الجزائر
مئات الصحفيين ينتفضون ضد سياسة "تكميم الأفواه":

نجوع ولا نركع!

مريم زكري / إيمان كيموش / وليد. ع / أحمد قرطي / سيد أحمد فلاحي
  • 4542
  • 0
ح.م

“كلنا الشروق… إرفعوا القيود عن الصحافة، سلطة رابعة وليس تابعة، الصحافة ليست جريمة”، وشعارات أخرى ردّدها مئات الصحفيين، والإعلاميين والمثقفين، من مختلف الصحف والقنوات التلفزيونية، تضامنا مع جريدتي “الشروق” و”البلاد”، هؤلاء الذين تهافتوا منذ الصباح الباكر إلى ساحة حرية الصحافة، وسط العاصمة، وكلهم عزم على تغيير واقع الإعلام، وبزوغ شمس غد مشرق بعيدا عن التضييق والتجويع.

مثلما كان متوقعا، وفي حدود الساعة التاسعة صباحا بدأ تدفق عشرات الصحفيين والإعلاميين والناشرين والمنتجين إلى جانب الشخصيات السياسية والوطنية والأسماء المؤازرة لهم، إلى ساحة حرية الصحافة، بشارع حسيبة بن بوعلي بالعاصمة، أين اختار هؤلاء أن ينظموا وقفتهم، لما يحمله المكان من رمزية ودلالة، معلنين تضامنهم مع مؤسستي “الشروق” و”البلاد”، هاتين الجريدتين اللتين تم حرمانهما من حقهما في الإشهار العمومي، وتقليص حصتهما من الطبع، دون سابق إنذار بداية من الاثنين الماضي.

وفي جو تضامني وأخوي، تعالت الأصوات في ساحة “الصحافة” مرددة شعارات تطالب بحرية التعبير ومنع تركيع وتجويع الصحفيين، والتصدي لسياسة تضييق الخناق، التي تطال أصحاب الجرائد والناشرين والصحفيين في كل مرة، كما أعلن الحاضرون مؤازرتهم لجريدتي الشروق والبلاد، اللتين طالما كانتا منبرا لنقل انشغالات المواطنين وصرخة المظلومين، فردد جميعهم بصوت واحد “كلنا الشروق.. كلنا البلاد”، “سلطة رابعة.. ماشي خاضعة”، في الوقت الذي تم تطويق المكان بعناصر الأمن الذين اكتفوا بالمراقبة عن بعد دون التدخل أو الاحتكاك المباشر مع الصحفيين، ومنحهم حيزا واسعا للتعبير وترديد شعاراتهم بكل حرية.

أجيال الصحافة تلتقي في “ساحة الحرية” تضامنا مع “الشروق”

ومن مختلف الجرائد والمؤسسات الإعلامية، تدفق مئات الصحفيين وامتلأت الساحة عن آخرها في حدود الحادية عشر والنصف، فاجتمعت جميع أجيال الإعلام الجزائري، من الأقلام الذهبية التي عايشت العشرية السوداء وخطّت أصعب مراحل الجزائر، إلى الجيل الجديد الذي رفع المشعل في ظل الظرف العويص، ولم يغب حتى نجوم الشاشات وصحفيو القطاع العام، وكلهم كلمة واحدة “أوقفوا اضطهاد الشروق والبلاد.. كلنا متضامنون”.
وفضّل المدير العام المساعد لجريدة “الشروق اليومي” رشيد فضيل، أن يكون في الصف الأول إلى جانب صحفييه، وكلهم عزم على مواجهة الظرف الصعب وتخطي المرحلة، بإرادة وعزيمة وإصرار، كما تجاوزوا الأزمات السابقة، كما حضر عميد الصحافة الجزائرية سعد بوعقبة، الذي لم يتغيب يوما عن وقفات الصحفيين، ومن الناشرين سارع علي جري وحميدة العياشي ومحمد يعقوبي لمؤازرة إخوانهم وزملائهم في المهنة.
وطبعت الوقفة أيضا حضورا متألقا للمثقفين والسياسيين والوجوه التلفزيونية البارزة، على غرار فضيل بومالة وصورية بوعمامة، والنائب البرلماني والإعلامي مراد بوطاجين، والأمين العام للمجلس الإسلامي الأعلى والكاتب الصحفي بومدين بوزيد والناشط السياسي حسان بوراس.
وكان صحفيو ومسؤولو مجمع “الشروق” حاضرين بقوة، من رؤساء التحرير إلى الصحفيين وحتى التقنيين، الذين وقفوا كلهم وقفة رجل واحد، فحضر مسؤولو التحرير جمال لعلامي وسميرة بلعمري ورشيد ولد بوسيافة وياسين معلومي، وعبد الحميد عثماني ومستشارو المجمع العربي زواق وعلي ذراع، وصحفيو قناة الشروق، يتقدمهم قادة بن عمار وليلى بوزيدي والشيخ فرحات وسليمان بخليلي وآخرون، الذين نددوا جميعهم بالممارسات المرتكبة في حق الجريدة، التي استعادت عافيتها قبل بضعة أيام، لتعود إلى العقوبة من جديد، ويفرض عليها منطق “التجويع” لا لشيء إلا لأنها كانت مهنية، وفضلت أن تبقى “صوت الشعب” الذي لا يكممّ ولا يغيب.

دعوات لمقاطعة التغطيات الصحفية إلى غاية رفع الحظر عن الجرائد

وخلال تداولهم على الكلمة بمنبر الوقفة، الخميس، أجمع كل من مستشار مجمع “الشروق” علي ذراع أن الصحافة يجب أن تحظى بالمكانة التي تستحقها وصوتها يجب أن يسمعه الجميع، فتقف إلى جانب الوطن والشعب، وكذا الصحفي عثمان لحياني، الذي لم يختلف هو الآخر مع هذا الرأي وتمنى المزيد من التحرر ورفع القيود عن الإعلام والصحافة الجزائرية، في حين طالب صحفيو الجرائد الوطنية بمقاطعة التغطية الصحفية للجهات الرسمية التي تفرض الخناق عليها، فلا تنقل ندواتها ولا نشاطاتها حتى ترفع يدها عن التضييق عن الإعلام، كما لم تختلف آراء باقي المتدخلين بالنيابة عن جمع الصحفيين المتجمهرين، وعيونهم تترقب غدا أفضل ومستقبلا مشرقا.

لا اعتقالات ولا مضايقات.. وإطلاق سراح جمعة بعد سماعه

وكان أكثر ما ميز الوقفة التضامنية التي نظمها الإعلاميون والصحفيون الجزائريون لمؤازرة “الشروق” و”البلاد”، المرونة والليونة والحكمة التي تحلى بها عناصر الأمن في التعامل مع الحدث، ففضل هؤلاء تجنب اعتقال أي صحفي، واكتفوا بمجرد تطويق المكان والمراقبة عن بعد، وكانت حادثة اعتقال المدير السابق لجريدة “البلاد” عبد القادر جمعة، الوحيدة والاستثنائية، إذ تم إطلاق سراحه فورا بمجرد اقتياده لمركز الشرطة وسماعه في محضر رسمي والإطلاع على محتوى الصور التي كان يلتقطها.

قادة بن عمار: منع الإشهار وتجويع الصحفيين لن يفيد أحد

بحضوره اللافت، ندد الإعلامي قادة بن عمار بممارسات التضييق والتعتيم التي تمارس ضد المؤسسات الإعلامية، على رأسهم “الشروق” قائلا: “الوقفة الثانية لرجال ونساء الإعلام جاءت ضد التعتيم، تأسفنا هذه المرة لوقوع ممارسات تعسفية ضد الصحفيين بوقف الإشهار والطباعة”، مضيفا “هذه الممارسات كنا نعتقد أنها ولّت عقب مسيرات 22 فيفري والفاتح من مارس، غير أن الامر ازداد حدة، ويبدو أن صانع القرار ما يزال يرفض الانصياع لرسالة الشعب ومن بينهم الصحفيين”، مضيفا “منع الإشهار وتجويع الصحفيين لن يفيد أحدا، ومنع المواطنين من حقوقهم المسلوبة سيكرس حالة الإفلاس بالبلاد”.

الدكتور لحسن زغيدي: معاقبة الشروق تكميم للأفواه وخرق للدستور

اعتبر الدكتور والأكاديمي لحسن زغيدي، أن جريدة “الشروق” ستظل إشراقة للكلمة المعبرة عن واقع الشعب الجزائري، حيث استطاعت أن تبرهن عن حرية الكلمة، لنقل الرأي والرأي الآخر منذ أن أشرقت كجريدة مكتوبة إلى أن تمخضت عنها شاشة مرئية، هذه الحرية التي عانى الجزائريون من حرمانهم منها طيلة العهد الاستعماري، وحتى اليوم.
وذهب المتحدث أبعد من ذلك مؤكدا أن ثورة التحرير جعلت للكلمة الحرة قداسة خاصة في نضالها، وكفلت ذلك في كل دساتيرها، ولذلك لا يمكن بناء دولة ديمقراطية دون كلمة حرة، تبرهن التعددية، كما أن غلق الشروق هو تكميم للأفواه، وتجفيف للحبر وخرق للحقوق الأساسية للإنسان ومساس بالمبادئ المقدسة للأمة الجزائرية والدستور، مؤكدا وقوفه مع الشروق بقراءة ما تكتب، ومتابعة ما تنشر وما تبث في قنواتها، فمثل هذه الإجراءات، حسبه، تدفع الغير للتمسك بهذا المجمع الإعلامي الوطني الذي لم نلمس عنه خروجا عن المبادئ والقيم.

صورية بوعمامة: قنواتنا الخاصة استرجعت الرأي العام من التلفزيونات الأجنبية وواجبنا الاصطفاف معها

اعتبرت الإعلامية القديرة صورية بوعمامة وقفة الأمس، بساحة حرية الصحافة، وقفة الجميع وليس الشروق فقط، وحتى الصحافة الخاصة التي تعد محطة من محطات النضال للصحافة الجزائرية، مشددة على ضرورة الاصطفاف إلى جانب زملاء المهنة، وقالت بوعمامة إن القضية تعدت حدود نضال في مجال الإعلام، بل أصبحت قضية “وطن” و”مصير”، “ولا يعقل أن نعيش في عصر اللامحدودية للمعلومة، وأن نضيق على صحافتنا”، واستبشرت الإعلامية بوعمامة خيرا بالوقفة التي قالت إنها فرصة لإخراج الإعلام من وصف “المكاتب الأجنبية” إلى قنوات وطنية، مضيفة “عار أن نترك هذه القنوات في هذه الظروف تحت رحمة التضييق”، ورددت بوعمامة بصوت حاد “لا للتضييق على الصحافة.. نعم لحرية الإعلام في الجزائر.. نعم لجزائر حرة ديموقراطية”.

جمال معافة: المنظومة الإعلامية تمر بوضع صعب..

اعتبر الإعلامي والصحفي جمال معافة، أن المنظومة الاعلامية في الجزائر تمر بوضع صعب وكارثي، وأن تضامنه مع زملاء المهنة في جريدتي “الشروق” و”البلاد” هو امتداد إلى فضاءات إعلامية أخرى، كما لم يخف الإعلامي جمال معافة امتعاضه من إشكالية الحرمان من الإشهار، والتضييق على حرية التعبير والصحافة، وغياب هيئات ضبط السمعي البصري والصحافة المكتوبة، وخاصة المواقع الإلكترونية التي لا تملك أغلبها اعتمادا، قائلا إن عالم الإعلام يتغير والجزائر لابد أن تكون لديها منظومة إعلامية قائمة على أسس صحيحة.

سليمان بخليلي: السلطة تمارس الابتزاز والتسلط في الإشهار

ندد الإعلامي سليمان بخليلي بسياسة الابتزاز التي تمارسها السلطة ضد الإعلام بصفة عامة، وتسليط سيف الإشهار العمومي، لفرض التضييق وقطعه في حالة اتخاذ هذه الجرائد مواقف معارضة، وقال بخليلي إن السلطة التي تابعت فنانين وإعلاميين قبل أشهر بالمساومة والابتزاز، هي نفسها اليوم التي تبتز وتساوم وسائل الإعلام، وتضعها بين خيارين أحلاهما مر، إما أن لا تعارضها وإما قطع الإشهار.
وطالب الإعلامي سليمان بخليلي وسائل الإعلام برفع بلاغ للنائب العام من أجل اعتقال هذه السلطة بتهمة المساومة والابتزاز، وهو ما اعتبره انحرافا في تعامل السلطة مع وسائل الإعلام، وبخصوص وقفة أمس تفاءل بخليلي بأثرها مستقبلا لأنها دعم للحراك الشعبي الذي سيكون الفيصل.

يونس قرار: الفايسبوكيون هزموا السلطة.. ومتضامنون مع الإعلام

لم يفوت الخبير في التكنولوجيا والإعلام يونس قرار، فرصة تنظيم وقفة خاصة تضامنا مع جريدتي “الشروق” و”البلاد” ليكون حاضرا من أجل تقديم الدعم المعنوي، واعتبر يونس قرار أن الوسائل التكنولوجية العصرية وشبكات التواصل الاجتماعي أعطت الفرصة للشباب من أجل التعبير عن آرائهم بكل حرية، وديمقراطية دون قيود، “الفايسبوكيون” هزموا الحكومة وتولوا المسؤولية باعتبارهم الأغلبية المطلقة في تحديد المصير، وتمنى يونس قرار مواصلة هؤلاء المسار بخطى ثابتة وطريقة سلمية من أجل استعادة حرية الوطن، وبناء جزائر أخرى، قائلا: “المسؤولون قيّدونا بطريقة سوداوية، لكن الحراك الشعبي سيقضي على هذا السواد”.

الشيخ فرحات: لا تعاقبوا الجرائد بقطع الإشهار

يؤكد خبير الأحوال الجوية الشيخ فرحات أن الصحافة في الجزائر مثلها مثل بقية القطاعات بحاجة للتمويل، ولأن الإشهار يعد مصدرا رئيسيا لهذا المورد، فلا ينبغي عزل أية صحيفة أو مؤسسة إعلامية بطريقة عقابية، جراء نقلها لصوت الشارع وقيامها بتغطياتها الإعلامية بكل مهنية، مؤكدا تضامنه مع جريدة “الشروق”، وكل وسائل الإعلام الأخرى التي تتعرض للاضطهاد والتضييق والضغط، مطالبا الحكومة بمزيد من المرونة والسلاسة في التعامل مع الصحفيين.

أصداء وكواليس:

ـ تجمع مئات المواطنين على حافة الرصيف المقابل لساحة حرية الصحافة بشارع حسيبة بن بوعلي بالعاصمة، وشرفات العمارات المحاذية، تضامنا مع الوقفة التي نظمها رجال الإعلام والصحافة، وأعرب هؤلاء عن حزنهم للعقوبة التي تعرضت لها “الشروق” و”البلاد”، كما أنه وبمجرد خلو المكان ومغادرة الصحفيين تجمهر المواطنون هناك لرفع اللافتات وترديد نفس العبارات.
ـ تحولت ساحة حرية الصحافة منذ الساعات الباكرة لنهار أمس إلى فضاء مفتوح لالتقاط صور سيلفي لعدد من المارة مع نجوم التلفزيون والشخصيات الإعلامية المحاصرة والمعروفة على غرار قادة بن عمار وسليمان بخليلي.
ـ خضعت ساحة حرية الصحافة لتنظيف من النفايات، من قبل السلطات المحلية، قبل قدوم الصحفيين بعد أن كانت تغرق في الفوضى والفضلات المتراكمة على حواف الطريق الأسبوع الماضي، وهي المبادرة التي لقيت استحسان الصحفيين بشكل كبير.
ـ تميزت الوقفة التي نظمها الإعلاميون، بتعامل عناصر الأمن بليونة وغياب قوات مكافحة الشغب، مقابل حضور مكثف للأمن بالزي المدني والذي كان ينقل تقارير مفصلة عن الوضع وسيرورة الوقفة لمسؤوليهم.

طالبوا برفع اليد عن السلطة الرابعة
الأسرة الإعلامية تعتصم تضامنا مع “الشروق” بوهران

في هبة تضامنية نظّم صباح أمس بوهران مجموعة من الزملاء الصحفيين وقفة احتجاجية أمام مقر التلفزيون الجزائري بحي المقري، تضامنا مع ما يحدث لمجمع “الشروق”، من مضايقات وظلم مسيّس الهدف منه، تكميم الأفواه وتليين يد السلطة الرابعة، لخدمة المصالح الشخصية الضيقة..
حيث كان الموعد صباح هذا الخميس مع وقفة رمزية حضرها نحو 20 إعلاميا يمثلون مختلف العناوين والمؤسسات الإعلامية، نذكر منها قنوات “الشروق”، نوميديا نيوز، الجزائرية، البلاد، إضافة إلى حضور قوي لممثلي الصحافة المكتوبة، يتقدمهم الشباب، الوطن، ليبرتي، البلاغ وغيرها، جاؤوا ليقولوا لا لسياسة التضييق، ولا لقطع الإشهار على المؤسسات الإعلامية، لأن السلطة الرابعة في كل دول العالم، مستقلة ولا ينبغي لها أن تداس كرامتها، مهما كانت الظروف، مندّدين بخرجة وزارة الاتصال الأخيرة، بتقليص السحب اليومي لجريدة “الشروق” من 50 ألف نسخة إلى ألفين أو أقل، في خطوة للي الذراع وإسكات أصوات الحق، رغم أن حرية التعبير مكفولة قانونا..
وقد ردّد المحتجون شعارات تمجّد “الشروق” كعنوان دافع عن الوطن، حين لم تكن الجزائر تملك قنوات تلفزيونية للرد على الهجمة الإعلامية المصرية، ومكتسبات أخرى لا يسع المقال لذكرها، ليفترق الحضور على أمل أن تصل أصواتهم إلى أعلى هرم في السلطة، والإفراج عن المجمع الإعلامي المسجون.

مراسلو المسيلة يدينون التضييق على الإعلام

نظم صحفيو ولاية المسيلة، الخيس، وقفة احتجاجية أمام مبنى دار الصحافة لقوي محمد الأمين، تعبيرا عن رفضهم للأوضاع التي يمر بها قطاع الإعلام، من تضييق أداء الصحفيين والإعلاميين والمراسلين العاملين في هذا الحقل، وسياسة المساومات والابتزاز بالإشهار العمومي، خاصة ما تعرضت وتتعرض له بعض العناوين، على غرار جريدة “الشروق اليومي” التي انقطعت عن الأكشاك بفعل الضغوط ومحاولة تكميم الأفواه المنادية بالحرية والكرامة والعدالة، وكذا الوقوف إلى جانب الشعب الجزائري في ظل هذا الحراك الشعبي الذي تمر به البلاد.
كما تنقل المحتجون الذين يمثلون مختلف العناوين الصادرة من جرائد عمومية وخاصة وقنوات فضائية، إلى غاية مقر الولاية، مرددين هتافات وشعارات تنتقد الحد من حرية الرأي والتعبير، كما أبدى المعنيون وقوفهم مع الإرادة الشعبية ورفض العهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة في ظل ظروفه الصحية.

الأقوال في واد والأفعال في واد آخر:
“لا معنى للإصلاحات من دون صحافة حرّة”!

التأم مجدّدا شمل الصحفيين الجزائريين في وقفة مهنيّة مشهودة بساحة حرية الصحافة في قلب العاصمة بشارع حسيبة بن بوعلي، مردّدين أمس شعارات تنادي بحريّة الصحافة واستقلاليتها، رفضًا للقمع والتضييق لأجل التركيع والتعتيم على الحقيقة التي لم يعد الإعلام في مقدوره أن يحجبها أصلاً في عصر المواطن الصحفي، إذ أضحت كل الأنباء متاحة بفضل التكنولوجيا الرقميّة والافتراضية.

ومن أهم الهتافات التي لفتت الانتباه هي شعار “لا معنى للإصلاحات من دون صحافة حرّة”، لأنّها تعبير واقعي عن الانطلاقة السليمة والصحيحة لتدشين عهد جديد ترسو فيه الجزائر على شاطئ الحريات الجماعية والفردية، السياسية والإعلامية والنقابيّة، بعيدا عن سياسات الترويض والتدجين والاستخدام في ديمقراطيّة الواجهة المزيّفة.

لقد كان من سوء حظّ السلطات أن يأتي قرارها بحجب الإشهار ومنع السحب عن جريدتي “الشروق” و”البلاد” في أقل من 24 ساعة، بعد الإعلان عن حزمة مهمة من الإصلاحات التي تنوي تجسيدها في حال تجديد الثقة في رئيس الجمهوريّة لعهدة خامسة، وهي ترقى فعلاً لو تنفّذ فعليّا إلى أن تكون إيذانا بميلاد جمهورية ثانية في الجزائر، لكن المؤسف أن الممارسات الخاطئة أسقطت تلك الالتزامات سريعًا في الماء، من خلال الدّوس على حريّة الصحافة، فكيف سيصدّق الرأي العام، فضلاً عن الطبقة السياسيّة المتطلعة نحو التغيير، تلك الوعود الجميلة إذا كانت السلطة تنقضها في وقت لا يزال الشارع متحرّكا ومفتوحا على كلّ الاحتمالات، أمّا إذا استتبّ لها الأمر، فالمؤكد أنّها ستلحق الصحافة بأجهزتها الدعائية العموميّة، دون مراعاة أدنى شروط الإعلام المهني والموضوعي الذي يشكّل همزة وصل بين الإدارة في كافة مستوياتها والمواطن في ربوع الجزائر العميقة.

وبذلك، فإنّ رسالة الأسرة الإعلامية كانت واضحة إلى الجهات الوصيّة، أنّ المرور السليم نحو الإصلاح والتغيير يكون عبر تحرير الصحافة بشكل كامل، وترْكها تشتغل وفق القيم العالميّة المكرّسة لحرية التعبير والرأي، في إطار القانون الوطني على عوراته الكثيرة، ، وهي ستكون أحرص على مصالح الوطن العليا وأمن البلاد واستقراره العامّ، لأنها دفعت في سنوات الجمر قافلة طويلة من الشهداء دفاعًا عن كيان الدولة، ولا يُقبل اليوم أن يضايقها أحد تحت أي ذريعة، فما بالك أن تكون تلك الحجّة هي المساس بالأمن العمومي.

إنّ الجزائر في غضون هذا السياق السياسي والشعبي الساخن الذي تعيش على وقعه منذ بداية العدّ التنازلي نحو موعد 18 أفريل القادم، أحوج ما تكون إلى إعلام حرّ ومتحرّر، بعيدا عن الإكراه والضغوط، حتى يتمكّن من المساهمة مع كلّ النخبة الوطنية في توجيه وتأطير الحراك المجتمعي بما يضمن طابعه السلمي والمدني ويحفظ مساره العام من الاستغلال أو التوظيف وحتّى التلاعب بمطالبه المشروعة لصالح أجندات مشبوهة في الداخل ومغرضة في الخارج.

لكن قمع الصحافة بالشكل الذي نعيشه حاليّا ومحاولة دفعها إلى التعتيم على مجريات الشارع سيترك الساحة فارغة أمام الإعلام الأجنبي بكل ما يمثله من مطامع دوليّة، فضلا عن الحروب الإلكترونيّة لروّاد الفضاء الأزرق، عبر صفحات مجهولة الهويّة والمصدر، تتبارى في بثّ الإشاعات والأراجيف والتحريض على العنف والعصيان المدني، مثلما بدأت بوادر ذلك تفوح من مواقع التواصل الاجتماعي.

لقد أثبتت دراسات علميّة سوسيولوجيّة في الفترة الأخيرة أن الجزائريين ولّوْا قبلتهم الإعلامية نحو قنواتهم الوطنيّة، العامّة منها والخاصّة، منذ السماح بالانفتاح على السمعي البصري في الجزائر قبل 7 سنوات رغم كل الاختلالات القانونيّة والتطبيقيّة، وأصبحوا في شبه مناعة من تأثيرات الفضائيات الدوليّة التي كانت تضخّهم بالتقارير الإعلاميّة المشحونة عن الأوضاع في بلدهم لحاجة في أجندات القائمين عليها ومموليها، لكنهم بتعدّد القنوات المحليّة هجروا المحطّات التلفزيّة التي أدمنوها طيلة سنوات بفعل الغلق الإعلامي.
فهل تدرك السلطات اليوم أنها بمحاصرتها للإعلام الوطني تفسح المجال واسعا أمام المخطّطات الإقليميّة والدوليّة التي تتربّص بالجزائر عبر تضليل الرأي العام والتلاعب بمشاعر الجزائريين بواسطة الإمبراطوريات الإعلاميّة الضخمة التي تعمل بتقنيّات عالية، تتيح لها فبركة الوقائع والأحداث بسهولة بالغة لإشعال فتيل الفوضى.
إنّ المصلحة الوطنّية قبل كل شيء، فضلا عن الترجمة الصادقة للإصلاحات والعبور نحو عهد جديد تكون فيه الجزائر دولة للحق والقانون، يقتضي عاجلاً تحرير الصحافة وتنظيم الإشهار، بل دعم المؤسسات الإعلاميّة لتكون رافدا في صناعة مرحلة جديدة من تاريخنا المعاصر، مثلما تمنّى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في رسالة ترشّحه للأمّة، لأنّ الرجال يزولون و المسؤولون يذهبون والحكّام يتغيّرون، أمّا الدول فهي باقية، كما هي الأوطان خالدة بخلود شعوبها الحيّة.

مقالات ذات صلة