جواهر
بسبب قسوة زوجة الأب وتخاذل الأهل

نسرين وسعيدة تقضيان الليل في شوارع سطيف!

سمية سعادة
  • 5263
  • 15
ح.م

تحت جنح الظلام، حيث لا تمر إلا السيارات المسرعة، ولا يتسلل إلا بعض المخمورين الذين تتقاذفهم الجدران، تقضي نسرين وسعيدة ليلهما البائس بجوار أحد المحلات التجارية بحي 500 مسكن بسطيف، وعندما تشرق شمس الصباح تلفان الأغطية التي التحفتا بها وتجلسان في مكانهما في انتظار أن يجود عليهما المارة بما يحفظ لهما كرامتهما بعيدا عن الاستجداء ومد الأيدي.
وما لاحظناه من اللحظة الأولى التي تحدثنا فيها مع نسرين وسعيدة، أنهما اكتسبتا ثقة الناس وتضامنهم الأمر الذي جعل علاقتهم بهما أكبر من علاقة المتصدق بالمحتاج، حيث يلقون عليهما التحية ويسألانهما إذا ما كانتا بحاجة إلى أي شيء، وعندما اقترب موعد الغداء وضع أمامهما أحد الشباب علبة بيتزا وانصرف.
ويبدو أن الظروف السيئة التي تعرضت لها الفتاتان التي تتشابه في بعض التفاصيل، جعلتهما على وفاق وانسجام واضحيين، كيف لا وقد خرجتا من بيتهما العائلي قسرا أو تحت الضغط النفسي بسبب تحريض زوجة الأب، وقسوة هذا الأخير الذي فقد مشاعر الأبوة وألقى أبناءه في الشارع لترضى زوجته.
وبالنسبة لنسرين ذات الـ 31 سنة والقادمة من المسيلة، لم يعد لديها ما يجعلها تستمر في العيش في بيتهم الريفي الذي كتبه والدها باسم زوجته الثانية، ولم تعد تطيق الاهانة من طرف أقاربها الذين رفضوا استقبالها في بيوتهم لأكثر من أسبوع، فحزمت أمتعتها وقدمت إلى سطيف، وهي تعلم أنها لن تعود إلى مدينتها وعائلتها حتى وهي ميتة لأنها ترفض أن تعترف بأب شرد أبناءه الخمسة وضيعهم من أجل زوجته.
وتدرك نسرين، أن السبب الرئيسي الذي شتت أسرتها هو الخلافات الحادة التي كانت تنشب بين أبيها وأمها منذ أن تزوجا، ولم يحدث يوما أن اتفقا على أمر واحد، وما زاد من تدهور الوضع، أن والدتها كانت تعانى من اضطرابات نفسية تجعلها تكسر كل ما يقابلها في لحظة غضب، ووصل بها الأمر إلى أنها كانت تأخذ أبناءها الخمسة إلى الشارع لتتسول بهم، ما دفع وكيل الجمهورية إلى إسقاط حقها في الحضانة بتهمة الإهمال العائلي، فقام والدها بالتكفل بهم ولكنه لم يلبث أن تزوج بامرأة لديها بنتان وكتب البيت باسمها، ثم طلقها وتزوج للمرة الثالثة في بيت مستأجر بامرأة قاسية عاملتهم معاملة سيئة، وتلقت نسرين منها أشد أنواع الإيذاء النفسي، وعندما أتيحت لها فرصة الارتباط، تزوجت ولكنها لم تهنأ كثيرا لأن زوجها مات، فاضطرت أن تترك مدينة المسيلة وتتوجه إلى سطيف التي قضت فيها عامين ونصف بعد أن أغلقت في وجهها كل الأبواب.
وهي تتحدث عن ظروفها القاسية، لم تنس نسرين شقيقها ذو 21 سنة الذي وجد ميتا في البئر بعد أربعة أيام من اختفائه العام الماضي، حيث تبكي بحرقة شديدة وهي تروي المأساة التي تعرض لها وحياة التشرد التي قضاها بين الولايات، ورغم ذلك كان يزورها في سطيف حيث تتنقل بين الشوارع ليطمئن عليها، وتحمل نسرين والدها كل المسؤولية في انتحاره أو موته بينما تلتمس العذر لوالدتها في حال إذا ما كانت تفعله خارج عن إرادتها، أما إذا كانت تتصنع الجنون فتقول إنها لن تسامحها مدى الحياة.
والى جانب حياة البؤس التي تعيشها في الشوارع والأزقة، تعاني نسرين من مرض السكري الذي جعل الأطباء يستأصلون عينها اليسرى ويعوضونها بعين اصطناعية، بينما فقدت نسبة 95 بالمائة من الرؤية في عينها اليمنى الأمر الذي زادها بؤسا وشقاء.
أما سعيدة ذات الـ 38سنة، والقادمة من عنابة، فلا تختلف مأساتها كثيرا عن مأساة نسرين، حيث ماتت أمها وجاءت زوجة أبيها لتسمم حياتها لدرجة أنها خيرت والدها بينها وبين ابنته فاختار زوجته وألقى لحمه في الطريق رغم أنه مقتدر ماديا، وإخوتها الذكور يشغلون مناصب مهمة، بينما ماتت أختها الوحيدة بالسرطان بعد مغادرتها البيت.
وبعد أن طردت من بيت أهلها، قصدت سعيدة إحدى قريباتها فرفضت أن تستقبلها في بيتها، أما زوجة أخيها فعاملتها بقسوة شديدة حتى تضطر إلى ترك بيتها، الأمر الذي جعلها تتنقل بين عدة ولايات إلى أن استقر بها المقام في سطيف منذ 5 سنوات، وأصبحت علاقتها بعنابة لا تتعدى المقبرة التي تزورها لتبكي أمام قبر أمها وتروي لها ما أصابها ضياع.
وبعد أن جمعهما القدر، وضعت الفتاتان همهما على بعض وسارا بهما في الطرقات والشوارع، ولئن تلقتا بعض المضايقات من بعض المنحرفات والمتشردات والمخمورين، إلا أنهما وجدتا تضامنا كبيرا من الناس، خاصة وأنهما لم تبديا أي سلوك منحرف، بل ظلتا بعيدتين عن أي شبهات منذ أن جاءتا إلى سطيف، المدينة التي لم تشعرا فيها بالغربة ولم ينقصهما فيها أي شيء.
ورغم ذلك، تبقى نسرين وسعيدة اللتان فضلتا أن تخفيا وجهيهما لحظة التقاط صورة لهما، بحاجة إلى مأوى يقيهما ذئاب الشوارع ويحميهما من البرد خاصة وأننا مقبلون على أشهر باردة، وفي ظل رفض دار العجزة استقبالهما بحجة أن الدار مخصصة للمسنين فقط، يجدر بالمسؤولين إيجاد حل سريع لهما ولكل النساء اللواتي وجدن أنفسهن في الشارع ظلما وعدوانا.

مقالات ذات صلة