-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

نتنياهو يدفع نحو حرب إقليمية

نتنياهو يدفع نحو حرب إقليمية

لا يقيم نتنياهو وزنا لكل النداءات الدولية بوقف العدوان على غزة، ولا يكترث للاعتصامات داخل الكيان الصهيوني التي تطالبه بإبرام صفقة جديدة لتبادل الأسرى مع حركة حماس، ولا يعير اهتماما لمطالب المعارضة الإسرائيلية بتنحيه عن السلطة.

أدار نتنياهو ظهره لكل هذه النداءات والاعتصامات والمطالب، ونفذ وعيده باقتحام رفح، واستولى ما يسمى “جيش الدفاع الإسرائيلي” على معبر رفح، ورفع جنوده الراية الصهيونية على بوابته الرئيسة وتوغلوا في محور فيلاديلفيا مما يعدّ انتهاكا صارخا لمعاهدة كامب ديفيد واستفزازا مباشرا لمصر ولمن وراءها من دول الطوق.

كل هذا يندرج ضمن خطة نتنياهو التوسُّعية التي تغذيها أحلامٌ توراتية بالسيطرة على “مجمع البحرين”، والمضي قدما لتحقيق ما يسمى “إسرائيل الكبرى”.

يرى المحللون السياسيون أن ما يقوم به نتنياهو في رفح هو استعراض للقوة وإيهام للرأي العام الإسرائيلي بأنه قد أضحى قاب قوسين أو أدنى من تحقيق أهداف الحرب التي أعلنها منذ بداية عدوانه على غزة، وفي مقدمتها القضاء على حماس. كل هذا في اعتقاد المحللين السياسيين شكلٌ من أشكال الحرب النفسية ولا يدل على قوة نتنياهو بأي حال من الأحوال، فنتنياهو الذي عجز عن هزيمة حماس في محاور القتال ما قبل رفح سيكون بكل تأكيد أعجز عن  هزيمتها في رفح، فالمقاومة الفلسطينية قد استعدت لهذا السيناريو وأعدت له عدتها، وقد نسمع في الساعات أو الأيام القادمة ما يثلج الصدر، فالمقاومة الفلسطينية تتعمد استدراج العدو، وهذا يندرج ضمن مخططها القتالي الذي يروم استنزاف قدراته وإرغامه على قبول مطالبها التي يراوغ ويتلكأ بشأنها ويبرم اتفاقا ثم ينقضه بعد ذلك.

لم يكن قبول حركة حماس -كما جاء على لسان ناطقها الرسمي- وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى مع الطرف الإسرائيلي استكانة أو نابعا من ضعف المقاومة، وإنما استجابة لنداء الوساطة القطرية المصرية، ورغبة في التنفيس عن الفلسطينيين الذين ذاقوا الأمرّين بسبب القصف المستمر الذي أسفر عن عشرات الآلاف من القتلى والجرحى.

لا يمكن الحكم على عملية رفح في بدايتها، ولا ينبغي لنتنياهو أن يستعجل النصر، فالأيام حبلى وهي تنذر بمفاجآت كثيرة، فقد ينقلب السحر على الساحر ويبحث نتنياهو بعدها عن مخرج من الأزمة فلا يجد إلى ذلك سبيلا. لا يمكن أن نحكم على منازلة من جولتها الأولى، فلسنا ندري ما تخبِّئه الساعات القادمة، فالمقاومة الفلسطينية لم تقل إلى حدِّ الآن كلمتها، ولم تفصح عن الطريقة التي تردُّ بها على نتنياهو الذي تنازعه أحلام وردية، ويسكنه هاجس كبير من كابوس محتمل سيواجهه في رفح، قد يقضي على أحلامه وقد يدفعه إلى الانتحار وهو أقصر الطرق للتنحي الإرادي عن الحكم قبل أن يُجرَّ إلى المحاكم جرا، وقبل أن يطاله حكم المحكمة الجنائية الدولية الذي سيكون “الهدية” غير السارة لنتنياهو.

إن نتنياهو  يدفع -من خلال إقدامه على اجتياح رفح- نحو حرب إقليمية لا تُبقي ولا تذر، لأن الوجود العسكري في رفح وما حولها واختراق محور فيلاديلفيا سيدفع مصر إلى الدفاع عن حدودها، وقد تتخذ القاهرة موقفا مستنسخا من مواقفها التاريخية وتدخل في مواجهة مباشرة مع الكيان الصهيوني الذي يخطط للوصول إلى سيناء وجعلها أرضا بديلة للفلسطينيين الذين يتم تهجيرهم تباعا من قطاع غزة.

لا أشاطر رأي من ينتقص دور مصر الحالي في المنطقة العربية، ويتَّهمها بالتخاذل عن نصرة القضية الفلسطينية، فمصر وُلدت كبيرة وستبقى كبيرة، وهي طرف عربي قوي وربما الأقوى في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، ولا يمكن تحجيمها أو تقزيمها أو تخوينها، فهي جزء مهم وربما الأهم من الكيان العربي.

لا يمكن لمصر السكوت عن الاستفزاز الصهيوني في محيط رفح وعلى حدودها، كما أنه لا يمكنها القبول بإدارة إسرائيلية لمعبر رفح  التي يعارضها كل المجتمع الدولي بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية. ليس هذا بمستبعد فالحالة الهستيرية التي يعيشها نتنياهو من إخفاق مرتقب ستدفعه إلى ارتكاب حماقات كثيرة في رفح ومن جملتها الدوس على القانون الدولي وتهديد سيادة مصر، ولا ينتظر من مصر في هذه الحالة أن تقف مكتوفة الأيدي، أو تسكت عن هذا التجاوز الخطير أو تقابل الوجود الصهيوني على مقربة من حدودها بالورود، بل ستواجهه بكل ما أوتيت من قوة دفاعا عن أمنها وسيادة أراضيها.

إن مصر عند اليهود هي الأرض الأولى التي احتضنتهم قبل دخول الأرض المقدسة، فالحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت كانت تضم ما يقارب اثني عشر ألفا من اليهود،كما تكشف ذلك وثيقة مسربة نشرها الموقع العبري “كيكار”. وأضافت هذه الوثيقة أن نابليون الذي كان يؤمن بفكرة الخلاص للشعب اليهودي، أراد أن تكون مصر بوابة للوصول إلى غزة وإقامة الدولة اليهودية، فمصر في المعتقد اليهودي هي أرض العبور، منها زحفوا إلى غزة، ومن غزة سيعودون إليها مرة أخرى ومنها سيزحفون إلى ما ورائها  لتحقيق حلم “إسرائيل الكبرى”.

وتشير الوثيقة إلى أن فكرة الوطن القومي لليهود قد اختمرت في أذهان اليهود ممن كانوا يحاربون في جيش نابليون بونابرت، وقد تضمّنت هذه الوثيقة رسالة من يهودي مجهول إلى أخيه، يبشِّره فيها بالعودة إلى الأرض المقدسة، ومما جاء فيها: “يا أخي سوف نعود إلى أرضنا، وسوف نعيش بالأماكن المقدسة، أستطيع أن أراكم بالفعل عندما تستيقظون جميعا بحماس مقدس. يا بني إسرائيل نهاية مشاكلكم وشيكة، الساعة هي ساعة اللياقة البدنية فانتبه ولا تدعها تمرّ”.

نابليون الذي كان يؤمن بفكرة الخلاص للشعب اليهودي، أراد أن تكون مصر بوابة للوصول إلى غزة وإقامة الدولة اليهودية، فمصر في المعتقد اليهودي هي أرض العبور، منها زحفوا إلى غزة، ومن غزة سيعودون إليها مرة أخرى ومنها سيزحفون إلى ما ورائها  لتحقيق حلم “إسرائيل الكبرى”.

لم يكن اجتياح الجيش الصهيوني الأخير لصحراء النقب وتجريف أراضي الفلسطينيين فعلا معزولا ولا ولا حدثا عارضا ولا عملا عسكريا عفويا، بل كان فعلا مقصودا يحرِّكه حنين تاريخي، فالنقب هي الجوهرة الخفية لدولة الاحتلال الصهيوني، ولذلك تتخذها إسرائيل درعا واقيا وموقعا استراتيجيا واستخباراتيا، وفيها يقع مفاعل”ديمونا” النووي.

إن صحراء النقب ستكون منطلقا للحرب الإقليمية التي يخطط لها نتنياهو، فهذه الصحراء تقع في الجزء الجنوبي من فلسطين، وهي تمتد من عسقلان إلى رفح على الحدود مع سيناء، ومن رفح إلى طابا المصرية، فهي منطقة ممتدة بمساحة واسعة مفتوحة على كثير من المنافذ. إن السيطرة الصهيونية على رفح ينبغي أن تواجَه بكل حزم وفي حينها، فسقوط رفح –لا قدر الله- ستنجرُّ عنه مأساة كبيرة، ترتفع بسببها بورصة الكيان الصهيوني، وتزول معها الهيبة العربية، وستكون المنطقة العربية بعدها مفتوحة على كل مشاريع التهويد التي ترعاها الصهيونية والإمبريالية العالمية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!