-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
في الجزء الثاني من مذكرات لخضر بن طوبال:

هذه ظروف ميلاد الحكومة المؤقتة وفرحات عباس كان رئيسا بلا صلاحيات

زهية منصر
  • 1828
  • 0
هذه ظروف ميلاد الحكومة المؤقتة وفرحات عباس كان رئيسا بلا صلاحيات
أرشيف

يؤكد لخضر بن طوبال، في هذا الجزء من مذكراته، أنه كان ضد تعيين أعضاء من لجنة التنسيق والتنفيذ في الحكومة المؤقتة، طالما أن هذه الحكومة لن يكون لها دور خارج العلاقات مع الدول والحكومات والمنظمات الدولية، إضافة إلى تسيير الشأن الاجتماعي للجزائريين. “كنت متخوّفا من أن نغرق في العمل الإداري وتنسينا الوثائق هدفنا الرئيسي، اقترحت ضم كريم للحكومة وهذا كضمان لتمثيليتها فضلا عن كون كريم رجلا تاريخيا”.
“عند إعلان الحكومة المؤقتة، لم يطرح اختيار الأعضاء واللجان أي مشكل، لكن بقي تعيين الرئيس محل تجاذبات، فاقترح كريم في البداية ليكون رئيسا، فهو أحد الأسماء الثورية، ولكن الرئاسة كان يجب أن توكل لشخص مهمته في التعامل مع الخارج”، يؤكد بن طوبال قائلا: “يجب أن يكون شخصا، لنا كامل الثقة فيه”، ويوضح صاحب المذكرات “أن المجموعة أرادت تعيين رئيس، لكنها، في ذات الوقت كانت حريصة على أن تحافظ على السلطة الفعلية بين أديها”.

خلفيات تعيين فرحات عباس على رأس الحكومة المؤقتة
يشير بن طوبال إلى خلفية تعيين فرحات عباس على رأس الحكومة المؤقتة ومعارضة بعض المناضلين، أمثال لمين خان وبن عودة لهذا القرار، حيث يذكر في شهادته أن الجماعة عيّنت فرحات عباس كرئيس لكنه ليس بصلاحيات مطلقة يقول: “سلطتنا سلطة حقيقية، لأننا نتحكم في جيش التحرير وجبهة التحرير، ولنستذكر عبارة محمد يزيد (هناك البلد الحقيقي والبلد الرسمي)، ومادام البلد الحقيقي بين أيدينا فليس علينا أن نخاف من أي أحد، فالرئيس يريد المفاوضات مع فرنسا مثلا، لكنه، لا يملك وسائل سياساته، ولا يستطيع أن يملي شروطه بالقوة، ولا يستطيع التعيين أو إنهاء المهام كما يحلو له، كما لا يستطيع عقد اتفاقيات إستراتيجية مع القوى الخارجية في الشرق والغرب”. وقبل أن ترسي المجموعة على فرحات عباس كرئيس للحكومة المؤقتة، طرح كريم بلقاسم “كرجل تاريخي” وشخصية قيادية، ولكن لم يكن ممكنا ترسيم هذا الخيار لدواع تتعلق بانضباط كريم “لم يكن ممكنا للمجموعة أن تغامر بهذا الخيار”.
ويقول بن طوبال إن كفة فرحات عباس مالت كونه رجلا تاريخيا ومعروفا على الساحة الدولية ومادام لن يكون رئيسا فعليا بصفة مطلقة، فليس ثمة أي مشكلة فضلا عن كون تعيينه يمكن أن ينال اعتراف وإجماع الشعب الجزائري.
تعيين فرحات عباس لم ينل في البداية إجماع ورضا جميع الأطراف، فمصر كانت ترى فيه فرنكفونيا مقربا من فرنسا وحتى بورقيبة كان ضد هذه الخطوة. فقد عاب على المجموعة أنها لم تخبره ووضعته أمام الأمر الواقع، قال هذا الكلام لكريم عندما غادر إلى تونس، لكن هذا الأخير رد عليه: “إنه لم يأت ليأخذ رأيه لكن ليخبره فليس عليهم انتظار موافقته لإنشاء الحكومة المؤقتة الجزائرية”. يقول بن طوبال إن موقف بورقيبة هذا كان نابعا ربما من رغبته في لعب دور الوسيط بين فرنسا والجزائريين وربما طمع مستقبلا في تصدير البورقيبية.
على الصعيد الداخلي، لم يكن أيضا فرحات عباس محل إجماع كل الأطراف، حيث عارض الأمين خان تعيينه بحيث لم يكن يرى فيه رئيسا للحكومة، وحتى بن عودة قال: “إذا عيّن فرحات عباس على رأس الحكومة، فلن أعترف بهذه الحكومة، ولأني مناضل ملتزم، سأعمل تحت أوامره، لكن لا تعتبروا هذا اعترافا بالحكومة المؤقتة”.
يشير صاحب المذكرات إلى أن أول مهمة واجهتها الحكومة المؤقتة، هي إيجاد قيادة عسكرية مهمتها الأساسية إدخال السلاح إلى الداخل، ولم تكن هذه المهمة سهلة بالنظر للظروف السائدة على الحدود.

أزمة مجلس الثورة القوة الثالثة
اختار الجنرال ديغول استعمال بعض أعضاء “الامانا” (الحركة الوطنية الجزائرية) في خلق قوة ثالثة لضرب الثورة الجزائرية، حيث سعى ديغول إلى استعمال بعض عناصر “الامانا” في فرضهم كقوة وسيطة بين المتعاونين مع فرنسا وبين جبهة التحرير، لهذا فقد تقرر الحكم بالإعدام على زعيم هذا التوجه شريف بن حبيلس، وهذا ما أحدث أزمة كبيرة داخل مجلس الثورة، لأن بن حبيلس أخبر المجموعة بأنه التقى في سويسرا بمانديس فرانس وكريم بلقاسم وطلب منهما النصيحة، إذ كان حينها يريد معرفة ما إذا كانت خطوته تلك لن تدان من قبل الحكومة المؤقتة. وبحسب بن طوبال، فإن بن حبيلس كان يعتقد أن خطوته تلك ستقود إلى الاستقلال خاصة وأن عضوين من الحكومة المؤقتة قد منحاه الموافقة. ويؤكد صاحب المذكرات: “لقد تحمّلنا مسؤولياتنا”.
مسألة إعدام شريف بن حبيلس أحدثت أزمة وانقساما في مجلس الثورة عندما طرحت، لأن كريم وفرانس لم يكذّبا تصريحاته وعارضا إعدامه ويقول بن طوبال إنه “في هذا الوقت انفجر الخلاف بينهم وبين قيادة الأركان”.
” كريم وفرانس لم ينقلا أبدا هذه الخطوة إلى الحكومة المؤقتة، وكان عباس وفرانس يعتقدان أنه يجب اتخاذ خطوات سياسية، لأن جيش التحرير سينهزم ونسوا أن قوة كريم وبوصوف كانت مستمدة أساسا من جيش التحرير الذي منحهما هذه السلطة الحقيقية داخل الحكومة المؤقتة”.
كان هذا الخطأ أحد أسباب الإطاحة بفرحات عباس على رأس الحكومة المؤقتة “كانت مناورة سياسية جد خطيرة، لقد تركوا عملية القوة الثالثة تسير من دون موافقتهم الصريحة لأنهم اعتقدوا أنه عندما ينتهي دور الجيش ويستقل الشعب سيرفعون راية الانتهازية وسيضمنون أماكنهم في النظام الجديد”.
واعتقد الجنرال ديغول عندما طرح مخطط سلم الشجعان أن جيش التحرير خرج من أيدي الحكومة المؤقتة وأنه بإمكانه فرض الشروط الفرنسية وأن الولاية الرابعة بإمكانها قيادة مفاوضات لوحدها مع ديغول فقد أعطت له ضمانات بأن كل الولايات ستسير معها. هذه الخطوة قد أدت إلى عملية تطهير واسعة في الداخل وأحدثت حالة طوارئ في جيش التحرير.

أصعب سنوات الثورة
يقر لخضر بن طوبال بأن أصعب سنوات الثورة كانت بداية من سنة 1958 عند ما جاء الجنرال ديغول إلى الحكم “هنا فقط بدأت الحرب الحقيقية”، بدأ عزل المناطق الداخلية والسعي إلى عزل السكان عن جيش التحرير، ارتفع عدد القوات الفرنسية وتطوّرت الأسلحة كما تطوّرت أساليب التعذيب.
في هذه الفترة أي خلال سنوات 56/57/58 تغيرت أيضا أشياء كثيرة في جانب الثوار الجزائريين يقول بن طوبال، لقد تدفقت لصفوفنا حشود من الذين كانوا يعتقدون أن الثورة ستنتصر وأنه لم يعد من الممكن البقاء على الحياد “وشهدنا انضمام أناس لم يكونوا مطلقا مثل المناضلين الوطنيين الذين عرفناهم من قبل وحتى ذلك الحين، كان المقاتلون مدفوعين ويسكنهم إيمان صارم يبدو أن أولئك الذين جاؤوا إلينا قد تأثروا بالأحداث عندما كانت أشرعة الثورة في تصاعد كانوا معنا مائة بالمائة وعندما صارت الأمور أصعب كانوا يصابون بالخيبة بسرعة”.
كانت هذه الفترة من أصعب فترات الثورة وحتى وإن واصل جيش التحرير القيام بعمليات إلا أنها من أجل المحافظة على الجانب النفسي للشعب وإعطاء الانطباع أن الثورة لا تزال مستمرة.
كانت سنوات 58 و59 من أصعب سنوات حرب التحرير، خلال هذه الفترة انفجرت عدة أزمات على غرار قضية لعموري وقضية زوبير وقضية القاعدة الشرقية وقضية قادة الولايات الداخلية.
فبعض قادة الولايات الداخلية استاؤوا من تدهور الوضع، بحسن نية واعتقادًا منهم بأنهم كانوا يقومون بعمل جيد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، كانوا على وشك الخيانة بمحاولة المستحيل.
كان هذا حال قائد الولاية السادسة عز الدين لكن الظاهرة حسب بن طوبال لم تكن مقصورة فقط على أشخاص لكنها مسّت كل الثورة فالمشاكل والقضايا العميقة صارت قضايا أشخاص.
يفصل بن طوبال في هذه المرحلة فيقول: “كان الخلاف على قدم وساق وكانت الحلول في الواقع مجرد مسكنات، في هذا التوقيت بالذات قرّرنا إطلاق حملة دبلوماسية مع البعثات إلى الجهات الأربع من العالم كنا نريد إعطاء انطباعا بأن الحل قريب”.
يقول بن طوبال إن هذه الحملة أتت أكلها لأنها وبداية من 1956 و1957 بدأ جنود فارون من الجيش الفرنسي يلتحقون بالثورة لأن الثوار وصلوا إلى إدخال الشكوك في نفوس الجيش الفرنسي “لم يحدث ولا مرة أن أقدم أي جند من حزب الشعب أو المنظمة الخاصة أو أي مناضل من مناضلي الساعات الأولى أن التحق بالجيش الفرنسي”.
“من فعلوا هذا كانوا متعاونين قدماء مع فرنسا والذين جاؤوا إلى الأفلان في حدود سنوات 56 و57 كانوا أناسا ذوي تكوين سياسي جاؤوا نحونا عندما جرفهم التيار لكن بمجرد أن انعكس التيار رفعوا أسلحتهم وحاربونا، لم يشعروا حتى بالعار وهم يوجهون أسلحتهم لإخوانهم وكان هذا جديدا على الثورة”.

اجتماع العقداء العشرة
في هذا الجزء من المذكرات، تطرق بن طوبال لقضية اجتماع العقداء العشرة فيوضح قائلا: “بالنسبة لكريم بلقاسم فإن المشكلة كانت في خمول القيادة التي لم تكن قادرة على الوفاء ومواجهة التزاماتها حتى تكون في مستوى الظروف ويجب تغييرها وكنا على اتفاق بخصوص هذه النقطة وذهبنا لحد اقتراح سحب الرئاسة من عباس ولكن عندما حان وقت تحديد أسس هذا التغيير حدثت انقسامات كبيرة. وكريم قدم نفسه شخصيا لخلافة فرحات عباس لأنه كان يعتقد أن “القيادة تعود لنا فقط لا غير ومن دون مقاسمة”. ولم نكن على اتفاق على هذه الطريقة في الإجراءات كنا نريد إعطاء دينامكية للقيادة لكننا كنا ضد الطريقة التي اقترحها كريم، كنا نريد العودة لبرنامج الثورة، العودة لتحديد الأهداف، كنا في مأزق وللخروج منه قدم فرحات عباس اقتراحا لتحكيم عقداء الداخل.
“وبعد نقاش رسم وقبل اقتراح فرحات عباس وأسندت المهمة إلى كريم لتنفيذ الاقتراح بصفته وزيرا للقوات المسلحة كانت مبادرة غير مسبوقة فلأول مرة منذ 1954 نوجّه نداء للقوات المسلحة لتحكيم خلاف بين قادة الثورة”. يضيف بن طوبال.
هذه الخطوة سيكون لها مستقبلا تداعيات وتأثيرا على سير الثورة، يقول صاحب المذكرات إنها “كانت بالنسبة للحكومة أكثر من تنازل أمام مسؤولياتها، هذه الخطوة هي بمثابة إقرار بعدم أهليتها وفشلها وكانت إذانا ببداية الانقسامات”.
يؤكد بن طوبال أنه “غير مقتنع أن الاقتراح جاء من فرحات عباس نفسه لم يكن له فن إدارة المناورات، كان غير قادر على اتخاذ وإدارة هذا النوع من القرارات”. وحسب بن طوبال، فإن الاقتراح جاءه من شخصين اثنين هما عبد الحميد مهري وفرانس فهما “مفكراه الشخصيان”، لابد أنهما أقنعاه أن الاقتراح المقدم للعقداء لن يثير اعتراض أي شخص بالإضافة إلى أنه سيكون دعما لهم ضد الأعضاء الآخرين أي ضد كريم وبوصوف وبن طوبال”.
كانت هذه الحادثة تحوّلا كبيرا وخطيرا في مسار الأحداث وتداعياتها، كانت آثارها متعددة على مسار الثورة في ما بعد، وكانت بداية انقسام حقيقي، حيث غرقت الحكومة المؤقتة في خلافات وصراع الأشخاص.
في هذه الظروف عقد ما عرف باجتماع العقداء حيث جمع مسؤولي الولايات وهم محمدي السعيد وهواري بومدين الذي كان يمثل القيادتين الشرقية والغربية “لقيادة الكوم”. وضم الاجتماع كل من سعد دحلب ومحمد ايزوران وعلي كافي وحاج لخضر وكريم بلقاسم وعبد الحفيظ بوصوف وبن طوبال.
في هذا الاجتماع كان بومدين المتحدث باسم المجموعة واقترح إبعاد كريم وبوصوف وبن طوبال أي الحكومة من الاجتماع لأن فرحات عباس اقترح تحكيم العقداء في المشكلة.
يقول بن طوبال إن رد فعل المجموعة كان قاسيا بالإجماع “الاجتماع يجب أن ينظم بنا ومهما كانت صياغة الرسالة تاريخيا ما زلنا مسؤولين عن تقرير مصير الشعب الجزائري ومازلنا نمثل الثورة ولسنا مستعدين لترك المجال مفتوحا لأي كان ليقرّر مستقبل البلد”، يضيف بن طوبال مؤكدا عند هذا الحد “خفف بومدين من نبرته وخفض صوته: “لم أقل هذا بالنسبة لي هو إجراء شكلي بسيط، كنت أريد رفع الجلسة لنتشاور فيما بيننا قبل أن ننادي عليكم”، فرد بن طوبال: “لن ترفع الجلسة ولن يكون هناك اجتماع مستقل مثلما تقول تم استدعاؤكم من طرف وزارة القوات المسلحة كمعاونين وسنناقش معا حلول الأزمة التي نتواجد فيها وسنحضر معا استدعاء مجلس

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!