الرأي

من تحت الأنقاض يقاومون… ومن مستوطناتهم يفرون!

محمد سليم قلالة
  • 671
  • 0

 يخرج من تحت الانقاض حاملا عبوة الشواظ.. يجد لنفسه طريقا نحو دبابة الميركفاه، يسارع الخُطى في أرض رملية كانت تعينه وهي تخفي حركة قدميه.. يضع عبوة الشواظ على مقربة من باب الدبابة الخلفي بِنحو متر ونصف المتر.. ينزع فتيل صاعق التفجير.. ينسحب جريا بكل قواه تجاه فوهة نفق يحميه.. تنفجر الدبابة خلفه بمن فيها.. مُخلِّفة قتلى وجرحى في صفوف العدو الظالم، مُمَرِّغة أنفه في التراب…
بهذه الصورة يختزل لنا المقاوم الفلسطيني كل معادلة الصراع في المنطقة ويكشف لنا عن طبيعتها وأطرافها ومصيرها أيضا.. إنه وحده، صَنع قنابله بنفسه، تَسلَّح بإرادته، وحقق الهدف الذي عجزت جيوش تزعم أنها كبيرة على تحقيقه..
نتيجة أولى من ذلك تقول: يمكن الصمود في وجه العدو وهزيمته متى توفر الإنسان حامل الفكرة المستقل بإرادته المستعد للتضحية بنفسه من أجل فكرته.
– لم ينتظر هذا المقاوم امتلاك دبابة مماثلة تغير موازين القوى لصالحه، لم ينتظر أكثر الأسلحة فتكا تقع بين يديه ليشرع في القتال، بل تحرك بما لديه وكانت النتيحة الثانية: يمكن الانتصار حتى وإن كان الميزان العسكري بالمفهوم التقني مختلا لصالح الطرف المعتدي…
– لم يقم هذا المقاوم بإجراء حسابات الربح والخسارة التقليدية وهو يتعامل مع دبابة Merkava Mk.4M المزودة بنظام الحماية النشط Trophy APS، بل كان على دراية بطبيعة التكنولوجيا التي تحملها وخاطر بحياته لتحقيق الهدف، وتمكن من ذلك. وهي النتيجة الثالثة التي نستخلصها من هذا العمل البطولي: بدون المخاطرة بكل شيء لن تُحقق أي شيء، وهو ما لا يستطيع العدو حسابه.
في المحصلة تقول الخلاصة:
– أن المقاومة الفلسطينية إنما اليوم تنتصر بفضل تضحيات أبنائها وإصرارهم على تحقيق النصر بدون ربط ذلك بوجود أو عدم وجود دعم خارجي لها.. الأهداف تتحقق حتى في ظل سُبات البعض وخذلان البعض الآخر وتآمر طرف ثالث.
– إن صمود المقاوم الفلسطيني اليوم يرمز إلى أن هناك قدرات كامنة لدى الأمة في الانتصار على أعدائها، يكفي أن نثق فيها، ونُعِد الرجال والنساء لمثل هذه اللحظات روحيا ومعنويا وماديا كما حدث في غزة طيلة السنوات الماضية ويحدث الآن في الضفة الغربية في شكل لافت للانتباه..
– أن القدرات التدميرية للعدو الصهيوني، مهما كانت هائلة، ويمكنها أن تتسبب في جميع أشكال التدمير، أبدا لن تستطيع كسر العزيمة والإرادة الكامنة في جوهر الإنسان..
وأخيرا وليس آخر، هناك مسألة جوهرية توحي بها صورة الفلسطيني وهو يخرج من بين الأنقاض ويفجر السلاح الرمز لقوة الأعداء على الأرض أي دبابة الميركافاه وصورة الصهيوني وهو يفر من مستوطناته جنوبا وشمالا، أن الصهاينة لن يبقوا في هذه الأرض وإن احتلوها لعقود من الزمن، وهم راحلون عنها وإن حوَّلوا مساكن أصحابها إلى أنقاض أو سووها بالأرض، وهم غير قادرين على منع أبنائها من إعادة إعمارها وإن أبادوا جماعيا وعمدا عشرات الآلاف منهم… في المقابل تلك الصورة الأخرى البائسة لِمستوطنيهم المحتلين الغاصبين الذين يدَّعون أنها كانوا ذات يوم تاريخيا هنا، وهم يفرون تباعا رافضين العودة إلى ما بنوه من دور وقصور حتى تحت حماية أرقى التكنولوجيات العسكرية والمدنية بما فيها الأمريكية.. في دلالة واضحة عن الفرق بين مَن يخرج من تحت الأنقاض لِيُقاوم المحتل، ومَن يرفض العودة إلى أرض يزعم أنها له حتى وإن كان في حماية أكثر القِوى قدرة عسكرية في الأرض وفي الأجواء…

مقالات ذات صلة