-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
لخضر بن طوبال يواصل سرد أحداث الثورة في الجزء الثاني من مذكراته:

هذه تفاصيل اغتيال عبان رمضان

زهية منصر
  • 14950
  • 2
هذه تفاصيل اغتيال عبان رمضان
ح.م

يواصل المؤرخ والباحث، دحو جربال، في الجزء الثاني من مذكرات بن طوبال، سرد عديد الحقائق المتعلقة بالقيادات التاريخية للثورة والصراعات والتصفيات التي عرفتها حرب التحرير، حيث توقف لخضر بن طوبال المدعو السي عبد الله، في هذا الجزء الذي أصدرته مؤخرا منشورات الشهاب تحت عنوان “استعادة السيادة”، عند عديد القضايا الإشكالية في ثورة التحرير، وفي مقدمتها قضية اغتيال عبان رمضان، اجتماع العقداء، قضية لعموري وأزمة الحكومة المؤقتة مع قيادة الأركان وغيرها.

يكتسي الجزء الثاني من مذكرات بن طوبال أهمية من جانبين اثنين، من ناحية طريقة الكتابة التي قدم بها من طرف دحو جربال الذي اعتبرها في مقدمة الكتاب نتيجة لطريقة العمل التي تبناها الجيل الجديد من المؤرخين الجزائريين ردا على المؤرخين الفرنسيين الذين كانوا يعتمدون الكتابة التاريخية حصرا وفقط استنادا إلى الوثيقة المكتوبة بينما يعتبر جربال أنّ المصادر الشفوية وهي شهادات المجاهدين والفاعلين يمكنها أيضا أن تكون مصدرا من مصادر التاريخ ووثيقة يعتد بها، بل ويعتبرها جربال وسيلة مهمة بإمكانها التأسيس لمدرسة جزائرية في كتابة التاريخ بعيدا عن الهيمنة الفرنسية التي تحتكر الأرشيف، ويظهر الجانب الثاني من أهمية مذكرات بن طوبال أنها تقدّم تحليلا سياسيا وحتى سوسيولوجيا للعلاقات بين قادة الثورة وبإمكانها تقديم صورة عن الممارسة السياسية وطريقة إدارة مختلف المؤسسات التي كان لها الامتداد إلى ما بعد الاستقلال.

يواصل لخضر بن طوبال في هذا الجزء الثاني من مذكراته من حيث انتهى الجزء الأول عندما غادر إلى تونس، وقد توقف مطولا عند أحد أعقد وأصعب الأحداث التي واجهت الثورة وهي تصفية عبان رمضان وحرب الزعامة بينه وبين كريم بلقاسم.

كما عاد بن طوبال في هذا الجزء الغني بالأحداث والتواريخ والأسماء إلى حادثة تعيين العقيد محمد الشريف قائدا لولاية الأوراس، حيث قال السي عبد الله إن أوعمران أخطأ في تعيين محمد الشريف: “كنت ولا زلت أعتبر هذا الأمر خطأ جسيما وكان أوعمران أول من دفع ثمن هذا القرار” لاحقا. ويضيف صاحب المذكرات أن تعيين محمد الشريف جاء في إطار الصراع التاريخي بين الأوراس والنمامشة لكن محمد الشريف وجد هذا التعيين طريقا للاستيلاء على مجلس الثورة ويقول بن طوبال: “إن المجلس لم يستول على السلطة ولكننا نحن من سهل له المهمة”.

في هذا الجزء توقف بن طوبال عند بداية بروز عبان رمضان حيث يقول إنه في القاهرة “طلب عبان رؤيتي، خرجنا إلى المدينة لنتحدث وطرح علي تصرفات بوصوف في المغرب ووصفها بالدكتاتورية. لم يكن عبان يعرف أنني أعرف بوصوف وأننا نعرف بعضنا منذ شبابنا الأول وكنا مع بعض في تشكيل الخلايا الأولى للثورة واستغربت قوله، لكني تركته يتحدث. قال لي: يجب أن تساعدني لتصفية بوصوف.. الثورة صارت بين أيدينا ولم يبق أمامنا غير خطر واحد هو بوصوف وعليك أن تساعدني لتصفيته، قلت له لماذا؟: قال لي إنه رجل قوي ويسير نصف الجزائر، استغربت أن الذي جاء بعد اندلاع الثورة يريد تصفية من كان هنا قبله”.

في هذا الجزء، توقف بن طوبال مطوّلا عند الخلفية التي أدت إلى تصفية واحد من كبار قادة الثورة عبان رمضان حيث يقول إنه كان ميالا لاتخاذ القرارات بمفرده دون الرجوع لبن طوبال ولا لبن مهيدي في منطقة الجزائر العاصمة ووصل به الأمر إلى عقد اجتماعات داخل جيش التحرير واستعمال الاتحاد العام للعمال الجزائريين وصحيفة المجاهد لفرض آرائه وقراراته.
تم طرح قضية عبان لأول مرة في اجتماع في تونس اتخذ لإعادة تصحيح بعض مسارات مؤتمر الصومام، دام الاجتماع 15 يوما الأولى من شهر أوت، في هذا الاجتماع بات واضحا أن عبان يريد الانفراد بالثورة وكان يجب البحث عن طريقة لتحييده لكن أوعمران كان ضد هذا القرار ويعتقد أن المجموعة ما زالت بحاجة إليه لأنه يتفوّق عليهم خاصة في امتلاكه حسّ القيادة. لكن تمادي عبان في سلوكه جعل المجموعة تتخذ القرار بتصفيته.

تفاصيل اغتيال عبان رمضان
طرحت قضية عبان على لجنة التنسيق والتنفيذ التي لم تفعل شيئا واستمر عبان في تصرفاته الأمر الذي دفع بالمجموعة إلى الاجتماع بحضور “كل من كريم، بوصوف، محمد شريف، وأنا. يقصد لخضر بن طوبال وبالنسبة لأوعمران، لا أتذكر جيّدا، هل كان في القاهرة، أم ترك لنا وكالة للتصرف باسمه. لكنه منح المجموعة ثقته وأبدى موافقته على أي قرار ستتخذه”.

قامت المجموعة باستدعاء عبان وكانت دعوة “صارمة” لا تشبه الدعوات السابقة لتنظيم الاجتماعات وتم اقتياده إلى فيلا بتونس. لم يدم الاجتماع غير بضع دقائق حيث تمت مواجهة عبان بكل الوقائع والتصرفات التي أقدم عليها. يقول بن طوبال إنه تحدث باسم المجموعة مخاطبا عبان: “حذّرناك منذ البداية، لكنّك لم تتوقف عن العمل التخريبي، والتشويه الذي اتّبعته، كالاجتماعات التي تنظّمها داخل صفوف الجيش، والسياسة الشخصية التي تتّبعها ضمن أعمدة جريدة المجاهد والتعليمات التي كنت تقدمها للاتحاد العام للعمال الجزائريين طرحنا مشكلتك على لجنة التنسيق والتنفيذ لكن الآخرين رفضوا تحمّل مسؤولياتهم ولأن نحن من سيتخذ القرار وهذا آخر إنذار ومهما كانت شخصيتك وقوتك هذا لن يحميك، ولا تظن أن هذا سيجعلنا نخاف منك وهذا آخر اجتماع سيعقد يا إما أن تتوقف عن تصرفاتك وتبقى عضوا مثلنا في لجنة التنسيق والتنفيذ أو سنتخذ حينها مسؤولياتنا”. ويضيف بن طوبال: “غادرنا ولم ندخل معه في مناقشة وإن كان لم يقل شيئا ذا بال ربما لأنه كان قد انغمس في الخطأ لم نكن هناك لنناقشه لكن لنقدم له آخر إنذار رسمي”.

يواصل بن طوبال في سرد تفاصيل قضية تصفية عبان رمضان فيقول: “استمر عبان في تصرفاته وأصرّ على سلوكه مدّة شهر تقريبا لم يتدخل أحد في لجنة التنسيق والتنفيذ، لا أدري هل كانوا خائفين لكن لا أحد نصح عبان بالتوقف عن نشاطاته ولا أحد اتّخذ قرارا”.

وهنا اجتمعت المجموعة ودبرت أمر سفره إلى المغرب وتحييده وتقرّر سجنه هناك في حال استمر في سلوكه سيتم تكوين ملف أمام لجنة التنسيق لتقديمه للمحكمة الثورية”. ويبرر بن طوبال اختيار المغرب فيقول “لأن عبان لا يملك هناك أي دعم ولا يمكنه الاستفادة من أيّ مساعدة، لا من فدرالية فرنسا، ولا من الاتّحاد العام للعمال الجزائريين، ولا “المجاهد” ولا من بعض عناصر الولاية. في المغرب كانت الأمور مضبوطة نوعا ما عكس تونس حيث كانت تعم الفوضى وكل شيء محتمل”.

وضم الاجتماع الأخير الذي قرّر مصير عبان كل من كريم بلقاسم، محمد شريف، وبن طوبال ويوضح صاحب المذكرات أن كريم كان مع إعدام وتصفية عبان وقال مخاطيا بن طوبال: كنت في القاهرة وبوصوف موافق على القرار عليك أن تصوّت معنا لهذا القرارّ. بن طوبال يقول إنه ثار على كريم وقال “بن طوبال لن يستعمل عقل بوصوف ليفكر. بوصوف وحده وأنا لوحدي، وأمام التّاريخ، لا يقولون بوصوف، لكن بن طوبال وبوصوف، كلّ واحد منهم مسؤول باسمه على القرارات التي سيتّخذها” لكن كريم دافع عن وجهة نظره وقال: “أوعمران أيضا يرى أن عبان قد أصبح عدوا وهو خطر على الثورة ويجب تصفيته، ويوضح بن طوبال أن أوعمران كان منحازا لقرار تصفية عبان وقد اتخذه والتنكر لهذا القرار في ما بعد دناءة”.

وكان أيضا محمدي السعيد الذي التحق للتو بجماعة الخارج قد اتخذ قرار تصفية عبان “إذا لم تقتل عبان، سأقتله بنفسي. يجب عدم تركه ليذهب بعيدا”. كريم هو الذي نقل حديثه من القاهرة.

محمدي لم يكن عضوا في هيئة الأركان ولم تكن الحكومة المؤقتة قد أنشئت بعد، كان يتحدث باسم الولاية الثالثة ويقول بن طوبال إنه الوحيد الذي وقف ضد قرار تصفية عبان ولكنه يوضح “كنت دائما أعتقد – وأعيدها أمام التّاريخ- أنّ عبان يستحقّ الموت، وما زلت أتمسّك بموقفي حاليا، لكن مالا أقبله، لا لعبان، ولا لآخر، أنّ هذا سيخلق سابقة غاية في الخطورة حيث يمكن أن يكون ضحيتها أيّ قائد للثورة” …”عبان يستحق أن يمثل أمام المحكمة بعد تكوين ملف يضم الوقائع التي تدينه وإذا قضت المحكمة بإعدامه كان سيمر عبر المقصلة لأنه يستحق ذلك”. ويواصل بن طوبال في الفصل الذي يسرد وقائع اغتيال عبان فيقول: “كنت إذن متواطئا فيما يخصّ ذهاب عبان إلى المغرب. وأنا بنفسي من أخبرهم بالمهمة التي سينجزها مع كريم ومحمد شريف تجاه الحكومة المغربية، قبل بالمبدأ خاصّة وأنّ مشاكل عدّة تحتاج لحلّ مع المغرب… ذهب الثّلاثة، وبقيت بتونس لضمان المداومة في لجنة التنسيق وكنت متيقنا أن كريم سيتراجع عن قراره لأنه كان قد بدا وكأنه غيّر رأيه. أربعة أو خمسة أيّام فيما بعد، تسلّمت رسالة من اللاسلكي يخبرني كريم بعودته في المطار، حيث ذهبت لاستقباله، التقيت بمحمد شريف الذي نزل الأوّل فبادرت بالسؤال ماذا حدث لعبان، عبان مات، ورغم ذلك تعرفون موقفي. قلنا بأنّه لا يجب إعدامه فأجاب: بوصوف أجبرنا على إعدامه فقلت: لكن بوصوف لا يمكن أن يقرّر دونكم! ذهبت بنفسك من هنا وأنت متّفق على هذه النقطة. أوقف محمد الشريف المناقشة بعد أن على الصراخ وعلت أصوات المجموعة فقال الشريف: اصمت، كلّهم يسمعوننا. انتظر حين نصل للمداومة لنتحدّث وقال كريم: نعم، مات عبان. لنذهب إلى المكتب حتّى يسمع بعضنا بعضا”، ذهبنا مباشرة إلى المداومة حيث اجتمعنا نحن الثّلاثة، وقال بن طوبال: “إن الثلاثة يتحملون مسؤولية موت عبان، لا أعرف بوصوف بمفرده، أعتبركم الثّلاثة مسؤولين على موت عبان لأنّكم كنتم حاضرين الثلاثة. ذهبتم من هنا ضدّ أيّ إعدام لا يصدر عن المحكمة وكنتم ثلاثة”.

لهذا السبب دعّم كريم بلقاسم تصفية عبان رمضان
يذهب بن طوبال بعيدا في تحليل وقائع اغتيال عبان ويقول إن كريم دعّم القرار وأصر عليه ليس لأن عبان كان خطرا على الثورة ولكن لأنه كان ضد مشاريعه “كريم لم يكن بوسعه السّيطرة على الثّورة مادام عبان هنا”. ويؤكد صاحب الكتاب أنه التقى لاحقا مع بوصوف عندما وصل إلى تونس وأكد له اتفاق المجموعة كلها وإصرارها على اغتيال عبان وكانوا يحملون تفويض من محمدي السعيد وأوعمران ويقول بوصوف إنه نفذ قرار المجموعة بصفته المشرف على المنظمة في المغرب.
تصفية عبان رمضان وإصرار كريم على موقفه لم يكونا الشيء الأكثر خطورة حسب بن طوبال لكن غيابه جعل “الحرب مفتوحة بيننا وبين كريم من أجل السلطة مع فارق أن كريم كان أقل ذكاء بكثير من عبان”.
واستنادا إلى مذكرات بن طوبال فقد فتحت تصفية عبان رمضان جبهة أخرى للصراع والتحالفات بين رفقاء السلاح فيقول “بعد غياب عبان صارت الأمور واضحة محمد شريف أعلن عداءه لبوصوف وبن طوبال وأخذ جانب كريم بلقاسم ولهذا صار كريم يتخذ قرارات دون استشارة أي أحد”. فقد أقدم كريم على تعيين محمدي السعيد على رأس قيادة الأركان، وهذا أحاط نفسه بمجموعة من الضباط الفارين من الجيش الفرنسي، هذه العملية تمت بوساطة من الرائد إيدير وهو شخصيا من اختار له العسكريين الذي وضعهم في قيادة الأركان. تصرفات كريم وقراراته قسمت لجنة التنسيق والتنفيذ إلى اتجاهين كريم ومحمد شريف من جهة ولخضر بن طوبال وبوصوف من جهة أخرى.
واشتد الخلاف بين كريم وبوصوف وبن طوبال وأخذ منعرجا خطيرا. في هذه الأثناء كان بومدين قد أخذ قيادة الولاية الخامسة.
ونتيجة لهذه الحرب المفتوحة بين الرفقاء يعترف بن طوبال بأنه “في لحظة يأس اقترح علي بومنجل وبوصوف ترك السلطة لكريم مجرد عنوان فقد وليس سلطة مطلقة حتى تستمر الثورة لكن القرار رفض بشدة، المشاكل كانت قد تراكمت وهدّدت بجدية السير الحسن للثورة”.
ويقر بن طوبال بأن كريم لما فقد دعم محمد شريف ووجد نفسه تقريبا وحيدا، طلب رؤية بوصوف وبن طوبال واعترف له أنه هو ومحمد الشريف سبق وفكرا في التخلّص منه “فكرنا في التخلص منكما أنتما الاثنين يقصد بوصوف وبن طوبال، فبالنسبة لكريم لم يكن ممكنا الاختلاف مع بوصوف دون تصفيته وأنت صديقه (يقصد بن طوبال) كان يمكنك الانتقام لموته، وبعد تصفية عبان بقي هو العقبة الوحيدة في وجهي لتكون لي السلطة كاملة”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • Imazighen

    ما لم افهمه في هذا النص...هو ماذا؟ فعل المرحوم عبان حتى يعدم فقط...ممكن توضحي يا أخت زهية..

  • صالح/ الجزائر

    خير الكلام ما قل ودل .