الرأي

ندوة الإمام الإبراهيمي في مسجد باريس

كان الشيخ المجاهد العباس بن الحسين العميد الأسبق لمسجد باريس يقول لي بين الحين والآخر مازحا: إنني أؤمن بقوة الله -عزّوجل- وقهره العادل لكل “جبار كفّار”. وعندما يرى تعجبا على ملامح وجهي، يتابع كلامه قائلا: لقد كنت مطاردا من قبل فرنسا المجرمة في الجزائر، لا لشيء إلا لأنني أدعو إلى الإسلام، وأعلّم لسانه المبين، وأدال الله -عزّوجل- الأيام فصرت أدعو إلى ذلك في فرنسا من دانكرك إلى مرسيليا..
وفعلا، فإن إرادة الله -عزّ وجل- غلاّبة، فأذلّ الله -الجبّار- فرنسا الطاغية الصليبية على أيدي من استضعفتهم من جنود الرحمان، من أصحاب اللسان وأصحاب السّنان.. فقذف بحقهم باطلها فإذا هو زاهق، وعلت كلمة الإمام الإبراهيمي، لأنها هي العليا، وهوت في مكان سحيق كلمة فرنسا الطاغية لأنها هي السفلى، فلله الحمد في الآخرة والأولى.
أقيم في مسجد باريس في يوم الخميس الماضي (6/6/2024) يوم دراسي تحت عنوان: “الشيخ محمد البشير الإبراهيمي: حياة الإسلام والجزائر”، وقد نشّط هذا اليوم الأخوان العربي كشّاط، وكمال شكاط، وإمام في باريس.
لقد دعيت للمشاركة في هذا اليوم الدراسي، ولبيت الدعوة، وكان في نيتي أن لا أتكلم عن علم الإمام الإبراهيمي الواسع، ولا عن إيمانه العميق، ولا عن بيانه الساحر، فذلك مما يعرفه الإنس والجان، من الشيبان والنسوان والصبيان، من الخلان والعديان، ومما سارت به الركبان، ولكن لأصدع بما قاله الإمام عن فرنسا الظالمة، وعن عداوتها الراسخة للإسلام، وجرائمها التي قد لا يصدقها من لم يمسسه نصيب من هذه الجرائم، وقليلها لا يقال له لبشاعته وقسوته قليل، وهو ما يختصره قول الإمام الإبراهيمي في باريس نفسها: “إن باريس هي منبع شقائنا، والصفحة العابسة في وجوهنا.. فهيهات أن نصفح عن باريس أو نصافحها بعد أن جنينا المرّ من ثمراتها.. وإن بعد اللسان لخطيبا صامتا هو السنان، وإننا لرجال، وإننا لأبناء رجال وإننا لأحفاد رجال.. وإن فينا لقطرات من دماء أولئك الجدود، وإن فينا لبقايا مدخّرة سيجليها الله إلى حين”. (جريدة البصائر 18/2/1952. وآثار الإمام الإبراهيمي ج2/ص: 466).
وكان في نيتي أن أسمع هذا الكلام الإبراهيمي لشخصين في قبريهما، كانا رمزين للطغيان الفرنسي الصليبي وللعمالة والخيانة، هما لويس ماسينيون وعبد الحي الكتاني، وقد قذف الله -عزّ وجل- باطلهما بحق الإبراهيمي فإذا هو زاهق..
ولكن الله -العليم الخبير- لم يقدّر لي أن أحضر ذلك اليوم الدراسي بسبب طارئ طرأ، ولكنني اعتبرت عدم حضوري “كرامة” بمصطلح الإخوة الطرقيين، بعدما رأيت صورة العميل قدور بن غبريط تتصدر قاعة المحاضرات.. وقدور بن غبريط هو أشهر خادم لفرنسا، ومنفذ لخططها في شمال إفريقيا، ومحارب للسلام الصحيح، وكان يعتبر كملة “استقلال” مكروبا، وعيّنته فرنسا “عميدا” لمسجد باريس، لا ليعمره، ولكن ليكون لها عينا وأذنا ويدا ضد مناضلي الحركة الوطنية وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، فلا غفر الله لكل خائن وأتاه من العذاب ضعفين.

مقالات ذات صلة