الجزائر
شهادات المجاهد ياسف سعدي لـ"الشروق":

هذه تفاصيل القبض على رابح بيطاط في قلب العاصمة

وردة بوجملين
  • 6478
  • 8
ح.م
ياسف سعدي

يروي ياسف سعدي في لقاء سابق مع الشروق تفاصيل مسيرة كفاحه ضد المستعمر الفرنسي، منذ طفولته إلى مرحلة الاستقلال، مرورا بأهم المحطات التي جمعته بأبرز قادة ثورة نوفمبر المجيدة، حيث يقول “كنت أنا ورفاقي نقوم بكتابة عبارات مناهضة للاستعمار على الجدران بالطباشير ونهرب، عندما كنا أطفالا صغارا، ثم انتقل الكفاح إلى الفنانين الذين يحيون حفلات الأعراس على غرار الفنان محمد العنقى، وبعد انقضاء العرس نقوم بأداء الأناشيد الوطنية وأناشيد أخرى عن فلسطين. وهكذا نشأنا متشبعين بالروح الوطنية”.

في تلك الفترة ـ يقول سعدي ـ انعقد اجتماع جماعة الـ22، وكان زعماء النضال قد باشروا في إطلاق حملات التوعية لكسب تأييد الشعب وتوعيته بضرورة تفجير الثورة في كامل التراب الوطني، وعلى رأسهم بن بولعيد الذي كان في الأوراس، ديدوش في قسنطينة، رابح بيطاط، محمد بوضياف، بن مهيدي، كان هؤلاء يلتقون جميعا بالقصبة وكان ديدوش مراد يتكفل بإقامتهم في القصبة، وعندما يفكرون في اللقاء أو الاجتماع يقصدون كشيدة الذي كان يملك محلّ خياطة، وبقي الحال على ما هو عليه إلى أن قرروا تفجير الثورة، وأعقب ذلك انطلاق شرارتها في مختلف أنحاء التراب الوطني بعمليات فدائية.

وذكر ياسف سعدي أول مهمة له في الثورة، حيث “كلفت رفقة شخص يدعى “تشيكو” بقتل شخص يدعى لعزيب بعد أن منحوني السلاح من أجل ذلك، ولكنني فشلت بسبب خلل في المسدس، بعد ذلك ذهبت إلى مخبزة ديدوش مراد وبقيت انتظره وإذا بهم يخبرونني أنه في قسنطينة، بينما كان رابح بيطاط في ذلك الوقت قد التحق بالعاصمة، وقام هو الآخر بنصب كمين لعسكر فرنسا بالبليدة رفقة أوعمران وكريم بلقاسم، كما قتل بن بولعيد في ذلك اليوم فرنسياً.

وأذكر أنه في بداية الثورة ـ يقول سعدي ـ طلب رابح بيطاط أن يعمل في العاصمة، والعربي بن مهيدي كان يحكم وهران، وديدوش مراد الذي سبق وأن عمل في قسنطينة طلبوا منه مواصلة الكفاح هناك، وكنت في ذلك الوقت مناضلا تحت قيادة ديدوش مراد.

وجاء بيطاط ـ يضيف سعدي ـ إلى المخبزة فأدخلته إلى غرفة، وأخذنا نتبادل أطراف الحديث، فقال لي “لم أجد أحداً، فقلت له: أنا هنا، وأعربت له عن استعدادي للجهاد ولتقديم كل الدعم للثورة واستضفته في بيتي. وبينما كنا جالسين معا قدمت له مبلغاً يقدر بـ7000 دج بقيمة الدينار الجزائري في ذلك الوقت، وضعتها على المائدة وقلت له: هذا كل ما أملك، ثم أردفت متسائلا: هل نستطيع نحن الاثنين أن نواجه فرنسا بهذه الإمكانيات البسيطة؟”، فرد عليّ بلهجة مفعمة بالأمل والتفاؤل قائلا: طيب، في الأول يجب أن نتواصل مع بقية قادة الثورة في مختلف أنحاء التراب الوطني”، فلم أعارض ذلك وبالفعل ذهبت إلى مغنية وباتنة وإلى السمندو – منطقة تقع بين قسنطينة وسكيكدة – للقاء ديدوش وذهبت إلى القبائل وذهبت إلى سويداني بوجمعة بمنطقة الشبلي من أجل ربط حبل التواصل فيما بينهم وإبلاغهم بموعد اللقاء الذي سيجمع قادة الثورة شهر جانفي لتقييم الثورة، وانضمّ عبان رمضان الذي كان قد غادر السجن في ذلك الوقت بعد أن قضى فيه مدة خمس سنوات وبقي في ميشلي تحت الإقامة الجبرية، وقال كريم بلقاسم في ذلك الوقت إنه لو كان عبان رمضان خارج السجن لكان ضمن جماعة الستة الذين فجروا الثورة بالنظر إلى الذكاء والحنكة اللذين كان يتمتع بهما، بالإضافة إلى وطنيته الكبيرة، جاء عبان رمضان إلى القصبة في ذلك الوقت والتحق بنا.

ويقول سعدي إنه ركز في تلك الفترة على استقطاب خيرة المثقفين الذين كانوا يترددون على قهوة التلمساني بالقصبة، والذين شرعوا في الدعاية للثورة من أجل تجنيد المناضلين وكذا ضمان التموين للثورة، بينما بقيت أنا مع رابح بيطاط الذي أرسلني إلى مختلف أنحاء التراب الوطني للقاء قادة الثورة.

وفي تلك الفترة ظهر “الجودان” وكان معنا في المنظمة السرية ولكنه أصبح عميلاً للسلطات الاستعمارية، اقتحم التنظيم وتغلغل بيننا وأذكر أنه قال لنا “لقد جئت عبر الحدود وتوجد وسيلة لإدخال السلاح من تونس إلى الجزائر وسأجلب لكم مخطط إدخاله إلى العاصمة فيما بعد”، وبقي المدعو “الجودان” معنا بعد أن أقنعنا بأنه شخصٌ جدير بالاعتماد عليه، وبدأنا نحضر لعملية إدخال السلاح بجدية لتوزيعه على مختلف أنحاء التراب الوطني، فحدد موعداً للقاء كريم بلقاسم ورابح بيطاط من أجل وضع مخطط إدخال السلاح، وفي يوم اللقاء غاب كريم بلقاسم ونزل عبان رمضان لوحده إلى القصبة، والتقاه في مقهى، فقال له عبان: هل جلبتَ المخطط؟ قال له: نعم، وقام “الجودان” بدفع الطاولة على بيطاط واكتشف بعدها أن القوات الاستعمارية كانت تحاصر المكان فأُلقي القبض عليه في تلك الحادثة، كنت في ذلك الوقت في المنزل جالسا وإذا بواكلي وهو صديق لكريم بلقاسم، بالإضافة إلى أن القادة تعودوا على الاجتماع في بيته، يجري وقال لي: لقد ألقي القبض على بيطاط. وعندها أدركت أنه هو وراء تدبير خطة إلقاء القبض على بيطاط.

ويقول ياسف سعدي إن “الجودان” وشى بنا جميعا، وجاء الدور بعدها عليّ، إذ اقتحموا مخبزة والدي، حيث أعمل وخربوا كل شيء، ذهبت بعدها إلى تلك الشقة من أجل لقاء عبان رمضان وكريم بلقاسم، ولكنني وجدت عبان لوحده، فقلت له لقد ألقي القبض على “سي موح” أي بيطاط، ورويت له تفاصيل الحادثة فقال لي “عرفتها.. وكنت حاس بلي هذاك الجودان ماهوش صافي”.

مقالات ذات صلة