الرأي

من‮ ‬يجرؤ على دم السبع‮..‬؟

عبد الرزاق قسوم
  • 3288
  • 0

ما كنت أحسبني‮ ‬أحيى إلى زمن‮ ‬يجرؤ فيه وغد،‮ ‬على الدم الجزائري‮ ‬الغالي،‮ ‬دم الأسود‮. ‬وما كنت أتصور،‮ ‬أن من‮ ‬غذته الجزائر بلبنها،‮ ‬وربته من معدنها،‮ ‬ودفعت في‮ ‬حق شهرته من ثمنها،‮ ‬أن‮ ‬يكون أول الناعقين بهدم وحدتها،‮ ‬والنابحين بتفكيك أواصر أسرتها‮.‬

فهل هانت الجزائر في‮ ‬عيون بعض المنتسبين لتربتها،‮ ‬إلى حد الكفر بنعمتها،‮ ‬وحمل الفؤوس،‮ ‬من أجل تقويض دعائم هيبتها،‮ ‬والعاملين على تعميق جراحها ومحنتها؟

وهل هان اسم الجزائر،‮ ‬على ألدّ‮ ‬أعدائها فأصبح‮ ‬يملك الوقاحة،‮ ‬حتى على مجرد النبس بالتنديد،‮ ‬أو التهديد،‮ ‬أو الترديد لعبارات المساس بأرض المليون شهيد؟

لقد تفاجأنا،‮ ‬كما تفاجأ كل أحرار العالم بما‮ ‬يحدث،‮ ‬فما كان همسا،‮ ‬خرج إلى العلن،‮ ‬وما كان نبسا تحول إلى العفن،‮ ‬وسوء الظن،‮ ‬ونسج الفتن‮.‬

سقط القناع‮ ‬‭_‬إذن‮- ‬على وجوه الرعاع،‮ ‬وأتباع سقط المتاع،‮ ‬فحرّك ذيله من ضربنا رأسه،‮ ‬وأغطش ليله،‮ ‬من عتمنا فجره،‮ ‬فالوحدة الوطنية،‮ ‬التي‮ ‬امتدت حرب التحرير سنوات من أجل المحافظة عليها،‮ ‬وعدم السماح بفصل رمالها،‮ ‬أو تدجين رجالها،‮ ‬أو رهن مآلها؛ هذه الوحدة المقدّسة انبرى اليوم،‮ ‬عمالةً‮ ‬وتطوعاً،‮ ‬من‮ ‬يشكك في‮ ‬حقيقتها،‮ ‬ويقدم لسادته العربون على المساس بثمن عقيقتها‮.‬

تذكرت،‮ ‬والذكرى مؤرقة،‮ ‬الحِكَم العربية في‮ ‬هذا المجال،‮ ‬كالمثل القائل‮: “‬عجباً‮ ‬حتى الكُليب سبني‮”.‬

والمثل القائل‮:‬

لقد هزلت حتى بدا من هزالها كِلاها‮     ‬وحتى سامها،‮ ‬كل مفلس

وما الهزال الذي‮ ‬أصاب جزائرنا إلا بسببنا،‮ ‬فقد تفشت القابلية للاستعمار فينا،‮ ‬والقابلية للتجزيئية في‮ ‬صفوفنا،‮ ‬إلى الحدّ‮ ‬الذي‮ ‬صرنا فيه نضحي‮ ‬بثوابتنا المحصِّنة لوحدتنا‮. ‬وتقديم التنازلات المخزية،‮ ‬ثقافيا،‮ ‬واقتصاديا،‮ ‬وصناعيا،‮ ‬وسياسيا،‮ ‬إلى المستوى الذي‮ ‬هنّا فيه على أنفسنا،‮ ‬وعلى أعدائنا‮.‬

أيطربكم من جانب الغرب‮        ‬ناعق،‮ ‬ينادي‮ ‬بوأدي‮ ‬في‮ ‬ربيع حياتي

إن ما أقدم عليه المسؤول الفرنسي‮ ‬السابق من تشكيك في‮ ‬مستقبل الجزائر،‮ ‬لهو الجزاء لما قدمناه بأيدينا،‮ ‬من تشكيك في‮ ‬قدرتنا الثقافية،‮ ‬وأهليتنا السياسية،‮ ‬واستقلاليتنا الاقتصادية‮.‬

إنه ليحق لنا،‮ ‬أن نحاكم،‮ ‬كل من ساهم أو‮ ‬يساهم،‮ ‬في‮ ‬نشر النفوذ الأجنبي‮ ‬من التمكين لثقافته،‮ ‬أو بسط نفوذ سيادته،‮ ‬أو الارتماء في‮ ‬أحضان سياسته‮. ‬فقد كان جزاء ذلك كله،‮ ‬الموقف التنديدي‮ ‬المخزي‮ ‬بتاريخنا،‮ ‬وجغرافيتنا،‮ ‬ومستقبل سيادتنا‮. ‬ويمينا برّة،‮ ‬لاحِنثَ‮ ‬فيها،‮ ‬لو كنت آمراً‮ ‬بشيء،‮ ‬لأمرت بعودة الجزائري‮ ‬إلى ذاته العميقة،‮ ‬فمنعت عنه الكتابة بغير ثقافته في‮ ‬بيئته،‮ ‬والتحدث في‮ ‬بيته بغير لغته،‮ ‬وتقديس قيمة عملته،‮ ‬وتجارته،‮ ‬وصناعته‮.‬

فقد بالغنا،‮ ‬في‮ ‬الاستهانة بمقوّمات كينونتنا،‮ ‬وهويتنا،‮ ‬ووجودنا،‮ ‬فاستخف بنا أعداؤنا،‮ ‬والعاقون من أبنائنا‮.‬

كتب المنسلبون منا،‮ ‬بغير لغتنا على محلاتنا،‮ ‬فقيل إنه الانفتاح الثقافي‮. ‬وتشدق بعضنا بمخاطبة إخوانه،‮ ‬وأبنائه،‮ ‬بغير لغته،‮ ‬فاعتبرنا ذلك عنوان الحداثة والتقدم‮.‬

صادرنا إرادتنا الاقتصادية،‮ ‬والصناعية،‮ ‬والعقدية،‮ ‬والإيديولوجية،‮ ‬وأدخلنا ذلك كله في‮ ‬خانة العولمة والعالمية‮. ‬وماذا كانت النتيجة؟ مؤامرة على وحدة وجودنا،‮ ‬ودس كل المكائد،‮ ‬على معتقدنا،‮ ‬بنشر التنصير،‮ ‬والزج بكل المصائد،‮ ‬على هويتنا،‮ ‬باسم حرية التفكير،‮ ‬وبث فكر التكفير،‮ ‬والتفجير،‮ ‬والتبذير‮.‬

أما آن لنا أن نستفيق من‮ ‬غفلتنا بعد الذي‮ ‬حدث ويحدث؟ ألم تدق ساعة الحسم للخروج من كل أنواع الذبذبة إلى وضوح تحديد المسير نحو المصير؟

إننا أمام محكمة التاريخ العادلة واقفون،‮ ‬وإن شهداءنا الأبرار لفي‮ ‬دهشة من أمرنا‮ ‬يتساءلون؟ وإن الماهدين من علمائنا ومجاهدينا،‮ ‬لفي‮ ‬حسرة من أمرنا،‮ ‬يتململون،‮ ‬‭_‬أَفَسِحْرٌ‮ ‬هَذَا أَمْ‮ ‬أَنتُمْ‮ ‬لَا تُبْصِرُونَ‭_‬‮.‬

إننا نرسل بزفرة حارة،‮ ‬إلى ذاكرة التاريخ أن حذار،‮ ‬فقد بلغ‮ ‬السيل الزبى‮. ‬وإن مقصلة التاريخ العادلة،‮ ‬لن‮ ‬يفلت منها أحد،‮ ‬فهذا الوطن ضحى من أجل حريته واستقلاله ووحدته،‮ ‬وثوابته،‮ ‬الخيّرون،‮ ‬ولن‮ ‬يخزي‮ ‬الله تضحياتهم،‮ ‬ولن‮ ‬يغفر لمن تهاونوا،‮ ‬أو تواطئوا،‮ ‬أو تقاعسوا عن مهمة إنقاذ الوطن مما هو فيه،‮ ‬وكلنا ثقة وأمل بأن في‮ ‬الوطن رجالاً‮ ‬ونساء مخلصين،‮ ‬لا‮ ‬يزالون‮ ‬يؤمنون بحقيقة الوجود الوطني،‮ ‬فهم في‮ ‬سبيل ذلك‮ ‬يجاهدون ويضحّون،‮ ‬مهما‮ ‬غيّب الباطل جهدهم،‮ ‬وعتم المفسدون عهدهم،‮ ‬وشوه المبطلون قصدهم‮.‬

بعد أن تجرأ الأعداء وأعوانهم على وحدتنا،‮ ‬وعلى سيادتنا،‮ ‬لم‮ ‬يعد الصمت ممكنا،‮ ‬وتصبح كل مداهنة أو مواربة،‮ ‬خيانة لله،‮ ‬ولرسوله،‮ ‬وللمؤمنين‮.‬

لذلك نتجه إلى كل ضمير حي،‮ ‬إلى كل مثقف،‮ ‬إلى كل عالم،‮ ‬إلى كل مجاهد،‮ ‬إلى كل مواطن صالح،‮ ‬نخاطب فيهم بقايا الوعي،‮ ‬بأن مجرد القول لم‮ ‬يعد كافيا،‮ ‬وأن القلم لم‮ ‬يعد وافيا،‮ ‬فقد تحولت الكلمات إلى جمرات،‮ ‬والعبارات إلى قاذفات‮.. ‬فأمام المصير الوطني،‮ ‬يجب أن تذوب كل الخلافات،‮ ‬وتنمحي‮ ‬كل النعرات،‮ ‬وأن تتوحد حول المقدسات كل الكفاءات،‮ ‬وكل الجهات،‮ ‬وكل أنواع الثقافات واللهجات،‮ ‬استعداداً‮ ‬للخطر الذي‮ ‬هو آت‮.‬

ونحذر في‮ ‬الختام كل ضبع،‮ ‬من المساس بدم السبع‮.‬

مقالات ذات صلة