الجزائر
بعضها يتحدى التكنولوجيا وأخرى تأبى الاندثار

مهن “الشّقاء” تعود إلى الواجهة من جديد!

وهيبة سليماني
  • 1491
  • 0
أرشيف

استشرت المهن البسيطة في الشوارع الجزائرية بشكل ملفت للانتباه، وامتلأت الأرصفة بنشاطات مختلفة أعادت بعض الحرف إلى الواجهة كتصليح الساعات، والأحذية، والأجهزة القديمة، والخياطة، وبيع أشياء قديمة، ولم يتخل بعض كبار السن عن مهن أوشكت على الاندثار، فرغم الربح اليومي الذي يحسب على أصابع اليد، ولا يكفي أحيانا لشراء كيلوغرام من البطاطا، إلاّ أن صبر هؤلاء فاق كل الحدود، ولم تثن جائحة كورونا وموجة البرد الأخيرة عزيمتهم لضمان لقمة العيش وكفّ أنفسهم سؤال النّاس!

بولنوار: 500 ألف عائلة جزائرية تشقى في مهن بسيطة

وفي ظل التطور التكنولوجي الحاصل في الجزائر كغيرها من الدول الأخرى، يبقى الكاتب العمومي، ينصب طاولته ويجلس على كرسيه الذي رسم الزمن آثارا صارخة عليه، حيث يتواجد هؤلاء أمام مراكز البريد وبعض الشركات العمومية وفي بعض الأماكن الاستراتيجية، ويستمر نشاطهم لأزيد من 30سنة، برغم تراجع عدد الزبائن يوما بعد يوم، وهو حال عمي أحمد الذي لم يغادر ساحة بريد حسين داي، حتى بعد انطلاق عملية الترميم التي بدأت فيها، منذ شهور، وتخصيص حافلة لدفع الأموال للمواطنين، حيث ظل صامدا تحت أشعة الشمس وزخّات المطر والبرد، من أجل “خبزة” الحلال.

وقامت “الشروق” برصد وضع هذه الفئات البسيطة من مهنيين وحرفيين وتجار، في نشاطات تعد طوق نجاتهم الوحيد من الفقر والجوع..

بن حليمة: أغلب العمال البسطاء يعانون من نظرة المجتمع

في الجزائر الوسطى لم يتخل عن مهنته كإسكافي، وهو الذي بدأها منذ 27 عاما، حيث قال إن الربح لا يعدو أن يكون بعض الفترات وخلال شهر كامل إلا مصروف جيب يتراوح بين 3000 دج و5000 دج.

ووجد بعض الرجال مؤخرا من الخياطة البسيطة والمقتصرة على تعديل ألبسة قديمة وجديدة، وترقيع بعض التمزقات الموجودة بها، مصدرا للرزق الحلال، حيث كثرت بعض المحلات، والمساحات في الأسواق المغطاة.

ولجأ بعض الجزائريين من الشباب في السنوات الأخيرة بعد أن اتسعت رقعة الفقر والبطالة، إلى جمع أدوات وأثاث وألبسة قديمة وإعادة بيعها أو تدويرها، وهم يستعملون مركبات قديمة أو دراجات نارية ويجوبون الشوارع، بحثا عن ما يباع.

وهو حال بائع خردة ينحدر من ولاية مسيلة يأتي إلى منطقة حسين داي، باحثا عن أشياء يراها كنوزا تحتضنها المزابل!

وبعض باعة الأشياء القديمة، يعتمدون على المشي وحمل أكياس يجمعون من المزابل ما يمكن أن يدخل في قائمة سلع بالية وقديمة يفرش لها على الأرصفة ليعاد بيعها، وقد انتشروا في مساحات في الحراش وباش جراح وساحة الشهداء.

وينتظر في سوق السمار للجملة، الكثير من الشباب الفقراء دورهم في حمل السلع ورفعها من الشاحنات والمركبات إلى المحلات مقابل أجرة قليلة جدا ولكن الإصرار عليها جعل منها عند بعضهم ربحا يوميا، ومشقة وجهدا كبيرا، وعذابا مع ارتفاع درجات الحرارة وموجة البرد وتهاطل الأمطار.

نصف مليون جزائري يقتاتون من مهن يومية بسيطة

وفي هذا الموضوع، قال حاج الطاهر بولنوار، رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين، إن المرحلة الاستثنائية التي عاشتها الجزائر منذ مارس 2020، جراء جائحة فيروس كورونا، وحالة الغلق الجزئي الذي صاحبها، وتعليق الكثير من النشاطات والمهن، تسببت في تدهور الوضع الاجتماعي، وقطع الدخل اليومي لمدة طويلة عن الكثير من الأسر الجزائرية.

وأكد بولنوار أن 500 ألف عائلة عبر التراب الوطني، تقتات من مهن وحرف بسيطة، وعمل يومي في ورشات أو أسواق أو مؤسسات صغيرة، فمن الاسكافي والنادل في المطاعم والمقاهي، والسباك، والميكانيكي إلى الحمالين في الأسواق، والدهانين والحلاقين والمنظفين، وباعة الخردوات، وغيرهم من الساعين إلى جمع قوت يومهم ولو ببيع الأعشاب والحشائش على الأرصفة.
وأوضح حاج طاهر بولنوار، أنّ الكثير من هؤلاء غير مؤمنين، وأنهم معرضون للمخاطر اليومية، حيث يتحدى معظمهم الظروف المحيطة بهم، والتقلبات الجوية، للعودة إلى عائلاتهم بما يسد رمقهم.

قسوة المجتمع “تزرع” في أجسادهم أمراضا نفسية

وحول ذات الموضوع، أكّد الدكتور مسعود بن حليمة، أستاذ علم النفس بجامعة الجزائر، أن مع تطور المجتمع وعزوف الكثير من الشباب عن الحرف والمهن البسيطة، جعل من يمارسونها يشعرون بالدونية والتهميش، لكن في المقابل هناك فئة منهم ترى في هذه الأعمال راحة نفسية وملاذهم الوحيد لكسب العيش”الحلال”.

وقال بن حليمة، إن قسوة المجتمع، تزرع النقمة في نفوس هؤلاء العمال البسطاء كالمنظف الذي يكنس الأحياء، أو صيانة المجاري والبالوعات، وجامع الخردوات من المزابل، وتجعله غير قادر على الاستمرار في نشاطه، ويتولد لديهم حقد وعدوانية، أو يميلون إلى الانطواء والعزلة.

وحسب المختص في علم النفس، الدكتور بن حليمة، فإن ارتفاع حالة الفقر، والحاجة الملحة للمال، جعلت الكثير من الجزائريين يمارسون أي حرفة أو مهنة مهما كانت بساطتها لمواجهة الحياة الصعبة، ولعل ارتفاع الأسعار حتمية تجعل بعض البطالين يبحثون عن مصادر رزق لسد حاجيات لا يمكن الاستغناء عنها.

وفي مقابل ذلك، يرى بن حليمة، أنّ بعض الجزائريين، من الحرفيين والمهنيين، تعودوا على نشاطهم رغم بساطته، إلى درجة أصبح لديهم، عادة لا يمكن الاستغناء عنها أو حبا كبر مع الأيام، وترعرع في نفوسهم، وبات فنّا وإبداعا يتم من خلاله الهروب إلى عالم جميل، ولا يهم الجانب المادي بقدر استمرار هذه المهنة وتوريثها للأحفاد مهما تطورت أساليب الحياة.

مقالات ذات صلة