-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
نخب فرنسية حالمة لا تزال تتحسر على نتائج مفاوضات إيفيان

هذا ما خسرته فرنسا برفض الجزائريين فصل الصحراء

محمد مسلم
  • 3541
  • 0
هذا ما خسرته فرنسا برفض الجزائريين فصل الصحراء
أرشيف

تعتقد الكثير من النخب الأمنية والسياسية والدبلوماسية في فرنسا أن المشاكل التي تعاني منها فرنسا في منطقة الساحل، وكذا تلك التي تضرب أصدقاءها في المغرب العربي، على غرار النظام المغربي، مصدرها سوء تعامل المفاوض الفرنسي مع نظيره الجزائري في اتفاقيات إيفيان، التي رسّمت انهزام فرنسا في حربها على الجزائر إبان الثورة التحريرية.
هذا الاعتقاد يثار لأول مرة من قبل أوساط أمنية ودبلوماسية في فرنسا، على قناة “أوبن بوكس تي في”، التي يملكها ويديرها مسؤول كبير سابق في المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي، ألان جويي، المستشار السابق للوزير الأول الأسبق، فرانسوا فيون، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، بحضور السفير الفرنسي الأسبق بالجزائر على مرحلتين، كزافيي دريانكور، أحد منظري التيار اليميني المتطرف في فرنسا.
وفي نقاش ساخن بين ألان جويي، العضو البارز في “المحفل الماسوني الفرنسي الكبير”، وكزافيي ودريانكور، أثار جويي سوء إدارة الوفد الفرنسي المفاوضات مع وفد الحكومة الجزائرية المؤقتة، الأمر الذي قاد إلى تربّع الجزائر على مساحة جغرافية واسعة تمتد حتى إلى عمق منطقة الساحل، التي تعتبر امتدادا للنفوذ الفرنسي في إفريقيا السمراء.
ويتأسف المسؤول السابق بالمخابرات الخارجية الفرنسية(DGSE)، لنجاح الجزائر في الاحتفاظ بصحرائها الشاسعة، في المفاوضات الشاقة والعسيرة التي خاضها الجانبان الجزائري والفرنسي في اتفاقيات إيفيان، والتي حاول من خلالها الفرنسيون الاحتفاظ بالصحراء بفصلها عن الشمال، وهي المحاولة التي باءت بالفشل، بسبب إصرار وفد الحكومة المؤقتة على مواصلة الحرب في حال تمسك الجانب الفرنسي بهذا المطلب غير المنطقي.
وبالنسبة للسفير الفرنسي الأسبق بالجزائر ومعه المسؤول السابق في جهاز (DGSE)، فإنه لو تمكنت فرنسا من استمرار إلحاق الصحراء الجزائرية ووضعها تحت سيادتها، فلم تكن هناك الكثير من المشاكل التي تعاني منها باريس اليوم في فضاء حساس كمنطقة الساحل، كما لم تكن هناك اليوم أزمة في خاصرة المنطقة المغاربية، تسمى القضية الصحراوية، التي أرهقت النظام المغربي، الذي اعتبروه قريبا من فرنسا.
ويرجع هذان المحللان النفوذ الجزائري القوي في منطقة الساحل، لوجود تماس حدودي بين الجزائر ودول هذه المنطقة، ممثلة في كل من النيجر ومالي خاصة، كما أن ترامي حدود الجزائر من الناحية الجنوبية الغربية، إلى موريتانيا مرورا بالصحراء الغربية، سمح لها بإيجاد نفوذ قوي في هذين البلدين، اللذين كانا مستعمرتين فرنسية وإسبانيا على التوالي.
وبالنسبة إليهما، فإن ما يقاسيه النفوذ الفرنسي في منطقة الساحل وفي المناطق القريبة منه (الصحراء الغربية)، إنما سببه تاريخي ويتحمله مؤسس الجمهورية الفرنسية الخامسة، الجنرال شارل دي غول، باعتباره هو الذي سمح بوصول مفاوضات إيفيان إلى نهايتها بالشكل الذي كان بعض الفرنسيين يرفضونه.
وكشف النقاش عن وجود مصلحة لفرنسا في المبادرة التي قدمها النظام المغربي، باعتباره حليفا لباريس وفق رؤية الدبلوماسي ورجل المخابرات، والمتمثلة في ولوج دول منطقة الساحل إلى المحيط الأطلسي، ما يرجح فرضية أن هذه المبادرة لم تكن وليدة القصر العلوي في الرباط، بقدر ما هي إيعاز من باريس، لمحاولة الحد من النفوذ الجزائري في هذه المنطقة المترامية الأطراف، والتي خرجت منها فرنسا مهزومة، أمام قوى ثورية أطاحت بأنظمة عميلة للمستعمر السابق.
غير أن المبادرة التي هلل لها ألان جويي وكزافيي دريانكور، تبدو وقد ولدت ميتة لافتقادها مقومات الاستمرار، التي تتطلب تعاون دولتين مفتاحيتين، وهما الجزائر وموريتانيا، وكلاهما بقي خارج المعادلة، فنواكشوط رفضت تلبية الدعوة التي وجهت لها من قبل النظام المغربي للمشاركة في الاجتماع التأسيسي الذي احتضنته مدينة مراكش المغربية في ديسمبر 2023، أما الجزائر فعلاقاتها الدبلوماسية في حالة قطيعة مع الرباط منذ نحو ثلاث سنوات، يضاف إلى ذلك وجود جبهة البوليساريو في حرب مع المحتل المغربي، وهذا يعني الفشل المسبق والمحتوم لتلك المبادرة لسبب جغرافي آخر، وهو عدم وجود تماس حدودي بين المملكة العلوية ودول منطقة الساحل.
من جهة أخرى، وانطلاقا من مضمون النقاش السالف ذكره، تجدر الإشارة إلى أن هناك الكثير من النخب الفرنسية على اختلافها، لا تزال تعيش على وقع صدمة اندحار فرنسا الاستعمارية في الجزائر، ويتجلى هذا في وصف أوساط فرنسية تحمل التصور المعبر عنه، الجنرال دي غول، بأنه خائن لبلاده، لمجرد أنه قرر الفرار بجلده من جحيم الجزائر، الذي بات كابوسا بالنسبة إليه، كما روى الكثير من مقربيه وعيونه في مفاوضات إيفيان.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!