الرأي

هذه أولى بركات غزوة 7 أكتوبر

حسين لقرع
  • 1600
  • 0

قبل سبعة أشهر فقط، كانت القضية الفلسطينية نسيا منسيا؛ لا أحد كان يتحدّث عن “حل الدولتين” أو ضرورة قيام دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب “دولة” الاحتلال.. كانت الكثير من دول العالم، وفي مقدّمتها دول الغرب، تتجاهل تماما أنّ هناك شعبا مستعمرا مضطهدا محروما من أبسط حقوقه السياسية منذ 75 سنة كاملة، وكانت القضية الفلسطينية على وشك التصفية، وبقيت توسّلات سلطة رام الله للاحتلال وللعالم بلا آذان صاغية.

اليوم، تغيّر الوضع وبدأت الأصوات تتعالى باستمرار بضرورة إحياء “حل الدولتين” وقيام دولة فلسطينية، وأخذت دول الغرب الكبرى تتحدّث عن حتمية قيام دولة فلسطينية على حدود 4 جوان 1967، وبدأت دول صغيرة في العالم تعترف بها، وأعلنت دول أوروبية أنّها تعتزم الاعتراف بالدولة الفلسطينية في 21 ماي الجاري، ثم جاء التصويت على عضوية فلسطين في الأمم المتحدة كاسحا وبموافقة 143 دولة في العالم مقابل رفض 9 دول فقط وامتناع 25 دولة أخرى.

ما يجري اليوم من إحياء القضية الفلسطينية ليس بفعل مسار المفاوضات الماراطونية العبثية مع الاحتلال، ولا نتيجة توسّل سلطة رام الله لدول العالم لتعترف بها، بل هو من ثمار غزوة 7 أكتوبر المباركة التي كانت زلزالا كبيرا هزّ العالم؛ فقد استعملت المقاومة اللغة المناسبة التي يفهمها العدو وضربته في مقتل، فأدركت دول الغرب أنّ هذه الغزوة هي أنموذج مصغّر لكيفية تحرير فلسطين مستقبلا؛ فحينما تتعاظم قوّة المقاومة، وينضم إلى صفوفها مئات الآلاف من المقاومين الأشاوس، وتملك المزيد من الأسلحة الفعّالة، وفي مقدّمتها المضادات الجوية التي تحيّد بها طيران العدو الذي يعربد الآن في أجواء غزة بكل حرية، وتنضمّ إليها جبهات أخرى، آنذاك، يمكن أن تتكرّر غزوة 7 أكتوبر المباركة، ولكنّ ليس في مستوطنات غلاف غزة والنقاط العسكرية المحيطة بها فقط، بل في فلسطين كلّها وسينهار جيش الاحتلال ويهرب ملايين المستوطنين ويصبح الكيان الصهيوني أثرا بعد عين.

هذه الحقيقة التي أدركها الغرب عقب غزوة 7 أكتوبر المباركة هي التي جعلته يتحدّث علنا عن “حل الدولتين”، وتصوّت بعض دوله لصالح عضوية الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، وتستعدّ للاعتراف بها، ليس حبّا فيها، بل بهدف إنقاذ الكيان الصهيوني من الانهيار مستقبلا، وهي تضغط عليه للقبول بهذا الحل وتحاول إقناعه به قبل فوات الأوان، وكلّما طالت الحرب وعجز جيش الاحتلال عن سحق المقاومة المتحصّنة في شبكة أنفاق عميقة ومتشعّبة، ازداد يقين الغرب بأنّ الحل يكمن في “حل الدولتين” وتقسيم فلسطين، وبعدها يمكن للعالم كله الاتحاد ضدّ المقاومة إذا لم تقبل الاعتراف بـ”حقّ إسرائيل في الوجود” جنبا إلى جنب مع الدولة الفلسطينية الفتيّة، ورفضت نزع سلاحها، وواصلت مقاومة الاحتلال بغية تحرير فلسطين كلّها من النهر إلى البحر.

لكنّ المعضلة التي تواجه العالم الآن أنّ حكومة الاحتلال المتطرّفة بقيادة نتنياهو والتي تضمّ وزراء متعصِّبين أمثال بن غفير وسموتريتش، ترفض قطعا قيام دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب ما يسمى “إسرائيل” ولو كانت منزوعة السلاح، وقد صوّتت منذ أسابيع بالإجماع على عدم الاعتراف بأيّ قرار دولي يعترف بالدولة الفلسطينية. وتؤمن هذه الحكومة المتطرّفة بأنّ فلسطين هي “أرض الميعاد” وينبغي أن تكون دولة يهودية خالصة، والقدس عاصمتها الموحّدة، والأقصى هو الهيكل الثالث، لذلك ترفض بقوّة تقاسمها مع الفلسطينيين ولو تعلّق الأمر بـ22 بالمائة فقط من الأرض، وتحاول حلّ الصراع عسكريّا من خلال محاولة القضاء على المقاومة في غزة والضفة تماما، والسيطرة على القدس كاملة، وابتلاع الضفة بالاستيطان المتواصل وقضم الأراضي، وهدم الأقصى وإقامة الهيكل الثالث مكانه، وإرغام الفلسطينيين على قبول العيش بلا حقوق سياسية، أو الرحيل إلى الأردن ومصر، أو مواجهة القتل على يد جيش الاحتلال.. هذا هو تفكير الكيان كما ورد على ألسنة العديد من وزرائه ومسؤوليه، وهذا ما يخدم في الواقع المقاومة الفلسطينية التي ترفض بدورها وجود “إسرائيل” على 78 بالمائة من فلسطين التاريخية، وقيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح على 22 بالمائة فقط، وهي تسعى منذ عقود إلى تحرير فلسطين كلّها من النهر إلى البحر.

كان الاستعمار الفرنسي في بداية الثورة يريد القضاء عليها كلّيا ويرفض تقديم أيّ تنازل للجزائريين، ولكنّ حينما اشتدّ لهيب الثورة، أصبح يفاوض على منحهم شمال البلاد لإقامة دولة جزائرية مستقلة، مقابل سيطرته على الصحراء الكبرى، لكنّ المجاهدين رفضوا قطعا تقسيم بلدهم وواصلوا الثورة إلى غاية دحر الاستعمار الفرنسي وتحرير الجزائر كلّها، والأمر نفسه سيحدث في فلسطين مهما طال الزمن وعظمت التضحيات، فالاحتلال -مهما كانت جنسيته- لا يفهم إلا لغة القوّة.

مقالات ذات صلة