الجزائر
اليوم الأخير لمعرض "طريق الحرير"

من “سمرقند” إلى “بغداد”.. نهاية رحلة جابت قارة آسيا

الشارقة: حسان مرابط
  • 162
  • 0
ح.م

كشف مهرجان الشارقة القرائي للطفل في طبعته الـ11 التي اختتمت السبت، اللثام عبر معرضه المميز “طريق الحرير” عن حكاية النهاية المتعلقة باليوم الأخير لقافلة الحرير التي حطت رحالها ببغداد وقبلها شقت قارة آسيا وعبرت جبالها وصحاريها ووديانها وبراريها.

كانت “سمرقند” آخر المدن الجميلة، هي نقطة التوقف النهائية أمام القافلة قبل وصولها إلى بغداد، المدينة التي صنعت منذ طفولة التاريخ، لواصل الرحالة مسيرهم بعد أن يستجمعوا قواهم وشغفهم وبضاعتهم التي باعوا جزءاً منها للأهالي والمحال، والأخرى التي ابتاعوها من هنا ليذهبوا بها غرباً صوب الأقصى من الأرض الخضراء، بدت عيون الشيخ وكأنها محمّرة، سألوه ما بك يا شيخ؟ قال: لا شيء ربما هي مجرد حرارة الطقس وأشعة الشمس لا أدري لا عليكم هيّا بنا لننطلق، وبالفعل تجهّز الجمع وهمّوا بالرحيل.

أطرقت القافلة في سمعها نحو نداء أخير من أهالي المدينة يوصونهم أن كونوا بخير، وانطلقت القافلة بعد أن خبأت في ذاكرتها الكثير عن حكايات وروائح وأطعمة المدينة وتاريخها، كانت سمرقند مدينة لا تتكرر، في الطريق سيلتقي رحالة القافلة بمشاهد لم يروها من قبل، الطريق إلى بغداد ليست بالصعبة بل ممهدة بالكثير من الجمال، وبمجرد ما تاهت الصحراء خلفهم انتهى الصعب.

“آمو داريا” أو نهر جيجون، فاتحة مائية لعبور البلاد، شقّ طويل يصل إلى 2.525 كيلو متر، يقصّ كلّ من أفغانستان وطاجكستان وأوزباكستان، يقطع ثلاث بلاد، فهو الرئة التي تمدّ سكان تلك البلاد بالحياة، ما أن شارفت القافلة على الوصول إليه حتى بدأت بالفرح هناك مصبات مائية .. فأينما وجد الماء وجد الفرح، وهكذا حتى وصلوه ليلاً، متعبين منهكين، تكاثروا حول ضفافه، حتى ما أنهكهم النعاس وناموا.

وبعد ان استفاق الجمع، بدأوا في لملمة متاعهم، استداروا الكل في مكانه الرحال على الجمال، لكن أين الشيخ؟ الكل موجود إلاه، أين تراه ذهب؟ بدأ الصياح ياااشيخ… أين أنت.. هيا سنذهب!!.. بعد بحث متواصل وجده أحد الصبية سانداً ظهره إلى جذع شجرة خرّوب كبيرة، هندامه مرتّب، طاقيته المعهودة ترتاح إلى جانبه، وجهه صافٍ لا يشي بشيء، لكنه بارد كقطعة ثلج، مدّ أحد الرجال ليحاول ايقاظه فتهاوى مثل ريشة كسرتها الريح. ودُفن الشيخ على ضفة النهر، ودعه الرحالة ثم اتجهوا إلى الغرب صوب بغداد.

بغداد هذه المدينة التي وقفت على بوابة الحياة ولم تتنازل عن كبريائها يوماً، مرّ عليها الاشوريون والبابليون والسومريون والحضارات الغابرة، مرّ عليها كلّ البشر، ومازالت تستحم في كلّ صباح من دجلة وفي المساء من الفرات، تصبّ بها كلّ المياه، فتستيقظ فاتنة مع كل أشعة شمس، هكذا كانت في أول نظرة لها من بعيد، مدينة بأسوار عالية وكأنها دوماً على أهبة الحرب، تساءل الرحالة عن ماهية هذه البوابات، أجاب آخر: هي مداخل المدينة، ودرءاً للغزاة، أهلها وادعون خلفها، نيران قدورهم متقدة، والعيون تلمع، هذه مدينة ساحرة، سنصل لها وسنبقى بها إلى أن نعود في العام المقبل.

دخلت القافلة بوابة بغداد، استقبلهم الأهالي بالأرزّ والوردّ، الزائر إليها لا يخيب، والناس هناك يشمون رائحة الغريب من بعيد فيهدئون من روعه ويطفؤون غربته، في بغداد رائحة مختلفة، جميلة، نقية، كمسحة المطر على جبين الأرض، مثلما تترك الأم قبلتها على جبين الوليد، لقد كانت الدهشة هي كل ما اعتمل في داخل الرحالة، هذه البلاد لم يروا مثلها من قبل، مزينة بالنخيل، هادئة مثل القصب، هذه بغداد قصر الذهب والقباب، مدينة السلام، بيت الحكمة.

مقالات ذات صلة