرارات جمع المنتوج، يشكل عبئا كبيرا للفلاح، وأنّ الحل اليوم يتمثل في استيراد عتاد مستعمل أقل من 3سنوات من الخارج، حيث أن سعر الجرار يبلغ 600 مليون سنتيم ولا يمكن للكثير من المستثمرين الفلاحيين شراؤه.
وأكد أن 950 فلاحا في تيبازة لديهم امتياز فلاحي، ويزاولون نشاطهم بشكل عادي، ولكنهم لم يستفيدوا من بطاقة فلاح، وهم يعانون اليوم، وأن تحرير العقار من بين المشاكل التي على الجهات الرسمية إعادة النظر فيها لتشجيع قطاع الفلاحة الذي أصبح يعوّل عليه في الجزائر.

أسعار اللحوم البيضاء لن تنخفض إلا مع بداية سنة 2022
مشاكل قطاع الفلاحة، في السنوات الأخيرة، مس شعبة إنتاج اللحوم البيضاء، حيث استهدفت خرجتنا الميدانية أكبر مستثمري تربية الدواجن في الجزائر وهو عيد نور الدين الذي يملك مستثمرة لتربية الدواجن، ومذبحا في منطقة فوكة بتيبازة.
وكشف لنا بصفته، رئيس الغرفة الوطنية لمربي الدواجن، ومسؤول مذابح الدواجن على المستوى الوطني، عن الأزمة التي حلت بهذه الشعبة خاصة بعد إنتاج 50 بالمائة من اللحوم البيضاء والذي كان لا يتعدى 30 بالمائة من الإنتاج الوطني، حيث نفقت حوالي 350 ألف من أمهات الدواجن في ام البواقي والجلفة شهري مارس وأفريل الماضيين، وقال إن مدة 8 أشهر كافية للحصول على أمهات الدواجن، وهو ما يؤدي حسبه إلى الاستمرار في ارتفاع أسعار اللحوم البيضاء إلى غاية نهاية ديسمبر القادم أو بداية جانفي 2022، حيث بلغت الأسعار عند المربيين 460 دج، وفي محلات البيع بالتجزئة 500 دج.

2 مليون دجاجة منتجة جاهزة
وأكد عيد نور الدين، أن 2 مليون من أمهات الدواجن المنتجة جاهزة، وأن التعويل على 6 ملايين ونصف مليون سوف يتحقق وذلك بالتحضير لإنتاج 4 ملايين ونصف مليون من هذا النوع، وقال إن المشكل يتعلق بعدم الإعلام عن الدجاج الذي نفق من طرف بعض المربين.
ويرى عيد بأن تعويضات حقوق التأمين المتعلقة بموت الدواجن، التي تكون ابتداء من 8 بالمائة من الثروة الفلاحية غير مناسبة وعليه حسبه يجب أن تكون ابتداء من 5 بالمائة على الأقل، وأن عزوف 50 بالمائة من مربي الدواجن عن المهنة راجع لعدة أسباب، منها التسويق وتكدس منتجهم.

استيراد البيض المخصب ليس حلا
وأفاد نور الدين عيد بأن سعر الكتكوت تضاعف 5 مرات بعد أن زاد عليه الطلب بـ 6 مرات، حيث بعد أن كان يباع بـ 50دج أصبح يباع اليوم بـ 240دج للكتكوت، وأن المادة الأولية ارتفع سعرها بـ70 بالمائة، وكلها مشاكل يتخبط فيها المربيين للدواجن.
وقال رئيس الغرفة الوطنية لمربي الدواجن، نور الدين عيد، إن استيراد الدجاج من أوروبا ومن البرازيل ليس حلا مناسبا، وقد أصبح سعره غاليا ويباع بـ2 أورو، أي 440دج في الجزائر ولاستخراجه من الميناء يتطلب تكاليف أخرى ويباع في الأخير بـ460دج للكيلوغرام، حيث لا يمكن للمستوردين حسبه، المغامرة، خاصة أن المنتج المحلي سيدخل السوق بعد شهور.
واعتبر عيد أنّ الحديث عن استيراد البيض المخصب والدجاج مجرد تسويق سياسي واقتصادي وغير موجود على أرض الواقع ولا يمكن المخاطرة به، وقد برر ارتفاع أسعار اللحوم البيضاء أيضا بخسائر مالية يواجهها المربي للدواجن، حيث إن تكلفة تربية الفلوس الأصلي تصل إلى 300 دج، وتوصيله للمستهلك يتطلب سعرا مرجعيا 460 دج.

إحصاء غرف التبريد في المذابح حل لضبط السوق
وتأسف عيد نور الدين، من الخسائر التي تطال مربيي الدواجن منذ سنوات، حيث وصل بهم الأمر إلى بيع الدجاج من 90 دج إلى 100دج للكيلوغرام في مستثمراتهم، و100دج بالنسبة للديك الرومي، وقال إن تخزين 3 آلاف طن في غرف التبريد وتوزيعها في الوقت المناسب، يمكن أن يضبط، حيث من الضروري حسبه، الكشف عن أسماء أصحاب غر ف التبريد في المذابح الخاصة بالدواجن، وهذا للاتفاق معهم ومع الدواوين الفلاحية لتخزين وتوزيع كميات من الدواجن وإخراجها للسوق حسب الطلب.
كما يرى نور الدين عيد بأن غرف التبريد، تضمن تخزين كميات في وقت مناسب، وتفادي موت الدجاج الذي لا يسوق بعد 45 يوما.

مقالات ذات صلة