-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

من يخدم اللغة العربية، اليوم؟!

من يخدم اللغة العربية، اليوم؟!
أرشيف

في يوم 18 ديسمبر 1973، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا ينصّ على إدراج اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في المنظمة. وتمّ ذلك بعد جهود كبيرة للدول العربية بذلت على مرّ السنين (محطاتها الرئيسية كانت خلال أعوام 1950، 1954، 1960، 1966، 1968). وفي أكتوبر 2012، قررت اليونسكو أن يكون يوم 18 ديسمبر يومًا عالميًا للغة العربية. ومنذ ذلك الحين، تحتفل الكثير من الدول، سيما العربية، يوم 18 ديسمبر من كل سنة باليوم العالمي للغة العربية. وماذا يتم في هذه الاحتفالات؟ إشادة بماضي لغة الضاد وإقامة مهرجانات أدبية وتكريمات لمبدعين من شعراء وغيرهم، وأحيانا بعث مشاريع فكرية يقول أهلها إن الغرض منها دعم اللغة العربية.

المراحل الأولى

والواقع أن اللغة العربية تعرف اليوم نوعا من “التشبّع” في بعض المجالات، وتعاني من فجوات خطيرة في مجالات أخرى : فهناك تشبّع في التغني بأمجاد الماضي، وربما أيضا في الإبداع الأدبي رغم الحاجة الماسة إليه في كل حين. أما أبرز الثغرات فهي في الفروع العلمية (العلوم الدقيقة، والعلوم الطبية، والعلوم الهندسية …).

والعربية العلمية قطعت منذ فجر الإسلام عدة مراحل: مرحلة برزت فيها ترجمة الكتب العلمية، سيما الإغريقية منها، حتى أنها بدأت بترجمة حرفية ركيكة لم تكن مفهومة… وحدث، بسبب ذلك، أن بعض الكتب أعيدت ترجمتها أكثر من مرة. وكان الزخم العلمي الذي عمّ البلاد العربية آنذاك قد أدى برجال العلم إلى الانتقال من مرحلة الترجمة إلى مرحلة التأليف والإبداع… ودام ذلك قرونا حتى سقوط طليطلة. ثمّ جاء دور ترجمة الكتب العلمية العربية إلى اللغات الأوروبية واللغة العبرية.

وانطلقت في مطلع القرن التاسع عشر مرحلة جديدة، وبصفة خاصة عند انفتاح مصر على أوروبا، فترجمت وأُلّفت عشرات بل مئات الكتب العلمية من الفرنسية إلى العربية. وبحلول القرن العشرين تضاعفت الكتب المترجمة بعد أن زاول طلاب عرب دراستهم في الخارج (بريطانيا وفرنسا، بوجه خاص) وعادوا إلى بلدانهم في المشرق العربي. فعكف هؤلاء على تعريب تدريس العلوم في الجامعات وانطلقت عملية التأليف باللغة العربية لتغطية حاجيات الطلاب بالموازاة مع مواصلة الترجمة من لغات غربية عديدة، منها الروسية.

مرحلة الرِدّة

وبعد ذلك دخل العالم العربي في “مرحلة الردّة” بحلول نهاية القرن الماضي في موضوع تدريس المواد العلمية باللغة العربية… وكأن الأمر يتعلق بمؤامرة إذ لا نجد دولة عربية إلا وطالها العزوف عن تدريس العلوم باللغة العربية، وهذا ما نشهده إلى اليوم. وربما هناك من اقنع الساسة العرب جميعهم بأن التقدم والازدهار لا يتأتّى إلا بالتدريس بإحدى اللغتين الإنكليزية أو الفرنسية. وما يثبت سوء هذا التدبير أننا لا نرى -بعد مضيّ نحو 3 عقود على استفحال هذه الردّة- إلا التعثّر تلو التعثّر في المجال العلمي والبحث فيه : فأيُّ دولة عربية ازدادت تقدمًا علميا وازدهارًا اجتماعيا بتغيير التدريس إلى لغة أجنبية؟

فما حدث من مساوئ في معظم البلاد العربية بعد تبنّي لغة تدريس أخرى غير العربية في الجامعات هو :

أ) فتح الباب واسعا أمام الهجرة الجماعية للمواهب الشابة. ويشمل هذا أيضا فتح ما يسمى بـ”البكالوريا الدولية” التي من شأنها الدفع إلى هجرة خيرة تلاميذنا مبكرًا.
ب) القضاء على الترجمة العلمية إلى العربية وعلى التأليف بها لغياب القرّاء (لأنهم يدرسون بلغة أخرى).
جـ) غرس فكرة خاطئة في أذهان التلميذ والطالب والمواطن تقول إن اللغة العربية عاجزة عن نقل العلوم الحديثة، وأنه لا أمل في إصلاح ذلك.
د) تقهقر سريع للغة العربية العلمية جرّاء عدم استعمالها في عملية التدريس والتأليف والترجمة.
وهل هناك لغة في العالم تتقدّم في مجال دون المجالات الأخرى؟ فإن قضينا على مجال فيها صارت اللغة مكسورة الجناح. والمنطق السليم الذي تسير عليه الدول التي تحترم نفسها ومقوماتها ينادي البلاد العربية بتدريس كل المواد في مؤسساتها التعليمية باللغة العربية حتى مستوى معيّن من الدراسة… مع التأكيد على تعلّم لغة أو لغتين أجنبيتين للتواصل العلمي والدراسة بها عند الحاجة.

من يخدمها الآن؟

ورغم خيبة الأمل في سلوك حكامنا في هذا المجال، فهناك هيئات تخدم اللغة العربية العلمية خدمة جليلة. دعنا هنا نشيد ببعضها : في فلسطين نجد في جامعة بير زيت موقعا إلكترونيا ممتازًا، يسمَّى “أنطلوجيا العربية”، يقدم كمّا كثيفا من المعلومات حول المصطلحات العلمية والترجمة بشكل منهجي يستحق جهود الساهرين عليه كل الثناء.

وفي السعودية تقف مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية كالمنارة تخدم نشر العلوم باللغة العربية حيث تضع على موقعها الإلكتروني بالمجان في متناول أي متصفح عددا كبيرا من أمهات الكتب العلمية المترجمة والمؤلفة باللغة العربية، فضلا عن ترجمة مجلات علمية راقية منها أرقى مجلة علمية في العالم، وهي مجلة “نيتشر” (Nature) البريطانية والمجلة الفرنسية الذائعة الصيت “العلم والحياة” (Science & Vie).

والثناء أيضا على “الموسوعة العربية السورية” التي تقدم، بالمجان، في موقعها خدمات لم يقدمها أحد في المصطلحات العلمية والتعريف بالمفاهيم في شتى العلوم وأعلامها. وقد شارك ولا يزال يشارك في ذلك أزيد من 1700 عالم عربي. ولا تفوتنا هنا الإشارة إلى دور مؤسسة التقدم العلمي الكويتية التي أبلت البلاء الحسن في نشر الثقافة العلمية بإصدار ترجمات لأمهات الكتب العلمية وكذا مواصلة ترجمة عدد من المجلات العلمية الراقية.

كما أن قطَر تشرف على موقع إلكتروني ثري، يُدعى “منظمة المجتمع العلمي العربي” تضع فيه، بالمجان، وبصفة دورية، الجديد من الأخبار والبحوث العلمية والكتب. وقد أصدرت هذه المنظمة مؤخرا مجلة علمية أكاديمية باللغة العربية. وتقوم دول عربية أخرى، كالإمارات ومصر بترجمة مجلات علمية عريقة، مثل المجلتين الأمريكيتين “العلوم للعموم” (ترجمة Popular Science) و”لِلْعلم” (ترجمة Scientific American).

ومن المبادرات الطيبة التي اطلعنا عليها مؤخرا، ظهور موقع إلكتروني متخصص في “الذكاء الاصطناعي باللغة العربية” (AI in Arabic)… وآخر مقال نشر فيه كان بحثا قيّما حول ما يعرف بـ”التعلم العميق” (Deep Learning) بقلم أحد طلاب السنة الخامسة من جامعة حلب!

هؤلاء جميعا يخدمون العربية بمبادراتهم الهادفة أكثر مما يخدمها غيرهم. والمؤسف أنه توجد هيئات مطالبة بأداء هذه المهمّة، لكننا لا نرى منها ثمرة داعمة بفعالية لهذا التوجّه. وفي هذا السياق، يمكن أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر “مكتب تنسيق التعريب” التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. فهذه الهيئة مطالبة منذ الستينيات من القرن الماضي بوضع معاجم موحّدة في مختلف الفروع العلمية.

ومن يتصفّح هذه المعاجم يدرك أن عملها متواضع جدا، ولا يفي أبدًا بالحاجة… وهذا خلافًا لما نقف عليه، مثلا، من جهود في “الموسوعة الحرة” (ويكيبيديا) في المجال العلمي… تلك الجهود التي يقوم بها أفراد ومؤسسات عربية بصمت وإيمان، علمنا أن بعضًا منها قام بترجمة ما لا يقل عن ألفي (2000) مقال إلى العربية في هذه الموسوعة! فمتى ندرك أن معاناة العالم العربي من معانة لغتهم؟!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
8
  • حماده

    ولا ننسى الإشادة بالمدرسة العليا للأساتذة بالقبة لما تبذله من جهود في تمكين العربية
    ولا ننسى أيضا الجهود الجبارة للدكتور سعد الله في ترجمة كتب الرياضيات للغة العربية حيث تعد ترجمته أحسن من غيرها للطلاب ومنها الكتاب المعروف: التحليل الدالي لكولموغوروف

  • أمغار

    لا يمكن لأي أمة أن تتطور بغير لغتها...

  • شوية عقل

    قضيةوقت فقط
    الجيل القادم أكثر اهتماما بالعربية من جيل الثورة وجيل الدشرة
    العربية من حيث الشعبية هي الرابعة عالميا
    مسلمون جدد في العالم يعني دارسون جدد للعربية
    حاربوها انتم في بلدانكم فيقيض الله لها أناسا أجمل وأنقى، ويكفي أن تنظر لمسلمي آسيا لترى تلك الوداعة وذاك الجمال
    أم مسلموا العرب فالكوارث والفساد والتخابر لصالح الغرب فاق التصورات

  • قدور0031

    لو كانت اللغة العربية قاصرة لما اختارها عالم الغيب وخالق التكنولوجيا لحمل رسالته الأبدية
    يصدق كلامي من يؤمن بالله ويكذبه من يعبد الله على حرف ولا يصدق وعده
    العربية عائدة عائدة وبقوة، أكيد لن تعود مع قوم يرتادون المقاهي أكثر من المكتبات.

  • عثمان سعدي

    يا أستاذ أبو بكر لماذا لم تشد بالدولة العربية الوحيدة التي يدرس في جامعاتها الطب والتقانة باللغة العربية؟

  • أستاذ

    من يخدمها ؟؟؟ العرب معظمهم فب حروب !
    أنهكتهم الطائفية و الجهوية والفتن والحروب الأهلية سببها داخلي من جهل الشعوب و خارجي من مؤامرات الصهاينة والمنافقين و الغرب الصليبي.

  • okba

    لغه اثبتت عجزها رغم الامكانات الضخمه المسطره...الان جاء دور اللغه الاصليه الامازيغيه

  • غريب الديار

    من يخدمها الان? لا احد، لغة القران فخر و عزة لمن أراد